الإفساد في الأرض عبارة عن إخراج الأشياء عن كونهم منتفعة به ولا يمكن الإفساد إلا بمعصية الله. لأن الشرائع الإلهية سنن وطرق وضعت بين العباد لإصلاح أمورهم، فإذا تمسكوا بها زال العدوان ولزم كل أحد شأنه، فحقنت بالشرائع الدماء وطفئت بها الفتن، فكان فيها صلاح الأرض وأهلها، وأما إذا تركوا التمسك بالشرائع وفعل كل أحد ما يهواه، تتوهج في الأرض نار الهرج والمرج والاضطراب والحروب والفتن والمفاسد في البيئة وتنتفئ المنافع الدنيوية والأخروية. نهي القرآن عن الفساد والإفساد الفساد بمعناه الشامل ضد العمران والصلاح كما أن الإفساد بمعناه الشامل ضد التعمير والإصلاح. والفساد هو كل سلوك بشري يفسد نعم الله ويحيلها من مصدر منفعة وحياة إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة، فالفساد إذن سلوك بشري على غير ما أمر به الله سبحانه وتعالى وعلى مقدار تمرد الإنسان على حركة الحياة يحدث الفساد والإفساد ومن ثم فقد نهى القرآن عن الفساد والإفساد لما فيهما من ضرر كبير وتوعد المفسدين بغضب الله وسخطه، يقول الحق تبارك وتعالى: كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد. وقيل نزلت هذه الآية الكريمة في الأخنس بن شريق الذي أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه ثم خرج فمر بزرع فأحرقه وحمر فعقرها، فذكر الله أمره ذلك إن ما فعله الأخنس يتعارض مع السلوك الإسلامي القويم. يقول عز من قائل: “ولاتبغ الفساد في الأرض إن الله لايحب المفسدين، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين” وقوله: «ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين” أي لا تطلب الفساد في الأرض بالاستعانة بما آتاك الله من مال وما اكتسبت به من جاه وحشمة، إن الله لا يحب المفسدين لبناء الخلقة على الصلاح والإصلاح. حرص الإسلام على الصلاح والإصلاح وأيضا الأحاديث الواردة في شأن البيئة تنهي عن الفساد والإفساد وتدعو إلى الصلاح والإصلاح وإلى المحافظة على الماء طاهراً نقياً وعدم إفساده بإلقاء النجاسة والمخلفات فيه ليظل مصدر حياة وخير للبشرية، فالتبول في الماء الراكد يجعله بيئة خصبة لتكاثر الميكروبات والفيروسات التى تساعد على انتشار الأمراض المعدوية، كما أن التبول فى الماء الجاري سوف يؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخرين، حيث تصلهم المياه ملوثه وهو سلوك يتنافى مع حرص الإسلام على ألا تضر نفسك ولا تضر الآخرين انطلاقاً من القاعدة الفقهية “لاضرر ولاضرار”. وفي خبر إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكى إليه الشدة والعسر والحزن في جميع الأحوال وكثرة الهموم وتعسر الرزق فقال (ص): لعلك تستعمل ميراث الهموم فقال وما ميراث الهموم؟ قال لعلك تتعم من قعود أو تتسرول من قيام أو تقلم أظفارك بسنك أو تمسح وجهك بذيلك أو تبول في ماء راكد. فهل نحن ملتزمون بتعاليم الإسلام كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله الكريم وعترته الطاهرين في عدم إفساد موارد البيئة. للأسف نحن نرتكب مخالفات شرعية كثيرة عندما نسمح لأنفسنا بضخ مياه المجاري الصحية غير المعالجة، وهي مليئة بالمواد الكيماوية والعضوية والميكروبات الضارة إلى البحار والأنهار والبحيرات، كما نرتكب نفس المخالفة عندما نسمح بضخ مخلفات المصانع أيضا في البحار والأنهار متجاهلين ضررها البالغ على الأحياء المائية وأهمية مياه هذه الأنهار للاستخدام الزراعي والاستخدامات المنزلية، سلوكيات غير إسلامية، غير بيئية نرتكبها ونحن في غفلة من أمر ديننا.