تخوف العواصم الغربية المنتجين العرب خاصة من نضوب النفط بعد أقل من عشر سنوات دافعة إياها إلى استبدال البترول بطاقات بديلة أخرى مشكوك فيها. وهذا كلام يردد منذ قرابة نصف القرن لأن مخزونات الدول لا تزال كبيرة ووفيرة ولأن الطاقات البديلة لا تزال غير مستوفية للغرض ولأن البترول موجود وهو قوة قائمة متوفرة فلماذا تركه والجري وراء السراب لا سيما إذا كانت هذه الطاقات البديلة قد جربت بقدر كبير من الخسارة ولم تدر على أهاليها طائلا. إن الجزائر بفضل سوناطراك لا تزال تكتشف عاما بعد عام آبارا كبيرة للنفط في الصحراء الشاسعة بل وقد شاء الله أن يكتشف في السنوات الماضية بحوض تاودني الواقع بين مالي وموريتانيا والجزائر أكبر حوض رسوبي في غرب إفريقيا، على مساحة تقدر ب 1.500.000 كم على مشارف الجزائر ويمتد حتى حدود بوركينافاسو. ولكن تقوم شركة "توتال" الفرنسية بأعمال حفر في الجزء الموريتاني من الحوض على بعد 100 كلم شرق مدينة ودان. وقد يفسر هذا نشوب الأزمات بالمنطقة بل وقد يفسر هذا جزءا من الحرب في مالي وتغير لهجة نواكشط. ولا يخفى على أحد أن حوض تاودني يثير الكثير من الأطماع لدى الدول الغربية والتقديرات الأولى تؤكد أن القارة الإفريقية ستكون المزود الأساسي للولايات المتحدة قبل 2025 بأكثر من 45 بالمائة من احتياجاتها النفطية والغازية. غير أن الملف الأكثر قلقا اليوم التوغل الفرنسي في النيجر وتحكمه بزمام السياسة الداخلية لنيامي. تقديرات خاطئة للخبراء والجزائر تعيد ضبط حساباتها المالية زيادة المخزونات الأمريكية تهبط بأسعار النفط إلى أقل من 50 دولارا إذا واصلت أسعار السوق النفطية في الانحدار فالجزائر ملزمة بضبط حساباتها المالية لتجنب المفاجآت إذ هبطت أسعار النفط الخميس لأدنى مستوى لها منذ نوفمبر واختبر برنت مستوى دعم عند 50 دولارا للبرميل بعدما أظهرت بيانات ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية بوتيرة أسرع من المتوقع مما يثير الشكوك في جدوى تخفيضات الإنتاج التي تقودها أوبك. وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مخزونات الخام في الولاياتالمتحدة قفزت بنحو خمسة ملايين برميل إلى 533.1 مليون برميل في الأسبوع الماضي بما يفوق كثيرا توقعات لزيادة قدرها 2.8 مليون برميل. وتراجع خام القياس العالمي مزيج برنت 32 سنتا أو 0.6 بالمئة ليبلغ عند التسوية 50.64 دولار للبرميل مسجلا أدنى مستوى إغلاق له منذ 30 نوفمبر حين اتفق أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض الإنتاج. ونزلت عقود الخام إلى 49.71 دولار للبرميل في التعاملات الصباحية. وانخفض خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في العقود الآجلة تسليم مايو 20 سنتا أو 0.4 بالمئة ليبلغ عند التسوية 48.04 دولار للبرميل في أول أيام تداول العقد باعتباره عقد شهر أقرب استحقاق. وبلغ الخام أدنى مستوياته خلال الجلسة عند 47.01 دولار للبرميل وهو أقل مستوى له منذ 30 نوفمبر. واتفقت أوبك وبعض المنتجين خارجها على تقليص الإنتاج بواقع 1.8 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2017 لكن الاتفاق لم يساهم بقدر يذكر في تقليص مخزونات النفط العالمية. والتزمت أوبك، التي تقول مصادر إنها تميل لتمديد اتفاق الخفض، بالتخفيضات التي تعهدت بها إلى حد كبير لكن المنتجين المستقلين لم يطبقوا تخفيضاتهم بالكامل حتى الآن. أزمة النفط تدفع الجزائر إلى محاولة تنويع الاقتصاد وإيجاد موارد إضافية أخرى رحلة الشتاء والصيف تبدأ بالحاجة إلى تجاوز التبعية البترولية لا تزال الجزائر تراقب ارتفاع وانخفاض أسعار النفط لأن مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي مرتبط بذلك. إلا أن الدولة وصلت إلى يقين هو أن أزمة انخفاض أسعار النفط وتقلص الموارد المالية من العملة الصعبة كشفت هشاشة الاقتصاد الوطني المستند أساسا على الريع البترولي ومداخيل الريع. وقد دفعت هذه الأزمة الجزائر إلى محاولة تنويع الاقتصاد وإيجاد موارد إضافية أخرى. وهذا يحمل إلى القول أن الدول النفطية الناجحة هي التي تستخدم ثرواتها وفوائدها كجسر آمن تنتقل من خلاله إلى مرحلة ما بعد النفط وهي آمنة مطمئنة على يومها أو غدها ومستقبل أجيالها حتى لا يتأثرون من الصدمة النفطية. العبور الآمن إلى ما وراء النفط مطلوب بقوة كيف للدولة أن تنشئ ميكانيزمات جديدة في العمل والذهنيات؟ والآن هل لنا أن نتصور الحياة بدون الماء أو النفط؟ فكلاهما مصدر للتقدم والنماء وارتبطت صراعات البشر في الماضي والحاضر والمستقبل بمنابع المياه وموارد النفط.. وكانت وستكون حروبهم في عصر النفط وما بعده. وإذا كان الخالق العظيم قد يسّر للخلق الحصول على المياه بدون عناء شديد فإن الأمر مختلف بالنسبة إلى الذهب الأسود الذي حوّل الدنيا إلى ضياء ونور وتقدم بعد أن تشعبت في العصر الحاضر استخدامات النفط باعتباره عصب الحياة ومحركها، لذلك تتسابق دول العالم شرقه وغربه على مصادر هذه الطاقة الناضبة وغير القابلة للتعويض لأنه بقدر زيادة الاستخدام يزداد أيضاً النقص من المخزون العالمي.. ومن ثم تسيطر على العالم وخاصة المتقدم هواجس نضوب النفط وكيف يكون المستقبل في حقبة ما بعد النفط؟. فالبعض يستعد منذ زمن بعيد لهذا اليوم، ومن ثم يقوم بتخزين كميات ضخمة من النفط وضخه في باطن الأرض، وهناك دول تعتمد اقتصادياتها اعتماداً كلياً على النفط، تتأثر قطاعاتها الإنتاجية مع هبوط الإنتاج العالمي ولا سيما التي أصبح اقتصادها تابعاً كلياً للإنتاج النفطي وتخشى على بنيتها الاجتماعية من الانهيار بعد أن أحدثت الثروة النفطية تغييرات جذرية في هياكلها الاقتصادية وبنيتها الاجتماعية ونمط حياتها ومعيشتها في ظل الزيادة المطردة في عدد السكان وتنوع أساليب الاستهلاك والترفيه الذي يصاحبه تراجع في إنتاج النفط ومخزونه حيث تقول الدراسات العلمية الحديثة إن العالم يستخدم نحو 27 مليار برميل من النفط سنوياً وان الاكتشافات النفطية الجديدة لا تتعدى 6 مليارات برميل سنوياً، وهذا يعني أن أكثر من 20 مليار برميل من النفط تستهلك سنوياً من المخزون العالمي المتراكم مما يترك آثاراً سلبية على صناعة النفط عالمياً ويولد أزمات شديدة خاصة إذا كان المخزون النفطي غير قابل للتعويض في مقابل الاستهلاك المتزايد منذ القرن الماضي للنفط الذي أصبح جزءاً أساسياً في الصناعة والزراعة وهندسة الحياة الإنسانية بشكل واسع وأصبح من الصعب بل ومن المستحيل الاستغناء عنه قبل التوصل إلى بدائل أخرى من الطاقة حتى يمكن للدول التي تعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل أن تستكمل برامجها في تطوير المجتمع والتي تضمن استمرار الحياة الكريمة لشعوبها. الزراعة والسياحة أولى القطاعات الواعدة ولكن... اتجاه السياسات الجديدة نحو تنويع صادرات البلاد خارج قطاع المحروقات السياحة تدر أموالا أكثر من النفط فإذا عرفت هذا علمت بأن بلدانا صغيرة وغير نفطية ولكن لها مؤهلات سياحية وجاذبية مثل تونس والقمر وتاهيتي وهايتي والتيبت وغيرها لا تحتاج إلى النفط بل هي في بحبوحة من أمرها. فإذا أصابها عمل إجرامي أو إرهابي لحقها كساد قاتل. إذا فهمت هذا عرفت لماذا انزعجت الجزائر من التحذير الأمريكي الأخير – الذي جاء في سياق حالة أمنية مستتبة - في حين تحاول الجزائر إيجاد هامش للتحرك الاقتصادي خارج المحروقات معولة على الزراعة والسياحة اللتين تمثلان المخرجين في ظل انهيار أسعار النفط. هذان القطاعان كانا وعدا النهوض بالإقتصاد الوطني خارج عن نطاق الريع تواصل البلدان الغربية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية من تحذيراتها التي تجعل القبلة السياحية الجزائرية وجهة غير مرغوب فيها لدى وكالات السفر العالمية. تبنت الحكومة استراتيجية جديدة تحت ضغط الأزمة النفطية، وفقدان البلاد لنسبة كبيرة من مداخيلها من النقد الأجنبي. وتتجه السياسات الجديدة نحو تنويع صادرات البلاد خارج قطاع المحروقات، من خلال تصدير منتجات عديدة على غرار الإسمنت والسيارات والحديد والنسيج والمنتجات الالكترونية والكهرومنزلية. وتهاوت إيرادات الجزائر من المحروقات بأكثر من النصف في ظرف عامين بسبب الصدمة النفطية، وانتقلت نزولاً من 60 مليار دولار عام 2014، إلى 27.5 مليار دولار في 2016 حسب أرقام قدمها رئيس الوزراء عبد الملك سلال نهاية الشهر الماضي. تحول جذري للاقتصاد الوطني من خلال تنويع الإنتاج واستهداف الأسواق الخارجية كيف ومتى الانتهاء من التبعية النفطية؟ وتعاني الجزائر من تبعية مفرطة لإيرادات النفط ومشتقاته، التي تشكل 97% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، كما أن الموازنة العامة للبلاد تعتمد على أكثر من 60% من هذه المداخيل النفطية والغازية. ورافق الأزمة النفطية انهيار في احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي، التي فقدت في 3 أعوام ما يفوق 76 مليار دولار، هبوطاً من 193 مليار دولار نهاية 2013، إلى 114 مليار دولار نهاية ديسمبر 2016. وبدا توجه الاقتصاد وقطاعاته واضحاً، خلال معرض الجزائر للإنتاج المحلي في طبعته ال 25، الذي جرت وقائعه ما بين 21 - 27 ديسمبر 2016، وما رافقها من تصريحات للمسؤولين الجزائريين. وخلال الافتتاح قال رئيس الوزراء عبد المالك سلال أن سنة 2019 ستعرف تحولاً جذرياً للاقتصاد الوطني، من خلال تنويع الإنتاج واستهداف الأسواق الخارجية، وأعلن عن خفض نسبة الواردات من السيارات السنة الجارية. وقال الخبير الاقتصادي الجزائري كمال رزيق، إن هناك إرادة سياسية ومعطيات موضوعية على أرض الميدان، تجعل من إمكانية تحول الجزائر لبلد مصدر خارج قطاع المحروقات أمراً ممكناً. وأضاف رزيق الذي يعمل أستاذاً في كلية الاقتصاد بجامعة البليدة (جزائرية) أن الاستراتيجية الجديدة تقوم على أساس تنويع الشراكات الاقتصادية في القطاعات المنتجة، على غرار الإسمنت والحديد والصلب والنسيج وغيرها، والإفلات من الهيمنة الفرنسية التي أبقت على الجزائر لعقود سوقاً استهلاكية. وأشار إلى أن بلاده عاشت منذ الاستقلال، أربع صدمات نفطية متتالية، "ولم تأخذ العبرة ولم تحفظ الدرس من ذلك، وبقي هذا القطاع مهيمنا على الاقتصاد الوطني.. الوقت قد حان للتخلص من تبعية النفط والغاز". لابد من التفكير العلمي والعملي لمواجهة حقبة ما بعد النفط بلوغ الإنتاج ذروته والبدء في العد التنازلي لذلك لابد من التفكير العلمي والعملي لمواجهة حقبة ما بعد النفط التي تتوقعها وكالة الطاقة العالمية بعد أن يبلغ الإنتاج النفطي العالمي ذروته ما بين أعوام 2010 و2020 والتي يبدأ بعدها العد التنازلي والهبوط غير القابل للتراجع أو التعديل والذي سوف يصاحبه تقلص واختصار أو توقف لكل البرامج والمشروعات الصناعية والاقتصادية والخدمات الاجتماعية، الأمر الذي يؤثر على مستوى الحياة وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه المسؤولين عن الشعوب في المحافظة على الثروات وتوظيفها في اصلاح وتحديث مجتمعاتهم من خلال تنويع مصادر الدخل القومي وتوفير فرص العمل الحقيقية في القطاعات الإنتاجية التي تمثل قيمة مضافة للدخل وللإنتاج، لأن ذلك يمهد الشعوب للاستعداد للتعامل مع مرحلة ما بعد النفط باستخدام عوائده والفوائض المتراكمة نتيجة ارتفاع الأسعار في أسواق النفط. حيث ان المأزق الخطير الذي يواجه دول العالم انها أمام نزعات متعارضة مثل الزيادة المطردة في عدد السكان الذي يتزايد بمعدل ربع مليون نسمة يومياً وهي تعتمد أساساً على النفط والغاز الطبيعي من أجل إنتاج المواد الاستهلاكية والغذائية والاحتياجات اليومية والذي يقابله شح في الإمدادات من الطاقة وهذه معادلة صعبة لأن مكامن النفط والغاز التي تشكلت وتكونت خلال أكثر من 500 مليون عام داخل الأرض يستهلكها العالم بسرعة فائقة في أقل من 200 عام ودون أن يجد البدائل المناسبة مثل الطاقة النووية والهيدروليكية والطاقة الشمسية والكهربائية وطاقة الرياح على الرغم من أنها لا تمثل بديلاً كاملاً للنفط واستخداماته المتنوعة على الأقل في المستقبل المنظور لأن العالم يتقدم ويضيف يومياً مئات المعارف والاختراعات ولذلك فإننا لا يمكن أن نتصور بسهولة مستقبل ما بعد النفط والغاز الطبيعي بدقة لأن مخترعات العصر الحديث قد تكون أفضل مما نتوقع أو مما نتخوف.