لم يكن واضحا لي حينما كنت صغيرا السبب الذي يمنع المدخن أو المدمن على التدخين من التوقف، وكنت أحس بالغباء حينما أسمع أحدهم يشكو ضعف حيلته و عجزه عن الإقلاع عن التدخين، لكن و بمرور الأيام و مع دخولي إلى الجامعة وجدت نفسي لسوء الحظ مدخنا بل و شماما أيضا في نفس الوقت مع أني لم أشك في حياتي من قبل أني سأصبح شمَّامًا أو مدخنا و لكن الأمر صعب إذ مع أني كنت في طفولتي متأكدا من أني أستطيع أن أتحكم في رغباتي إلا أني مع كل الجهد الذي بذلته لم أستطع التوقف عن التدخين و الشمة، كنت أحيانا أتوقف عن الشم متخفيا بالتدخين أو عن التدخين معتمدا على الشمة لكني لم أتمكن من التوقف النهائي عن التدخين إلا بعد سنتين من الحروب المتواصلة و بعد ثلاث سنوات من ذلك أوقفت الشمة أيضا لأحس بالراحة لأول مرة منذ خمس سنوات. أحسست بصفاء لا يوصف و أصبحت أنظم الوقت إذ أمضي أوقات الفراغ العشوائية في المطالعة و كنت كل مساء إما أن أرسم أو أنحت شيء ما من الخشب كالغليون أو التذكارات و بدأت أيضا بممارسة الرياضة و صارت الحياة تبدو بالنسبة لي وردية اللون، لكن هذه الراحة لم تستمر سوى لمدة شهرين و حوالي النصف شهر إذ دون سابق إنذار تغير كل شيء ... لقد عدت إلى التدخين، توقفت عن المطالعة الرسم و النحت و حتى عن الرياضة كل هذا بكبسة زر واحدة. لم تظهر لي في البداية الأسباب التي جعلتني أعود إلى هذه العادة السيئة لكن قبل ذلك بأسبوع تقريبا بدأت العمل بدوام ليلي 10 ساعات متواصلة في مصنع للمشروبات و من متطلبات هذا العمل الوقوف و التركيز المستمر و حتى التعرض للبلل بالمشروبات، يبدأ الدوام على الساعة السادسة مساءا و لا ينتهي إلا إذا دقَّت الساعة الرابعة صباحا، مبللا بردانا تعبا كنت أعود إلى المنزل لآخذ حمَّامًا ثم أنام على وجه الاستعجال على سرير غير مريح.لم يكن ينقصني سرير مريح إنما أفعل ذلك متعمدا لسبب وجيه، إذ يجب أن أكون مستيقضا مرتديا ملابسي و غاسلا وجهي و قد أكلت فطورا متواضعا على الأقل و جالسا على مقعد داخل قسم معين في الجامعة و ذلك على الساعة التاسعة و النصف و أسرع توقيت لفعل كل هذه الأشياء هو ساعة كاملة إذ كان علي أن أستيقظ على الساعة الثامنة و النصف كأقصى تقدير و إلا فأنا متأخر.كنت أعود إلى البيت بعد الظهر بساعة تقريبا أكون حينها جائعا أو شبه جائع و في حاجة إلى القليل من النوم قبل الذهاب إلى العمل لكني قلَّما وجدت الظروف التي تسمح لي بأخذ قسط من النوم مهما كان قصيرا و لو نصف ساعة. و على هذا المنوال بين الدراسة و العمل لم يستطع أي اقتناع لدي بعدم احتياجي للتدخين عن ردع الرغبة في التدخين ، بدأ الأمر مثل المرة الأولى ثم أصبحت أدخن دون هوادة صباح مساء و حتى أثناء العمل و لا أزال إلى الآن أتوق إلى اليوم الذي أصبح فيه حرا من هذا الخصم القوي.أما اليوم اي بعد مدة تفوق الخمسة اشهر أنا الآن لا أدخن نهائيا و قد جعلتني تجربتي هذه أصل إلى الأسباب المؤدية للتدخين أو للشم في المرة الأولى و من ثم الأسباب الباعثة على الإدمان و أخيرا الشروط التي يجب توفيرها للتوقف .