ليلة القدر بقلم الأستاذ : أبو عبيدة عبد الحفيظ بولزرق الحمد لله رب العالمين وبعد .. من نعم الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن جعل لها مواسم يتضاعف فيها العمل ومن أخص هذه الأزمنة شهر رمضان لأن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أي ما يزيد على ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. وصفها الله بأنها ليلة مباركة وشرفها على سائر الليالي وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن قيامها سبب لمغفرة ذنوب العبد فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه البخاري ومسلم) وقال تعالى :"إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم" (الدخان3-4). فوصف الله تعالى هذه الليلة بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها وفضلها ومن بركتها أن هذا القرآن أنزل فيها ووصفها سبحانه وتعالى بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم يعني يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتب ما هو كائن من أمر الله سبحانه وتعالى في تلك السنة فتقدر في تلك الليلة مقادير الخلائق على العام, فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون, والسعداء والأشقياء وغير ذلك من كل أمر حكيم من أوامر الله المحكمة المتقنة. وأنزل الله تعالى سورة كاملة سماها سورة القدر حيث يقول تعالى عن هذه الليلة العظيمة :"إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر, سلام هي مطلع الفجر" (سورة القدر). 1- معنى القدر : القدر بمعنى الشرف والتعظيم وذلك لعظم قدر ليلة القدر ويقدر الله فيها ما يكون في السنة ويقضيه من أموره الحكيمة وقيل : لأن المقادير تُقدر وتُكتب فيها. وقال الخليل بن أحمد : إنما سميت ليلة القدر, لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة من (القدر) وهو التضييق. "وما أدراك ما ليلة القدر" قال ابن جرير : قال بعضهم معنى ذلك العمل في ليلة القدر بما يرضي الله, خير من العمل في غيرها ألف شهر. "ليلة القدر خير من ألف شهر" يعني في الفضل والشرف وكثرة الثواب والأجر فلذلك من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" عباد من عباد الله قائمون بعبادته ليلاً ونهاراً يتنزلون في ليلة القدر إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة، كما أن جبريل – عليه السلام – ينزل أيضا في تلك الليلة من كل سنة يتعهد فيها كتاب الله " القرآن ". "سلام هي حتى مطلع الفجر" أي أن ليلة القدر سلام للمؤمنين من كل مخوف لكثرة من يعتق من النار ويسلم من عذابها, وقال قتادة : هي خير كلها إلى مطلع الفجر (تفسير الطبري). 2- فضائلها : 1- أن الله تعالى أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة. 2- أنها خير من ألف شهر عن أنس رضي الله عنه قال : دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن هذا الشهر قد حضركم, وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم" (حديث حسن رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الترغيب 1/418). 3- أن الملائكة تنزل فيها وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة. 4- أنها سلام لكثرة السلام فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل. 5- أن الله تعالى أنزل فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة. 3- وقتها : في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" (متفق عليه). وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع وتكون آكد في السبع الأواخر لحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أرى رؤياكم قد توطأت (يعني اتفقت) في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" (متفق عليه). وعن أبي كعب رضي الله عنه قال :(والله إني لأعلم أي ليلة هي ؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرون) (رواه مسلم). والراجح كما بين ابن حجر في كتابه "الفتح" – و هو ما ذهب إليه أيضا الإمام النووي - أن ليلة القدر تنتقل كل سنة في ليلة من الوتر في العشر الأواخر وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى, في سابعة تبقى, في خامسة تبقى" (أخرجه البخاري). 4- السر في إخفائها : أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزداد قربة من الله وثواباً وأخفاها اختباراً لهم أيضاً ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها ممن كان كسلاناً متهاوناً ولا شك أن هذا ينطبق في هذه الأيام على بعض المصلين بينما تكاد تخلو المساجد في بقية الأيام. 5- الدعاء فيها : يستحب الدعاء فيها والإكثار منه فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت " قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال :"قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (رواه أحمد 6/171 والترمذي 9/495 وابن ماجه 3850 وهو صحيح). 6- علاماتها : وصف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليعرف المسلم هذه الليلة : العلامة الأولى : ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها. العلامة الثانية : ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة 3/331 ورواه الطيالسي في مسنده 1/201 وسنده صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ليلة القدر ليلة طلقة, لا حارة ولا باردة, تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة". العلامة الثالثة : ثبت عند الطبراني 22/59 بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ليلة القدر ليلة بلجة (مضيئة), لا حارة ولا باردة لا يُرمى فيها بنجم". وفي الأخير .. يتقبل الله منا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وتنسى أن تدعو لنا بالخير أخي القارئ ولتقل : اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن آبائنا و أمهاتنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن إخواننا و أخواتنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن زوجاتنا و ذريتنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن علمائنا وصالحينا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن من علمنا حرفا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن شبابنا وشاباتنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن شيابنا و شيوخنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن ولاة أمورنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن كل من يشهد لك بالوحدانية ولرسولك بالنبوة و يعمل صالحا لمرضاتك واجعلنا منهم .. يا أرحم الراحمين أبو عبيدة التلاغمة في : 24 رمضان 1431 ه