في مثل هذا اليوم تحتفل الجزائر مثل بقية الدول باليوم العالمي لمكافحة التدخين ابتعدنا عن التذكير بمخاطر التدخين التي أصبحت معروفة لدى العام والخاص، وابتعدنا عن سرد أرقام وإحصائيات حول مدمنّي التبغ وضحاياه، ولكننا آثرنا تغيير صيغة الحديث عن التدخين فوجهنا سؤالنا ''لماذا تدخن؟!'' إلى عدد من الأفراد المدخنين وآخرين دخنوا لسنوات ولكنهم تمكنوا من استرجاع إرادتهم وقهر ضعفهم أمام الإغراءات المزعومة للسيجارة.. انتشر الوعي بأضرار التدخين وفي نفس الوقت انتشرت شراهة التدخين، فهناك من اعتزل التدخين نهائياً، وهناك من أقبل عليه بشراهة، وهذا يعني أن ضيوفاً دخلوا عالم التدخين بينما غادره أشخاص كانوا من مدمني التدخين، ولكن بالرغم من وعي المدخنين أحيانا بمضار التدخين ومتاعبه الصحية والنفسية والمادية والاجتماعية، إلا أنهم لا يتوانون عن الإمساك بسيجارة وارتشافها كلما دعتهم نفسهم بذلك، وبالرغم من حملات التحسيس بمضار التدخين إلا أن الأرقام تظهر اتساع رقعة مدمني التبغ بين كافة فئات المجتمع العمرية ومن الجنسين. ''المساء'' طرحت على جمع من المدخنين سؤالا: ''لماذا تدخن ؟'' فجاءت كل الأجوبة لتؤكد طرحنا بأن الوعي بخطورة الظاهرة منتشر بين هؤلاء المدخنين، ولكن نفوسهم الضعيفة تجعلهم عبيدا للسيجارة.
أمام ''الدّخان''.. الإرادة مسلوبة تماما! طرحنا سؤالنا: ''لماذا تدخن؟'' على موظف استقبال في 43 سنة من عمره فأجاب بقوله: ''السيجارة علة كبيرة.. استحوذت على تفكيري وأنا في 13 سنة من عمري.. حسبت وقتها أن رجولتي بدأت مع أول سيجارة أضعها في فمي، لم أكن أعلم أنها عادة ذميمة سرعان ما تتأصل فيّ، ولم أتمكن ليومي هذا من التغلب عليها بل أعتبر السيجارة بمثابة صديقي الوحيد، فلسنوات بقيت عاطلا عن العمل اعتزلت الناس ولم أجد سوى السيجارة لتؤنس وحدتي بالرغم من أنه كان لي طفل في الرابعة من عمره''. ويكشف المتحدث أنه لم يحاول أبدا الإقلاع عن التدخين رغم معرفته بمتاعبه الصحية وحجته في ذلك انه إنسان قلق ''سأقلع عن التدخين في حالة واحدة.. أن يؤكد لي الطبيب أني سأموت حتما في الغد.. ساعتها فقط سأترك السيجارة''، قالها المتحدث وهو يردد كلمة ''الله غالب'' كناية عن ضياع سيطرته على نفسه بسبب ''الدُّخان'' الذي أحكم قبضته عليه تماما لدرجة أنه يشتري منه دائما ما يفيض عن حاجته اليومية، إذ أنه يدخن علبة من 20 سيجارة ولكنه استخرج من جيبه علبتين وهو يردد ''نخاف انطيح اونبان''.. يعني انه يستقرئ حاجته من السجائر ويشتري ضعفها. بالنسبة لعامل آخر قضى من عمره 35 سنة كاملة في التدخين أكد انه لن يتخلى عن ''الدخان'' أبدا لأنه حاول مرارا ولم يفلح في ذلك. قال إن المشاكل اليومية ترغمه على تدخين السيجارة تلو الأخرى ظنا منه أنها تبعده قليلا عن ضغط المشاكل والهموم، وهو الأمر الذي يجعله يدخن عدد 15 علبة في الشهر الواحد يعني 180 علبة في السنة الواحدة ''هذا كثير صحيح ولكن.. الله غالب هناك شيء يرن في رأسي ويخبرني بضرورة ارتشاف سيجارة وبدون وعي أستخرجها وأضعها في فمي تلقائيا''، يقول المتحدث ويضيف أنه حاول فيما مضى التوقف عن هذه العادة السيئة خاصة عندما يتردد على المستشفيات ويرى كل تلك اللافتات التي تتحدث عن أضرار التدخين ولكنه لا يلبث بعدها أن ينسى أو يتناسى ما رأى ويعود إلى التدخين مسلوب الإرادة..