أما الأسباب فهي الجهل و الصدفة و التأثر و كلها خصائص تتوفر في كل مراهق فالمراهق لا يعرف حقيقة الحياة و مدى هشاشة الصحة و الجسم و يصادف في اليوم العديد من اللحظات التي يكون فيها قريبا من هذه الآفة كأن يجد سيجارة على الأرض أو أن يلتقي بصديق مدخن في حالة نفسية متوترة أو يترك أبوه علبة السجائر على الطاولة و العامل الأقوى هو التأثر، و التأثر ليس مجرد صفة سلبية كما قد يوحي إليه سياق الموضوع لكن التأثر خاصية أساسية في الإنسان لولاها لما وصل عالمنا إلى ما هو عليه لكنه في نفس الوقت قد يضل الطريق و يرمي بصاحبه إلى دوامات لا مخرج منها، و التأثر الذي أتكلم عنه هو ذلك الشعور الذي ينشأ جراء كل قاعدة تسببت فيها معلومات إما صورة أو صوت أو رائحة من شأنها أن تجعل من التدخين أو الشمة ملاذا إحتياطيا في حالات القلق، ببساطة هي كل اللقطات في الأفلام التي تزين من صورة المدخن كأن يكون البطل أو شخصية جذابة و في الحياة اليومية كأن يكون أبوه أو صديقه المقرب أو جاره الأكبر الذي يرى فيه أحسن قدوة أو أن يسمع من غيره كبارا أو صغارا مدحا للتدخين أو للمدخنين كل هذا و أشياء أخرى أكثر تعقيدا يعتبر عاملا مؤثرا على السلوك في حالات القلق و ينشؤ جسما مضاداً للأخلاق و القيم التي زرعت في الفتى و كثيرا ما يربح هذا الجسم المعركة و حينها ينتهي الأمر بالصبي مدخنا.بعد هذه المرحلة و في نفسية كل مدخن جديد في مجال التدخين يقوم المنتصر داخل نفس الصبي أو المراهق و حتى الرجل بمجازر أشبه بما يحدث في مصر و سوريا و يقضي على كل الأفكار التي كانت تحارب التدخين و التي غرست فيه منذ الولادة إذ: • لا يرى أنه مضر للصحة (بل ينسي نفسه ذلك و قد تجد من يقول أنه مفيد للصحة) . • يتناسى أنه حرام قائلا لا أدري أو لم أسمع أو في أفضل الحالات يقول الله يعفو علينا. • يصبح سعره مجرد ثمن رمزي لا يهم بالمقارنة مع المتعة. و هذه أفكار لم تكن قائمة في ذهن الطفل أو الصبي من قبل و إنما بسبب رجوح كفة الدوافع إلى التدخين قام بالتدخين و بسبب قيامه بالتدخين صار لازما على عقله أن يجد مبررا لهذا السلوك فقام بالقضاء على الأفكار و القيم القديمة التي تحارب التدخين و غرس مكانها هذه القيم التي تهوِّن من ضرره و هذا ما يسمى بالإدمان و الذي تكتمل ركائزه خلال الأسبوع الأول و من ثم يدخل عنصر جديد أكثر أثرا ألا و هو التعود و الإلف و لهذا ردة فعل نفسية و جسدية إذ أن النفسية معلوم أنها إذا تعودت على أي شيء خيرا كان أو شرا فمن الصعب التخلص منه و الجسدية تكمن في أن في الجسم مصنعا صغيرا متخصصا في إمداد المخ بالنيكوتين و ذلك حسب الطلب بكميات قليلة جدا و هذا المصنع يغلق أبوابه و يطرد العمال بسبب توفر النيكوتين بكميات أكثر بكثير من الحاجة تماما كعمال مصانع الأحذية بالمدية إذ بعد دخول جبال من السلع المستوردة من الصين قضي على صناعة الأحذية لهذا فإن من الصعب على المصنع أن يعتمد على نفسه مجددا إلا بمجهود و آلام كثيرة. كيف توقف التدخين أو الشمة؟ لكي تقضي على النتائج عليك أن تقضي على أسباب النتائج و التي تعرفها أنت بنفسك فإن كان المشكل مؤقتا حصل في الماضي و الآن لا وجود له فقد عفيت منه أما إذا كان أبديا لا يمكن حله لأنه حصل في الماضي و لا سبيل لمنعه كوفاة قريب عزيز أو فراق حبيب أو مشكلة بين أفراد الأسرة سواءا الزوجين أو الإخوة أو الآباء أو أفراد آخرين يتم التعامل معهم دائما، فهنا عليك أن تعي و أن تعرف خطورة الوضع إذ أن المشكلة لن تزول و مهما حاولت التوقف عن التدخين ستعود إليه مجددا لأنك لم تقضي على سببه، لذا فإن الحل الأول هو أن تواصل في التدخين بكل حب و وفاء دون أن تفكر في الاقلاع عنه بل تفكر في مشكلتك ... إما أن ترضى بواقع الفقدان أو أن تبحث لك عن رفيق أو أن تقتنع أن ما حصل معك قد حصل مع غيرك فتجد ما يصبرك عليهم و بعد الرضى مرحلة أخرى ، أما من كانت مشكلته في البيت أو في العمل دائمة معه فعليه هنا أن يفكر جديا في الهجر في أن يترك عمله و يزاول عملا آخر أو أن يترك عائلته و يذهب إلى مكان لا يلتقي فيه بمن يسببون توتره و بالتالي يمنعونه عن الاقلاع ، و لا أقصد هنا إلى الأبد بل فقط في المدة التي يشرع أثناءها في الإقلاع عن التدخين بين شهر و ثلاثة أشهر و هنا تنتهي المرحلة الأولى و هي القضاء على الأسباب.المرحلة الثانية هي القضاء على المؤثرات و القناعات الخاطئة و ذلك بتفادي الجلوس مع الأصدقاء المدخنين حتى و إن كنت تدخن فدخن لوحدك و تغيير القناعات المساندة للتدخين بقناعات معادية له أي مجرد الاعتراف بحقيقته المرة و الاعتراف بالخطأ و هذا يتم بشكل أساسي أثناء المحادثات لكن إياك و أن تحاول التوقف المفاجئ عن التدخين لأن ذلك سيجعلك تتألم لأيام ثم تعود بقوة أكثر من ذي قبل إليه، قل أنا أحب أن أدخن لكني أعلم أنه ليس ضروريا لي كي أعيش و أعلم أنه يضعف جسدي في كل نفس و أعلم أني أنفقت عليه الكثير من النقود، و عليك أن تحرص على تكرار هذه العبارات أمام أصدقائك و كل من تحدثه عن التدخين لأنك هكذا ستغير القناعات و ذلك لمدة أسبوع تقريبا ثم ابدأ كلُّ حسب استهلاكه بالتخفيض من درجة تركيز السيجارة بتغيير النوع فتشتري الأخف و الأقل ضررا ، الأمر ليس سهلا لكن تذكر أنك بعد مدة من الزمن ستنتهي تماما من هذه العادة و لن تصدق النتائج، غيّر نوع السيجارة كل ثلاثة أسابيع و في كل مرة اختر نوعا أخف.ستصل إلى النوع الأقل ضررا حينها عود نفسك على رمي السيجارة قبل أن تنهيها و تذكر دائما أنه ليس عليك أن تنهيها لكن إذا كنت في حاجة إلى التدخين فلا تكبت نفسك لأن ذلك سيؤثر سلبا على كل ما قمت به. هنا في هذه المرحلة لم يبقى لك الكثير و كل ما عليك فعله هو الصدفة التي ستوقفك نهائيا عن التدخين تماما مثل الصدفة التي جعلتك تدخن و أحسن طريقة هى الرياضات الهوائية كالجري و السباحة و كرة القدم و غيرها . نفس الاستراتيجية ناجعة مع الشمة و ذلك بالتصغير في الكالة و مضاعفة عدد الماصات. "مثلما عوّدت نفسك و جسمك على هذه العادة بالتدريج ... تخلص منها بالتدريج" و ادع الله أثناء السجود أن يكره التدخين في قلبك ... بالتوفيق للجميع.