ذكرنا آنفا أنه رغم التوجسات المغربية لمعارضة الجزائر عودة الجار الغربي إلى أحضان الاتحاد الإفريقي تمت الموافقة على ذلك بالأغلبية وعاد المغرب رسميًا إلى مقعده بالاتحاد الإفريقي. وكانت العقيدة الدبلوماسية الأمنية أن تلقى المغرب تحذيرا من الجزائر التي ذكرته أن عودته إلى الاتحاد مرحب بها ولكن عليه أن يكون عضوا مع باقي الأعضاء له ما لهم من الحقوق وعليه ما عليهم من الواجبات في إشارة إلى أن الصحراء الغربية دولة في الاتحاد على الرباط احترامها. يصعب فهم الدبلوماسية الأمنية الجزائرية في فضائها العام، من دون الإلمام بشبكة من المؤشرات الجيوسياسية المتداخلة، ويزداد هذا التوجه صعوبة إذ لم تتم موضعة هذه الدبلوماسية ضمن التدبير السياسي العمومي، للسياسة الخارجية الجزائرية التي تتكئ على جملة مقومات وثوابت دستورية وقانونية شكلت على مدار التاريخ السياسي الجزائري منطلقا هاما في تفسير السلوك السياسي الجزائري الدبلوماسي. لكن منطقة الساحل والصحراء ذات الخصوصية الجيوسياسية تجعل وبشكل متزايد من السياسة الخارجية الجزائرية مجالا لإعادة القراءة لاكتشاف محركات ووسائل هذا التحرك تجاه منطقة وحدود تتجاوز 6343 كلم تمتد عبر الحدود الجزائرية شرقا وغربا وجنوبا. ولعل أهم ملمح ينبغي التأكيد عليه هو أنه فواصل زمنية متقاطعة تشكلت مجالا مهما لفهم السلوك الجزائري، كما أن هناك عقيدة أمنية وثوابت دستورية إجرائية تشكل على الدوام لوازم مهمة من لوازم علاقات الجزائر بالغير؛ وترتكز على مفاهيم عدم التدخل في شؤون الغير وضبط إيقاع التحرك الدبلوماسي ضمن الجماعة العربية أو الإفريقية مع الأخذ بعين الاعتبار سياسة حسن الجوار كمورد أساسي مهم في فهم العلاقات الدبلوماسية الجزائرية. المصالح الجيوسياسية للدولة وتحديد الأولوية المبادئ المنظمة في تعريف المصالح الجيوسياسية للدولة عند محاولة فهم المقاربة الأمنية للتعاطي مع الفضاء الإفريقي ومنطقة الساحل يجب إدراك المؤشرات التالية: العقيدة الأمنية الجزائرية- تكتسي العقيدة الأمنية أهميتها من اعتبارها دليلا يوجه ويُقرِّر به القادة السياسة الأمنية للدولة ببعدها الداخلي والخارجي، ومن هنا نشأت العلاقة بين العقيدة الأمنية والسياسة الخارجية، إذ يلاحظ تنامي تأثير العقيدة الأمنية باعتبارها تمثل المبادئ المنظمة التي تساعد رجال الدولة على تعريف المصالح الجيوسياسية لدولتهم وتحديد ما يحظى منها بالأولوية، كما تساعد الدولة على التفاعل مع التهديدات والتحديات البارزة والكامنة التي تواجه أمنها على المستويات الزمنية القريبة، المتوسطة والبعيدة. ويمكن القول إن العقيدة الأمنية على العموم تمد الفاعلين الأمنيين في الدولة بإطار نظري متناسق من الأفكار يساعد على تحقيق أهداف الدولة مجال أمنها القومي. وتستمد العقيدة الأمنية الجزائرية توجهها العام من المبادئ العامة المستمدة من ركائز عدم التدخل في شؤون الآخرين، وهو ما لاحظناه في التحرك الجزائري حيال الأزمة الليبية التي أنتجت ثورة أدت إلى تغيير طبيعة النظام بدعم من حلف الناتو، وهي الرؤية التي تجد لها ركائز قانونية ودستورية تحدد المهام الأساسية لأجهزة الأمن الجزائرية التي تنحصر مهامها في حماية وصون سيادة الدولة وحدودها.