إذا أعطاك زميل أو جار لك مبلغًا من المال، يخاف عليه من الضياع، فحافظت عليه كما تحافظ على مالك، ثم رددته إليه إذا طلبه منك كاملاً سليمًا كما أعطاه لك، فأنت إنسان أمين، تتسم بخلق الأمانة. والأمانة خلق جميل، وهي من أعظم الصفات التي يتصف بها الصالحون، وقد أمر الله عزوجل عباده المؤمنين بأداء الأمانات إلى أصحابها، فقال تعالى: »إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا« النساء 58. كما دعانا الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- إلى التخلق بخلق الأمانة فقال: »أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك«. رواه أبو داود. فالأمانة طاعة لله وتنفيذ لتعاليم رسول الله- صلى الله عليه وسلم. صور الأمانة إن الأمانة التي أمرنا الله تعالى أن نحافظ عليها، ونؤديها لأصحابها لا تكون بحفظ أموال الناس فحسب، وإنما تكون في أشياء أخرى كثيرة، فإذا أعطاك أحد أي شيء حتى ولو كان رخيصًا، وقال لك احفظه لي وديعة عندك حتى أطلبه منك فهو أمانة، وحفظ أسرار الآخرين أمانة، ونقل رسالة كلفك بها إنسان أمانة، وأن تشهد في موقف ما بما رأيته بالضبط من غير تغيير أمانة، والوقت أمانة فلا نقضيه إلا في كل ما هو مفيد ولا نضيعه فيما يغضب الله، وأداء العبادات التي كلفنا الله بها كالصوم والصلاة هي أهم أمانة، فالصلاة عندما نؤديها في وقتها، ونتم ركوعها وسجودها باهتمام وخشوع دون تقصير أو إهمال، نكون بذلك قد أدينا الأمانة. وعدم الغش في البيع أو الشراء أمانة، والتاجر الأمين هو من ينصح المشترى ولا يبيعه سلعة قبل أن يوضح له كل ما فيها، ولا يحاول أن يخفي عيوبها ويبتعد عن الغش بكل أنواعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من غشنا فليس منا«. رواه مسلم، والمحافظة على المواعيد أمانة، فإذا أعطيت زميلاً لك موعدًا باللقاء فعليك أن تذهب إليه في الموعد المحدد بالضبط ولا تتأخر أو تتخلف عن الموعد، وطلب العلم أمانة، وإفادة الناس بما تعلمناه أمانة، وتأدية العمل بإتقان ودون إهمال أمانة، فالتلميذ أمين على دروسه وواجباته المدرسية، ولا يغش في الامتحان ولا يغشش غيره والمعلم أمين على العلم والمتعلمين والموظف أمين على وظيفته، وعليه مساعدة كل الناس دون إبطاء أو تقصير، والجندي أمين على وطنه يحافظ عليه من الأعداء، والأم أمينة على بيتها وتربية أولادها، وكل ما يكلف به الإنسان من عمل مفيد له وللناس أمانة ، عليه أن يؤديها. فضل الأمانة إن الإنسان الأمين يحبه الله تعالى ويرضى عنه، كما يحبه رسوله- صلى الله عليه وسلم، وقد أعد الله تعالى للإنسان الأمين منزلة عظيمة في الآخرة، وهي جنة الفردوس أعلى مراتب الجنة، قال تعالى: »وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُون المؤمنون«. إن انتشار الأمانة تزيد الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع، كما إنها تقوى المحبة والأخوة والتعاون بيننا. والأمين يحبه الناس ويحترمونه، ويتعاملون معه، ويثقون به، أما غير الأمين فإنهم يبتعدون عنه، وقد حذرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أن نكون غير أمناء فنصبح من ضعفاء الإيمان أو المنافقين فقال:»آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان«. رواه البخاري ومسلم. وقال أيضًا: »لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له«. رواه أحمد الصادق الأمين تولى الله سبحانه وتعالى تربية نبيه صلى الله عليه وسلم وتأديبه، فكان أكمل الناس خلقًا وأعظمهم أدبًا وأرجحهم عقلاً، وقد اشتهر صلى الله عليه وسلم بين أهل مكة قبل الإسلام بالاستقامة والصدق والأمانة فلقبوه بالصادق الأمين. وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- موضع ثقة أهل مكة جميعًا، فكان كل من يملك شيئًا يخاف عليه من الضياع يودعه أمانة عنده، وكان النبي يحافظ على هذه الأمانة ويردها إلى صاحبها كاملة غير منقوصة حين يطلبها، وعندما اشتد أذى المشركين له أذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة، وكان عند النبي أمانات كثيرة لهؤلاء الكفار وغيرهم، فلم يهاجر النبي إلا بعد أن كلف ابن عمه علي ابن أبى طالب رضى الله عنه برد كل تلك الأمانات إلى أهلها، فقام علي بتلك المهمة على خير وجه، فعلينا أن نتخذ النبي قدوة لنا في كل أمورنا، فقد رأيناه صلى الله عليه وسلم حريصًا على رد الحقوق إلى أهلها، في حين أن أصحاب تلك الحقوق كانوا يدبرون له مؤامرة لقتله.