غياب الحس بالمسؤولية، هو إحدى المشاكل التي قد تؤدي إلى اختلال العلاقة بين الآباء والأبناء، ويتساءل الآباء عن سر ذلك الإهمال المسجل من قبل أبنائهم قائلين أنهم في سنهم كانوا يتحملون مسؤولية بيت بكامله، ولا يدركون أن نمط تربيتهم قد يكون هو السبب في نشوء سلوكات سلبية لدى الأبناء بما فيها عدم القيام بالواجبات ما يهدد المجتمع بجيل اتكالي. يخطأ الكثير من الأولياء ممن يشرفون على القيام بكل شؤون أطفالهم منذ الصغر، حيث يعتقدون أن تحميل الطفل المسؤولية سيقضي على طفولته، ومادام سيكبر فالمسؤولية ستأتيه لا محالة، وفي حال ما إذا كلف بها منذ نعومة أظافره ستثقل كاهله وتجعله غير قادر عليها في الوقت الذي تكون لزاما عليه، إلا أن آخرين يؤكدون أنهم يحملون أطفالهم مسؤولية تتناسب مع سنهم وذلك منذ الصغر والهدف من هذا هو إنتاج امرأة ورجل المستقبل. شباب يعتمدون على الأم في أصغر الأمور نجاة، أم لثلاث أولاد، تؤكد أنها كانت ترعى شؤونهم مهما كانت بسيطة وتقوم بكل شيء لدرجة أنهم ورغم بلوغهم سن ثمان سنوات وما فوق، لاتزال تربط لهم سير أحذيتهم وتحممهم، والنتيجة التي اعترفت بها وهي تتأسف أنها أنتجت ثلاثة شباب لا يصلحون إلا للأكل والنوم، تقول: «كنت أظن أنهم يتحملون مسؤولية أنفسهم عندما يكبرون، ولكن اليوم لا يراعي أي منهم ظروفي الصحية، ورغم أن أصغرهم عمره الآن 18 سنة، إلا أنني لازلت أغسل لهم جواربهم وملابسهم الداخلية، أما عن المساعدة فلا أتلقاها من أي واحد منهم، ولكنني أخشى أن يستمروا على هذا الحال». كانت نجاة تبكي أحيانا، لأن الله لم يرزقها ببنت تساعدها على تحمل مسؤولية البيت، وما كان يصبرها هو شكاوى الكثير من الأمهات أن الذكور لا يتحملون المسؤولية في حال وجدوا من يخدمهم على عكس البنت، ولكن المعادلة لا تنطبق عند كل الأهل، حيث تقول لمياء، أم لبنتين: «رغم أن لي بنتين في العشرينيات من العمر، إلا أن ذلك لم يزد في الأمر شيئا، فأنا أقوم بكل أشغال البيت ،وتجدهما تجلسان في الغرفة والفوضى تعمها دون أن تحرك أحداهما ساكنا»، تضيف: «أعتني بأمورهما كثيرا وكان المهم عندي أن تخصصا كل وقتهما للدراسة فقط»، فيما تؤكد ابنتها ناريمان أن أمهما لم تعودهما على تحمل المسؤولية لدرجة أنها لا تعرف كيف تتصرف في حال غابت عن البيت. شاب لم يستخرج وثيقة إدارية قط من الغريب أن نجد أولياء يشتكون غياب الإحساس بالمسؤولية في حين يكونون هم السبب في ذلك، تزامن وجودنا في أحد مكاتب وكالات تشغيل الشباب وجود رجل في الخمسينيات من العمر، قدم خصيصا ليدفع لابنه صاحب الثلاثينات من العمر ملف طلب العمل، سأله المكلف بإيداع الملفات لم لم يأتي ابنك كبقية الشباب؟ فكانت إجابته بكل بساطة أن ابنه لا يعرف شيئا ولا حتى كيف يستخرج أبسط وثيقة إدارية تخصه، لأنه هو من كان يقوم بكل شيء بدله. ليندة، أم لأربعة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر تسع سنوات، إلا أنها تؤكد أنها عودتهم على تحمل المسؤولية منذ الصغر لدرجة أنهم يشاركونها جميعا في إعداد الطعام وتنظيف البيت، أما بالنسبة للواجبات المدرسية، فهم يقومون بها دون إنذار مسبق، تقول الأم: «أترك لهم مفتاح البيت في حال كنت غائبة عن البيت، وأكلف الإبنة الكبرى بتسخين الطعام، بما أنها تعرف كيف تشعل الفرن، فتجدني أذهب وأنا مرتاحة، لأنني عودتهم على تحمل المسؤولية». أولياء ينجزون الواجبات ويكتبون العقوبات بدل أطفالهم من الأخطاء التي يقوم بها بعض الأولياء وتكون السبب في تعلم الطفل الاتكالية وعدم القدرة على تحمل المسؤولية هي أنهم يقومون بحل الواجبات المدرسية بدلا عنهم، وفي هذا السياق تقول خديجة، أستاذة في مدرسة ابتدائية بعين طاية أن بعض التلاميذ يقدمون الواجبات المدرسية لأوليائهم ليقوموا بحلها سواء تقاعسا منهم أو لرغبتهم بالحصول على الحل الصحيح دون أي جهد،ت قول المعلمة: «أدرك إمكانيات كل واحد من تلاميذ قسمي وأكبر دليل على ذلك هو أن بعضهم يحل التمرين صحيحا في الكراس، في حين يعجز على حل عملية بسيطة على السبورة»، واستنكرت هذه التصرفات التي يقوم بها بعض الأولياء بشدة، مؤكدة أنهم يدمرون أبناءهم بها، والأمر لا يختلف كثيرا عند من يفرضون على أولادهم عقوبة كتابية، فتجدهم يكتبونها بدلا، عنهم والنتيجة الحتمية هي تعويد الطفل على عدم تحمل المسؤولية»، وفي ذات الإطار تقول خديجة: «كنت أعاقب كل من لا يحفظ جدول الضرب بكتابة كل جدول لا يحفظه خمسين مرة أو أكثر، وكان هدفي من وراء هذا هو أن يحفظوه عن ظهر قلب على اعتبار أنه أساسي في مادة الرياضيات، ولا يمكن أن يتقدم التلميذ في المادة وهو لا يحفظه، ولكن النتيجة التي صدمت بها أن جل التلاميذ فرضوا العقوبة على كل أهل بيتهم ولم يتحملوا مسؤوليتها لوحدهم، والدليل اختلاف الخط لدرجة أن منهم من اعترف لي أن كل من الأب والأم والإخوة قد ساعدوه في الكتابة وأخذوا نصيبهم من العقوبة». وعن رأيها في تحمل المسؤولية، تقول أن الطفل يجب أن يتعلم كيف يتحمل المسؤولية منذ الصغر، وسن التمدرس هو أفضل عمر لذلك، حيث تزيد مسؤوليته تجاه أدواته المدرسية التي يجب أن يحافظ عليها من التلف والضياع وتحمل مسؤولية الإهمال الدراسي والنتائج السلبية، وذلك حتى يتولد لدى الطفل إحساس بالمسؤولية، كما تنصح أن يقوم في البيت ببعض الأعمال التي تتناسب مع سنه. أما عن انعكاسات تلك التصرفات من طرف الأهل، فتؤكد بشأنها: «يشرف العديد من الآباء على القيام بكل شؤون أطفالهم لدرجة أن منهم من لا يترك للطفل ولا مجال ليعتمد فيه على نفسه وبالتالي يؤدي ذلك إلى نشوء فرد غير قادر على تحمل المسؤولية مهما كانت بسيطة». نجد الوالدين يكثرون من الشكوى نظر لعدم مقدرة ابنهم على تحمل المسؤولية وفي هذا الصدد تقول بوخمخم، أستاذة لغة عربية في الأمر: «من الغريب أن نجد آباء يشتكون من مشاكل كانوا هم