أعلنت الجماعة الإسلامية المسلحة التي كان يتزعمها جمال زيتوني في 26 أفريل 1996، مسؤوليتها عن عملية خطف سبعة رهبان فرنسيين من دير تيبحيرين على بعد 7 كلم غرب المدية، واقترحت مبادلة الرهبان بناشطين إسلاميين معتقلين وهددت قائلة: »إذا أفرجتم عن المعتقلين نفرج عن الرهبان وإذا لم تفعلوا سنذبحهم«. وفي 23 ماي 1996، أعلنت الجماعة الإسلامية أنها أعدمت الرهبان في 21 ماي، متهمة الحكومة الفرنسية بأنها لم تحترم المفاوضات، وفي 26 جويلية أعلن مقتل قائدها جمال زيتوني في اشتباك مع جماعة سيد علي بن حجر فاختفى بهذا الشاهد الأول على مقتل الرهبان... وككل سنة في مناسبات معينة وحسب أجندات محددة تعود مجددا قضية اغتيال رهبان تيبحيرين السبعة في شهر ماي من سنة 1996، إلى التداول من طرف أوساط فرنسية، بعد مزاعم عن تورط الأمن العسكري الجزائري في الجريمة، بخلاف الشهادات السابقة في القضية، والاتجاه العام الذي شهد به العناصر القيادية في الجماعة الإسلامية المسلحة أنفسهم وقيادات في المخابرات الفرنسية كذلك لا شك في نزاهتهم والدرجة العالية من المسؤولية التي يتحلون بها داخل فرنسا مثل الجنيرالان فيليب راندو وإيف بوني. طل علينا هذه المرة الصحفي المقرب من المخابرات الخارجية الفرنسية جون باتيست ريفوار بفيلم جريء، أو أجرأ من ذي قبل »اغتيال الرهبان«، وأسند إليه شهادتين جديدتين. الأولى للضابط السابق في المخابرات الجزائرية كريم مولاي الذي منذ فراره إلى بريطانيا مطلع 2000 أكثر الاتهامات والكلام من غير طائل ولا دليل، متزلفا حينا إلى المغرب باتهامه الجيش الضلوع في تفجيرات الدارالبيضاء ومتوددا حينا آخر إلى باريس بمثل هذه الأباطيل التي لا يقيم عليها الأدلة والثاني لرجل يقول أنه من المخابرات وأنه شارك في اختطاف الرهبان. غير أنه لا يظهر وجهه ولا يذكر اسمه لنتعرف عليه مما ينزع منه المصداقية بل ويعرضه من الناحية العلمية والقانونية للريبة والشك الصريحين والمشروعين، لأن النكرة تبقى مبنية للمجهول ولا حظ لها في الظفر بالمصداقية في حال من الأحوال. ولعل الاتهامات الجديدة القديمة لها هذه السنة نكهة خاصة مع سقوط الأنظمة العربية الواحدة تلو الأخرى وبقاء العواصمالغربية تترقب الدور الجزائري في السقوط والذي لم يأت... في وقت أكد مراقبون أن الضغوط السياسية والاقتصادية على الجزائر ترمي إلى التعجيل بهذا السقوط. وعلى الرغم من الشهادة التي قدمها كل من وزير الخارجية الفرنسية آنذاك هرفي دي شاريت، وشهادة مسؤول مديرية حماية الإقليم في المخابرات الفرنسية إيف بوني، التي أكدت بأن الرهبان تم إعدامهم من طرف الجماعات الإسلامية المسلحة بقيادة زيتوني جمال، وأن مسؤولية مقتلهم تتحمله مديرية الأمن الخارجي في المخابرات الفرنسية، بعدما تفاوضت بصفة انفرادية ودون إعلام المخابرات الجزائرية مع مبعوث الجيا داخل مقر السفارة، إلى جانب شهادة الراهب جان بيار وهو واحد من الرهبان الفرنسيين الذين نجوا من الموت في مذبحة تيبحيرين، والذي قدم رواية مختلفة تماما عن تلك الرواية الفرنسية التي تتهم الجيش الجزائري بإطلاق نيران عن طريق الخطأ، مؤكدا أن الرهبان اعدموا من طرف الجماعات الإسلامية المسلحة، إلا أن أوساط فرنسية لا تزال تطعن في