متعة مزيفة وإحساس بالرجولة حدثنا مواطن بكثير من الصراحة في الموضوع وأجابنا عن سؤالنا: ''لماذا تدخن؟'' بقوله ''دخنت أول سيجارة في 17 سنة من عمري لمجرد التباهي أمام أقراني وللإحساس بالرجولة''. يبتسم المتحدث ثم يواصل حديثه بالاعتراف بوعيه الكبير بمخاطر التدخين وأضراره المادية والنفسية والصحية، ولكنه يدخن لأن السيجارة تمنحه متعة مزيفة ونشوة زائلة، يقول: ''لما كنت مراهقا كنت أدخن خفية، ولما أصبحت عاملا تأصلت العادة لأصبح مدمنا.. كنت أدخن علبتين يوميا، وعند إمساكي بالسيجارة وتدخينها كان يعتريني إحساس بالاستقلالية.. وأنني أخيرا كبرت وأصبحت حرّ نفسي''. يواصل فيقول: ''بعد سنوات من تلك الأحاسيس المزيفة اقتنعت أخيرا بضرورة الإقلاع عن التدخين لسبب بسيط وهو الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث مني والتي كنت انا نفسي اشمئز منها.. ولكني عوضت السيجارة ب''الشمة'' وأنا أتاسف على نفسي، لأنها في الحقيقة أسوأ من السيجارة، ولكني أعترف بأن ضغط العمل كأستاذ وبسبب القلق والظروف الاجتماعية أبقيت نفسي رهينة التبغ الذي لا يمكنني الانعتاق منه مهما حاولت''..
لن تموت إذا لم تدخن! هكذا إذاً تبدو الصورة مؤسفة بالنسبة للمدخنين الذين يتوهمون أنهم رهائن للسيجارة التي استوطنت في ذواتهم فلا يملكون بدا للانعتاق منها، وفي الحقيقة لا يمكن تسمية هذا إلا بضعف النفس لا غير لأنه كما درسنا في سنواتنا الأولى الإرادة تصنع المعجزات، وهذا حقيقة ما حدث لبعض المدخنين الذين اعتقدوا هم من جهتهم أنهم أسرى السيجارة ولكنهم بين عشية وضحاها اقلعوا عنها وأصبحوا يستذكرونها بضحكات عريضة. من هؤلاء مواطن اعترف لنا أنه أهدر 10 سنوات من عمره وهو سجين السيجارة التي كان يعتبرها ملاذا له من الظروف النفسية والاجتماعية التي كان يمر بها. يقول: ''كانت السيجارة تمنحني نشوة الهروب إلى الأمام، في لحظات أعتقد فيها أنني ابتعدت عن واقعي، كانت النيكوتين تستفحل في بدني وتزيدني إدمانا، ومرة وجه لي صديق صفعة قوية يوم رآني استخرج علبة سجائر وأضع سيجارة بفمي إذ قال لي ''عوض أن تحرق السموم في جسمك لماذا لا تشتري بثمنها علبة حليب لطفلك!''.. هناك فقط أدركت أنني كنت مغفلا فالتدخين يرسم للإنسان هالة اجتماعية ونفسية مزيفة، وفي الحقيقة ما هو إلا خضوع لأهواء النفس الأمارة بالسوء ودليل على ضعف شخصية المدخن.. إننا لا نموت إذا لم ندخن، ولكننا أكيد نموت إذا أدمنا التدخين''. من جهته أكد لنا مواطن في 57 سنة من عمره أنه لم يدخن سيجارة أبدا. يقول: ''لم يغرني طوال سنوات عمري أمر وضع سيجارة في فمي لتدخينها حتى على سبيل التجربة لا غير، ولم أندم أبدا على ذلك. وفي سني هذا لا أشكو من أي متاعب صحية عكس أخي الأصغر المدخن الذي جعلته السيجارة يبدو أكبر مني سنا''.
ول''نون'' النسوة حديث آخر إننا لا نستثني في حديثنا هذا النساء من آفة التدخين الكريهة التي تشير إحصائيات سبر آراء أنجزته الدكتورة بولعراس المكلفة بملف الصحة الجامعية بالقطاع الصحي لسيدي امحمد في 2004 أن 22? من الطالبات الجامعيات يدخن، وأن هذه النسبة في ارتفاع. وبحسب المستجوبات فإن التحرر هو الدافع الأول وراء إمساكهن للسيجارة، وبذلك تبدأ التجربة للمتعة وتنتهي بإدمان ومعاناة على مختلف الأصعدة الجسدية منها والنفسية والاجتماعية، وعن هذه المعاناة تقول فتاة في العشرينات: ''لا أعلم لماذا أدخن!! ولكني لا أتخيل حياتي بدون سجائر.. تأثرت بزميلاتي في محيط الجامعة اللواتي كن في البداية يؤمنّ لي حاجتي من السجائر، وبعدها أدمنت التدخين.. أشعر بقوة غريبة عندما تلامس السيجارة أصابعي.. أشعر أنها تمدني بالقوة التي أفتقدها كفتاة في مجتمع رجالي.. حاولت مرارا أن أترك التدخين ولكن دون جدوى''. وفتاة أخرى تواري أنوثتها تحت لباس رجالي فتقول: ''أعلم أن التدخين مضر وأنه شيء مستنكر ولكن ما دفعني له هو جو العمل الذي حفزني على تجربة السجائر، فكل من حولي يدخنون.. ويعرضون علي السيجارة في كل وقت.. وبعد فترة لم أشعر بنفسي إلا وقد أصبح التدخين جزءا لا يتجزأ من حياتي.. هل أتوقف عنه يوما.. لا أدري ربما''.