السبب في حدوثها ولو عن غير وعي منهم، لدرجة أنني أعرف أطفالا لا يعرفون الطريق من البيت إلى المدرسة وأحيانا يرفضون التوجه إليها لا لشيء سوى أن من كان يوصلهم بالسيارة مشغول وهم مضطرون للذهاب راجلين». مسؤول القسم تجربة ناجحة في إعداد فرد مسؤول اجتماعيا من المبادرات التي كان ولايزال الكثير من الأساتذة يعمدون إليها في تسيير تلاميذ أقسامهم هي تعيين مسؤول قسم مع بداية كل موسم دراسي، حيث يتولى هذا التلميذ الذي يختار بعناية على تمثيل زملائه في مجالس الإدارة،بالإضافة إلى الحرص على تسجيل الغيابات، وفي الابتدائي نجد أطفالا صغارا كلفوا بمسؤولية خزانة القسم، ترتيبها وتوزيع الكراريس، وبشأن هذه المسؤولية التي توجه لتلميذ من تلاميذ المدرسة يجمع العديد من الأساتذة أنها فعالة في إعداد فرد مسؤول اجتماعيا وتعويده على ذلك منذ الصغر ليكون أيضا قدوة لزملائه.هذا ويحكم بعض الناس على أن أبناء هذا الجيل أنهم غير أكفاء للقيام بالمسؤولية، وذلك على عكس ما كان سائدا في الماضي، تقول نصيرة 55 سنة، وهي تعبر عن وجهة نظرها في الموضوع: «إن أبناء هذا الجيل لا يتحملون المسؤولية كما ينبغي، فنحن في وقتنا تحملنا مسؤولية بيت بأكمله وأبناء، ونحن لم نتجاوز 15 سنة، وكان صاحب العشرين سنة رجلا بأتم معنى الكلمة، في حين نجد اليوم شابا في نفس العمر لا يقوم حتى بشؤونه»، وهو نفس ما أكده علي 60 سنة، حيث قال أنه تحمل مسؤولية أهل بيته منذ أن توفي والده وهو صاحب 10 سنوات. المسؤولية تكليف منذ الصغر قد ننتقد أمورا كثيرة سائدة عند الكثير من أبناء هذا الجيل، ولكن كان لابد أن نقف عند موضع الخلل والسبب الكامن وراء نشوء جيل غير قادر على تحمل المسؤولية، وما هو السن المناسب الذي يجب أن نعلم فيه أبناءنا تحمل المسؤولية. إن مبدأ تحمل المسؤولية كما توضحه أم إكرام، أخصائية نفسية هو أن الشخص يعرف واجباته، يقوم بها ويتحمل نتائجها، وكل طفل تربى في هذا الإطار فهو شخص قادر على تحمل المسؤولية مستقبلا، وتشير أن هذا يقع على كلا الوالدين، حيث يجب أن تكون طريقة تربية كل واحد منهما تسري في نفس الاتجاه، كما انتقدت تلك التصرفات البسيطة التي يقوم بها الأهل عوضا عن أبنائهم قائلة بشأنها: «إنها أنماط تربية خاطئة قد تؤدي إلى إعداد جيل اتكالي»، وبشأن السن المناسب الذي يمكن أن نبدأ فيه بتحمل المسؤولية، فتقول المختصة النفسانية أنه كلما تأخرنا في تدريب الأطفال على تحمل المسؤولية كلما وجدوا صعوبة في تحملها مستقبلا، وفي ملاحظة أخرى أبدتها محدثتنا، أشارت فيها إلى أنه يجب تصحيح فكرة أن الأطفال الصغار لا نحملهم المسؤولية، لأنهم لازالوا صغارا، والمسؤولية مبكرة عن سنهم، وترى أنه يجب أن نكلف أبناءنا المسؤولية على قدر سنهم ولا نعاتبهم في حال فشلوا في انجازها، فالمسؤولية مرتبطة بمبدأ الثقة في النفس الذي يجب أن يغرس في نفس الإنسان، إضافة إلى اعتماد لغة الحوار.