كل هذه الروايات وهو الموقف الذي يفسره مراقبون في شأن عدم طي الملف يأتي في إطار مخطط يهدف للضغط على الجزائر وتحقيق أهداف تتجاوز القضاء إلى مسائل سياسية واقتصادية، فالفيلم الجديد لم يقدم أي جديد يذكر أو يعتمد عليه لا من ناحية المضمون ولا من ناحية أهمية الشهود ومصداقيتهم وتبقى الغلبة في الحجة لليقينيات لا للظنيات كما يقول علماء الأصول... الشهادات الفرنسية »إيف بوني« مدير الأمن الإقليمي الأسبق : »قاتل الرهبان الفرنسيين هو جمال زيتوني لا غير« أكد إيف بوني، المسؤول السابق للمخابرات الفرنسية، السنة الماضية ردا على كلام الجنرال بوشوالتر أن مقتل رهبان تبحرين قد وقع فعلا بالطريقة والكيفية والحيثيات كما جاء في الرواية الرسمية للسلطات الجزائرية. وقال بوني، الذي كان على رأس مديرية حماية الإقليم في منتصف الثمانينيات وتتبع عن علم وكثب مجريات اختطاف الرهبان لعلاقاته المتميزة مع الجنرال إسماعيل العماري، إن السلطات الجزائرية كانت قد بذلت قصارى جهدها لتحرير الرهبان السبعة بتبحيرين، وكانت قد اقترحت على السلطات الفرنسية مواصلة البحث عن جثث الرهبان بعدما تم العثور على رؤوسهم، غير أن الجانب الفرنسي فضل وقف عملية البحث. وتعجب إيف بوني من الاتهامات الفرنسية ومن رواية الجنرال الفرنسي بوشوالتر، الذي رأى أن مقتل الرهبان يكون قد وقع عن طريق الخطأ نافيا نفيا قاطعا احتمال إطلاق النار على الرهبان من على طائرة عمودية دون إصابة رؤوس الضحايا، وشدد النكير على تصريحات الجنرال الفرنسي المتقاعد بجدوى إخفاء الأجساد دون الرؤوس على فرض صحة ما صرح به الجنرال. شهادات من داخل »الجيا«:العضو المؤسس للجماعة الإسلامية المسلحة »عمر شيخي« يدلي بشهادة لله ثم للتاريخ : »جمال زيتوني هو قاتل الرهبان الفرنسيين سنة 1996« قال عمر شيخي أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية المسلحة في حديث خص به »السلام اليوم«, إن المتاهات التي دخل فيها الجدال بخصوص مقتل الرهبان السبعة هي من قبيل اللغو والعبث بالحقائق وإلا فإن مقتل الرهبان كان على يد الأمير جمال زيتوني المعروف باسمه »ابو عبد الرحمن أمين, وهذا أمر معروف لدى الخاص والعام ومفروغ منه«. وقال المؤسس السابق للجماعة الإسلامية المسلحة إن هذا الحادث سيبقى وصمة عار في جبين الجماعة وهذا الكلام قلناه في حينه لجمال زيتوني كما قلنا له إن الجماعة أصبحت بهذا الفعل غادرة وغادرة ولن يؤتمن جانبها بعد اليوم, لأن الرهبان كان لهم علينا »عهد أمان« من وقت السايح عطية نائب الأمير سنة 1993 والذي أعطى الأمان للرهبان بشرط أن لا يدعوا الناس إلى المسيحية». وحسب شيخي فإن جمال زيتوني حينها كان يعاني من الهزائم وتدهور الحال فأراد القيام بأمر يرد به بريق الجماعة وكان منقطعا في جبال المدية لم يدخل إلى العاصمة إلا مرة واحدة زار فيها أهله في بئر خادم, وكان يتنقل بنوع من الحرية لأنه لم يكن يشبه الصورة التي يعرفها الأمن والإعلام والتي هي صورة قديمة يرجع تاريخها إلى سنوات المعتقلات الجنوبية في مطلع التسعينيات. وكانت حاشية جمال زيتوني حينها تتكون من أمثال رضوان ماكادور وأبو ريحانة فريد عشي وعنتر زوابري وعبد الصمد وغيرهم ممن زينوا له الاختطاف لما تم اغتيال