من المهن التي اكتشفها بعض الشباب منذ وقت ليس بطويل جدا بغية كسر حاجز البطالة الذي يقف حجر عثرة في طريق كل من أراد بناء حياته الخاصة, مهنة إقامة وحراسة مواقف سيارات غير شرعية, وبات المشهد الطاغي في كثير من الأحياء شباب من مختلف الأعمار استولوا على مساحات معينة وامتلكوها لتكون مصدر رزق لهم. هذه الحظائر وإن كانت غير شرعية, إلا أنها نالت رضا البعض وبعثت الارتياح في أنفسهم من خلال توفير الحماية لمركباتهم من السطو أو التكسير, إلا أنها تثير سخط الآخرين بسبب العنوة في الدفع الذي يفرض عليهم من أصحاب تلك المواقف, لتبقى واقعا مفروضا رغم الإجراءات الردعية. كانت الساعة تشير إلى تمام العاشرة صباحا حين وصلنا إلى السوق الشعبي لعين النعجة, قضينا وقتا طويلا ونحن نبحث عن مكان آمن لركن السيارة ولم نجد أمامنا سوى الرصيف الذي يوجد في المخرج الخلفي للسوق, أين كان ينتشر على طول الرصيف ثلاثة شبان من أعمار مختلفة, كنا نظن في البداية أن كل واحد منهم أخذ مساحة معينة من ذات الرصيف, إلا أنه تبين أنهم يشتركون فيه جميعا وكل واحد مسؤول عن حراسة عدد معين من السيارات المركونة, ضاربين عرض الحائط القانون الذي يمنع استغلال الأرصفة لأي نشاط كان. اقتربنا من أحدهم لنسأله عن الثمن الذي من المفروض أن ندفعه, فقال أنه 50 دينارا وتبقى المدة مسألة تقديرية بالنسبة للمسؤول عن الموقف, وهكذا تبين أن هناك من يشرف على الموقف, وأن حراسه من الشباب الصغار ما هم سوى مستخدمين عنده ويتم اقتسام المبلغ المجموع طيلة اليوم بينهم ليأخذ «المسؤول» حصة الأسد منها, هذا ما شرحه لنا أمين 22 سنة, والذي يضيف قائلا: «أنا أمارس هذه المهنة منذ شهر رمضان الفارط, أين تنتعش مع زيادة عدد الوافدين إلى هذا السوق ما يجعلنا نكسب المال أكثر من أي وقت آخر, ومنذ ذلك الحين وأنا أمارس هذه المهنة التي أجمع منها مصروف جيبي ولا أضطر لطلبه من والدي خصوصا أنني توقفت عن الدراسة مبكرا ما جعلني عالة على العائلة». أما صديقه منير 25 سنة, فقد احترف المهنة منذ أكثر من سنتين, كان ينتقل من منطقة إلى أخرى, ومن مكان إلى آخر, ليختار أفضلها من حيث استقطاب الزبائن الذين يفضلون ركن سياراتهم في مواقف دون أخرى, ويكفي حسب منير كتابة عبارة «باركينغ» على أقرب جدار, أما المواطنون الوافدون على السوق فقد استحسنوا وجود الموقف كونه يمكنهم من التسوق وهم مطمئنون على سياراتهم ولا يهم الثمن المدفوع, فلن يضاهي أبدا ثمن السيارة إن سرقت أو تعرضت لتحطيم أجزائها, فمجرد خدشها سيكلف صاحبها مبلغا باهظا حسب ما أكده البعض. الحراسة غير مضمونة دوما هذا ما أكده عمي بوعلام 70 سنة, تعود على ركن سيارته في ذات الموقف كلما دخل السوق, يقول أنه كان يضع كل الثقة في الحراس, ولكنه فوجئ باختفاء سيارته من نوع «بيجو307» بعد أن نسيها مفتوحة, وجهت أصابع الاتهام للحارس, ولكن السيارة لاتزال في خبر كان إلى يومنا هذا, يقول بوعلام: «لم تحملني رجلاي عندما لم أجد السيارة في مكانها, في حين أكد صاحب الموقف أنه لم يكن