يعرف الاستعمال العشوائي للأدوية انتشارا كبيرا من طرف بعض المواطنين، فقد تزايدت ظاهرة اقتناء الأدوية دون الاستشارة الطبية في الآونة الأخيرة لدرجة أنهم أصبحوا يشترون الدواء من تلقاء أنفسهم ويشخصون مرضهم لوحدهم دون أن يبالي هؤلاء بخطورة النتائج العكسية والآثار الجانبية التي تسببها هذه الأدوية. تقربنا من بعض المواطنين للاستفسار عن هذا الموضوع، فكان رد كل من (ن.ب) و(ع.س) يصب في اتجاه واحد، حيث قالا أن بعض الأمراض العابرة تجعلهم يطلبون الدواء من الصيدلي دون وصفة طبية ويضيفان «لسنا بحاجة إلى طبيب، فنحن تعودنا على شراء الأدوية بدون وصفة طبية ونحن في أحسن حال»، أما (م.ح) فقالت بالحرف الواحد «أنا طبيبة نفسي ولا أحتاج إلى استشارة الطبيب»، في حين أكدت «سامية» 39 سنة، أنها تعاني من آلام شديدة في المعدة، ولأنها اعتادت على الأدوية التي يمنحها لها الطبيب، أصبحت تقتنيها بدون وصفة طبية كلما نفدت عندها، حيث تقول «على العموم، بيتي لا يخلو من الأدوية الخاصة بآلام المعدة، فكلما نفدت من عندي ألجأ للصيدلي قصد الحصول عليها دون اللجوء إلى الطبيب، لأنه سيصف لي نفس العلاج الذي أخذته في المرات السابقة». يلجأ البعض إلى اقتناء الكثير من الأدوية دون اللجوء إلى الطبيب رغم أن حالاتهم قد تستدعي تدخل هذا الأخير، وحتى إجراء التحاليل الطبية، فهناك من يشعر بالوهن والتعب، فيلجأ إلى الصيدلي للحصول على بعض المقويات، ولكن في الواقع فقد تكون حالته عبارة عن أعراض لأمراض أخرى كفقر الدم أو انخفاض نسبة السكري أو غيرها من الأمراض، وهو الأمر الذي يتجاهله الكثيرون ف»سمية» صاحبة ال28 سنة، موظفة في مؤسسة خاصة تقول أنها لا تلجأ إلى الطبيب إلا إذا ساءت حالتها وإلا فإنها تلجأ مباشرة إلى الصيدلي للحصول على الدواء الذي تعتقد أنه مناسب لحالتها، وتضيف «أنا أعاني من الحساسية، ولأنني موظفة لا أستطيع الالتزام بمواعيد الطبيب، وكلما تعرضت لنوبة حساسية تناولت الدواء الذي وصفه لي الطبيب في المرة الأولى والذي أقتنيه من الصيدلي كلما نفد من عندي، أما عن الصداع أو الشعور بالتعب فأنا أستعمل المسكنات والمقويات التي أسمع أنها مفيدة للحالة». إن الاستعمال العشوائي للأدوية لا يكون عند الشخص نفسه، حيث يقوم بوصف العلاج لمختلف أفراد العائلة أو الأصدقاء إذا لاحظ أن أعراضهم مشابهة للأعراض التي يشكو منها، وهذا ما أكدته «سمية» التي أضافت «أنا وأختي نشكو من الحساسية وكلما بدأت أعراضها بالظهور على أختي طلبت منها شرب قرص من الدواء الذي أستعمله حتى تتحسن حالتها خاصة في الليل». وعن رأي الطب في الاستعمال العشوائي للأدوية دون استشارة الطبيب، أكدت الدكتورة –ق.ج- طبيبة عامة بالمستشفى الجامعي محمد لمين دباغين بباب الوادي في هذا الشأن أن استخدام الدواء دون استشارة طبية يعتبر خطرا على صحة المريض، مشيرة إلى أن على هذا الأخير قراءة المعلومات المرفقة بهذه الأدوية، كونها تشير إلى تاريخ انتهاء الصلاحية، بالإضافة إلى الآثار الجانبية وما تتعارض معه من أدوية أخرى. وأضافت الدكتورة أن هناك العديد من الحالات المرضية الناتجة عن الاستخدام العشوائي للأدوية كتناول دواء غير مناسب أو أخذ جرعات مفرطة، وأضافت ذات المتحدثة في هذا السياق أن فئة معتبرة من الأشخاص يعانون من مضاعفات مرضية وكذا أعراض جانبية خطيرة كالحساسية التي تؤثر بدورها على الجهاز التنفسي، حيث سجلت حالة امرأة أفرطت في تناول الأسبرين مما أدى بها إلى تفاقم الآثار الجانبية لديها، حيث أصيبت بحالة نزيف دموي رئوي حاد، كما كشفت ذات المتحدثة أن الاستعمال غير السليم للأدوية يرهق الكبد، فقد يبدأ الأمر بقرص دواء لعلاج وجع الرأس وبعد ذلك إلى مجموعة من الأدوية الأخرى كحرقة المعدة والتهابات الرئة وهكذا يفقد الكبد قوته كلما تناول كمية زائدة منها أو في حال ما يتعاطى المريض دواء كانت أعراضه الجانبية شديدة. وعلى صعيد آخر، أكدت الطبيبة أن هناك استخداما مفرطا للأدوية التي تصرف من دون وصفة طبية، خاصة المضادات الحيوية وأدوية أخرى كأدوية القولون العصبي، والباراسيتامول، دون إدراك الجرعة الحقيقية التي يجب عليه تناولها بالرغم من معرفته بخطورة هذا الاستخدام العشوائي للأدوية. كما دعت الدكتورة من جهتها المواطن لمراجعة الطبيب وعدم تشخيص مرضه لوحده، لأن كل الأدوية عبارة عن مواد كيماوية فينبغي التعامل معها بحذر. وفي نفس السياق، كشف أحد الصيدليين بالعاصمة أن أكثر الأدوية استعمالا بين المرضى دون استشارة الطبيب هي «المضادات الحيوية»، حيث يكثر عليها الطلب خلال هذا الفصل مع تزايد نزلات البرد والأنفلونزا الموسمية، حيث أكد «أن الاستخدام الخاطئ لها قد يلحق مخاطر بالجسم، لأن لها معايير تخص الجرعة التي يجب أخذها، كما أن مضادات الالتهاب هي الأخرى كثيرة الاستعمال، لكن يجب أن لا تستخدم دون وصفة طبية، فالمشكلة الحقيقية تكمن في رد فعل جسم المريض، لذا يجب إدراك المخاطر والنتائج العكسية التي قد يسببها الاستخدام العشوائي للدواء». قد يرى الكثير من الأشخاص أن تناول المسكنات أو المضادات الحيوية أو المقويات وغيرها من الأدوية التي يقتنوها دون وصفة أمر طبيعي، لأن الطبيب سبق وأن وصفها لهم، إلا أنهم يجهلون أن الأمراض تكون مختلفة عن الحالة السابقة حتى وإن تشابهت أعراضها، لذا عليهم ترك المهمة للمختص الذي يدرك العلاج المناسب والجرعات اللازمة حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.