الرهبان, كنا من الجماعة التي لامته كثيرا وقلنا له أنه نزل بالخزي والعار على الجماعة لأنه هاجم شيوخا مسالمين لهم علينا عهد الذمة ... الجنيرال »فيليب راندو« منسق الأمن الإقليمي وقت الإختطاف : »القاتل واحد ومعروف ومحدد لدينا.. إنه جمال زيتوني أمير الجماعة الإسلامية المسلحة« لعل فيليب راندو من أبرز رجال المخابرات الفرنسية على الإطلاق. فهو عمل في مديرية أمن الإقليم الدي أس تي وعمل في المديرية العامة للأمن الخارجي وهما جهازان جد متنافسان ومتنافران في فرنسا، كما عمل مستشارا في وزارات يمينية وأخرى يسارية في الحكومة الفرنسية كما شارك في حكومة بيار جوكس في إنشاء الأمن العسكري الفرنسي. وهو إلى هذا أحد المختصين في العالم العربي والمعترف لهم بالمعرفة الكبيرة للجماعات الإرهابية لا سيما الجماعة الإسلامية المسلحة. ويعتبر أيضا المسؤول عن توقيف الإرهابي العالمي كارلوس كما. بخصوص القضية التي نحن بصددها يقول الجنرال فيليب راندو في شهادته سنة 2010 أمام القاضيين مارك تريفيك وناتالي بو: إن جماعة موالية لجمال زيتوني إن لم يكن زيتوني نفسه هم من قام باختطاف الرهبان الفرنسيين ثم قتلهم ولعل المصالح الأمنية حاولت في وقت من الأوقات التوغل في وسط الجماعات المسلحة، ولكن كان ذلك لغرض ضربهم من الداخل وتفجير بنيتهم الداخلية فحسب. وأضاف..أنا ليس لي أدنى دليل في تورط المخابرات الجزائرية في عملية الاختطاف بل كل ما أعلمه وأحيط بحيثياته هم يد الجيا الواضحة في هذه القضية. شهادة سيد علي بن حجر أمير الرابطة الإسلامية للدعوة والقتال : »الجماعة قامت بفعلة شنعاء لا يقرّها الشرع ولا يرتكبها من في قلبه مثقال ذرة من مروءة« لما انحرفت الجماعة بقيادة زيتوني نقضت عهودها وناقضت المنهج القويم فاستباحت دماء وأعراض وأموال المخالفين لها في التوجه، فلم يعد من الغريب أن تقدم على تلك الفعلة الشنعاء من اختطاف الرهبان وقتلهم مادامت قتلت خيار الدعاة والقادة المجاهدين وأفراد الشعب المتعاملين معها. ولما أحسّت قيادة الجماعة المُنحرفة أن كتيبة المدية ترفض الإقدام على اختطاف الرهبان استعانت بكتائب أخرى من البرواڤية ووزرة وبوقرة والبليدة وبعض الأفراد من المدية المحسوبين على السلفية، وهم أقرب إلى التفكير والهجرة منهم إلى السلفية ومُعظم هؤلاء قُتلوا على أيدي جماعة زيتوني قتلة شنيعة حين تفطّنوا مؤخراً إلى انحراف الجماعة وأدركوا إلى أين سيؤول الجهاد تحت رايتها. أقول استعانت بالكتائب الأخرى وخططت ونفذت ذلك، ولم نكن نعلم به كما أنه لم يخطر على بالنا أنهم سيقدمون عليها بتلك السرعة، فقد عزم إخواننا في الكتيبة في تلك الأيام على إخبار الرهبان بما تدبره الجماعة المنحرفة من محاولات اختطافهم ليكونوا على بينة من أمرهم فيبتعدوا أو يطلبوا من السلطة حراستهم، ولِنوفي نحن بعهدنا ونصبح في حل من أمرنا وهذا من واجبات الأمانة والعهد. لكن الجماعة سارعت في تلك الأيام بفعلتها الشنعاء التي لا يُقرها الشرع ولا يرتكبها من في قلبه مثقال ذرة من مروءة، ولم تكن المصيبة ليلتها على الرهبان وحدهم فقد اغتيل أيضاً واختطف عدة شباب من الشعب ولا ذنب لهم إلا التعاطف مع من اغتالتهم جماعة زيتوني المجرمة وهي تحسِب أنها تحسن صنعا«.