موجودا عندما ركن السيارة, ومنذ ذلك الحين والشرطة تبحث عنها بدون جدوى», يضيف: «قطعت الأمل في إيجادها, خاصة وأنني أسمع أن كل سيارة تسرق تباع في شكل قطع غيار في السوق السوداء, لذا فإيجادها أمر مستحيل بالنسبة لي», هذا وينصح محدثنا بتفادي حظائر السيارات غير الشرعية. وفي قضية أخرى, تورط فيها حارس في إحدى الحظائر غير الشرعية في العاصمة, وكانت الضحية إحدى الزبونات التي لطالما ركنت سيارتها في ذات الموقف, كونه قريب من محل عملها, ومع مرور الوقت جمعها مع صاحب الحظيرة نوع من الثقة المتبادلة جعلتها توافق على تقديم مفاتيح السيارة له ليغير مكانها في حال احتاج أصحاب بعض السيارات الخروج, ولكنها فوجئت يوما باختفاء السيارة, فيما كان الحارس غائبا عنها, وبعد تحقيق الشرطة تبين أن السارق هو صديق حارس الحظيرة كان قد قدم له نسخة من المفتاح الأصلي ليقوم بالسرقة بكل هدوء على أن يقتسما المبلغ بعد أن تباع السيارة في شكل قطع مجزأة. وبالمقابل يقول منير أنه عندما بدأ مهنة الحراسة في «الباركينغ» كان يخجل كثيرا في مد يده لصاحب السيارة طالبا ثمن حراستها, ولكنه تعود على ذلك مع مرور الوقت حتى أصبح يراه حقه الشرعي, هذا واشتكى بعض المواطنين من التعسف الذي يتعرضون له من أصحاب بعض المواقف غير الشرعية في مناطق مختلفة, فالدفع إجباري, وبالكاد يهم صاحب السيارة بالمغادرة حتى يظهر له شاب يقول أنه صاحب الموقف, وأن السيارة شغلت حيزا منه, وأنه قام بحراستها وغيرها من الكلام الكثير, ليبقى المهم هو إقناع صاحب السيارة بجهود الحارس التي تستحق الدفع السريع وبدون نقاش. إدفع وإلا... هناك من أصحاب المواقف غير الشرعية من كان لا يفرض المبلغ الواجب دفعه وإنما يأخذ ما يقدم له دون أي نقاش, ولكن اختلفت الأمور جملة وتفصيلا بعد أن أصبح «الباركينغ» مهنة يحترفها الكثير من الشباب ربما لأنهم لم يجدوا بديلا عنها وربما يفضلون الكسب السهل, هي رؤية لواقع هؤلاء حسب وجهة نظر البعض في ظاهرة الانتشار العشوائي لمواقف السيارات غير الشرعية. «إدفع وإلا...» هي العبارة التي يسمعها المواطن في بعض المواقف التي أوجدها شباب بقرار من أنفسهم, وصار بعض من يمتهن هذه المهنة يحمل عصا يصول ويجول بها بين السيارات قائلا أنه يحرس مقابل 50 دينارا, ومن لم يدفع فسيدفع أضعافا مضاعفة ثمن تصليح جزء من السيارة, في حال أبدى صاحبها رفضا في دفع الثمن المطلوب. يقول أحمد: «ركنت سيارتي لمدة لا تتجاوز نصف ساعة في أحد الأحياء بالحراش, إلا أنني فوجئت بضرورة دفع مبلغ 50 دينارا حاولت إفهامه أنني لم أقض ساعة واحدة, إلا أنه ثار غضبا وأشبعني شتما, وهذا ما جعلني أرفض إعطاءه المبلغ مهما حدث, حاولت الفرار منه, ولكنه فاجأني بضربة عصا حطمت زجاج السيارة الخلفي ما جعلني أرفع شكوى ضده, وأوقف على إثرها ولكن موقف السيارات المعني لايزال قائما, حيث ينشط فيه شاب آخر». وإذا كان أحمد قد اتخذ موقفا كلفه كثيرا من المال, فإن آمال بدت أكثر تعقلا بقولها: «أتوقف في عدة مواقف غير شرعية, إلا أنني أضطر لدفع المبلغ المطلوب حتى أتفادى أي مواجهة بيني وبين الحارس تكلفني أعباء أكون في غنى عنها». وما يعاب على تلك المواقف إضافة إلى كل هذا, هي حيل بعض الشباب في جمع المال, فهم يعملون على صف السيارات الواحدة تلو الأخرى دون مراعاة المسافة الضرورية والتي تسمح بخروج السيارة بسهولة فتجده يجبر صاحب السيارة على ركنها في مكان ولو كان جد ضيق ويحمل الموقف أكثر من طاقة استيعابه, وهكذا يصبح أمر إخراج السيارة مستحيلا في انتظار قدوم أحد مالكي السيارتين المركونتين قبله أو بعده, وبالتالي يضطر للتوقف لمدة أطول ويدفع أكثر, هو واقع أثار سخط المواطنين وجعلهم يطالبون بوضع حد لهذه التصرفات. «الباركينغ» مهنة يمكن أن تكون أكثر تنظيما إن مهنة حراسة السيارات يمكن أن تكون أكثر تنظيما وهو ما لاحظناه من خلال تجارب بعض الأحياء, حيث تم استغلال مساحة منها لتكون موقفا للسيارات ويتم منح الاعتماد لبعض شباب الحي من طرف البلدية المعنية ليكونوا حراسا ليليين على تلك المواقف مقابل مبلغ معين يدفعه كل من يركن سيارته, وهو ما عمدت إليه الكثير من الأحياء بالعاصمة مما وفر الأمن والطمأنينة للمواطن على أملاكه من جهة ووفر فرص شغل للشباب من جهة أخرى. القانون يمنع إقامة مواقف للسيارات يجدر التذكير أن رؤساء بلديات العاصمة طالبوا بضرورة إيجاد حلول لذلك الانتشار الكبير للمواقف غير الشرعية, وبناء على ذلك صدر القرار الوزاري رقم 267 المؤرخ في 25 جانفي 2006 والذي نص على تشكيل لجان تختص بإحصاء وتسجيل عدد المواقف غير الشرعية في العاصمة بغرض تقنينها, كما نص القرار على إنشاء لجنة تتابع عملية تنظيم نشاط حراس المواقف, حيث يجب أن يكون الحارس شخصا معلوما عند الجهة المعنية ويزود بأدوات تسهل عمله, كما يحق للمواطن رفع شكوى ضد كل من يحاول إجباره على دفع مستحقات ركن السيارة في موقف غير شرعي, ودخل هذا القرار حيز التنفيذ برعاية السلطات المعنية وعلى رأسها مصالح الأمن التي أوقفت شبابا توبعوا بقضية إنشاء حظائر غير شرعية للسيارات, هي حالة رابح الذي يقول في هذا الخصوص: «كنت أعمل حارسا بأحد المواقف في ديدوش مراد بالعاصمة, كنت أتحصل على مبلغ يصل أحيانا إلى 2000 دينار يوميا», يضيف «رغم أنني لست من سكان الحي, إلا أنني كنت أحظى بثقة سكانه لدرجة أن منهم من يتركون عندي مفاتيح سياراتهم لأغير مكانها كلما اضطررت لذلك, ولكن ومع صدور تعليمة تمنع حظائر السيارات غير الشرعية توقفت عن المهنة بعد أن تم إيقافي من طرف رجال الشرطة وتوبعت بقضية إقامة موقف غير شرعي». ورغم الإجراءات المتخذة للحد من الظاهرة, إلا أن المواطنين يؤكدون أنها شملت الشوارع الكبرى من العاصمة فقط في حين لاتزال مناطق أخرى تعاني الاستغلال العشوائي لمساحات أصبحت مواقف رغما عن المواطنين, واعتبروا أن غياب الحظائر القانونية هو ما سهل في استفحال الظاهرة. وفي انتظار تطبيق القرارات المتخذة بشأن إنشاء حظائر أخرى بالعاصمة, لايزال المواطن يتكبد عناء ركن مركبته, ما يضعه في أيدي أناس لا يرضون إلا بالدفع.