نظام ل . م. د) L.M.D) في العلوم لاجتماعية والإنسانية لا يخدم نوعية التكوين الجامعي.ج1 لم يسبق لأي دولة في العالم وأن أجرت إصلاحات في قطاعات حساسة وسيادية كالتربية والتعليم العالي بالطريقة التي أجريت بها في الجزائر. ولم يسبق لأي دولة تحترم نفسها ومستقبل أبناءها وأن فرضت تغييرات جوهرية في النظامين التربوي و التعليمي بالسرعة التي نفذت بها في الجزائر. ولم يسبق لأي دولة وأن أجرت تعديلات بشكل إنفرادي متجاوزة استشارة خبرائها والمعنيين بها كما حدث في الجزائر. ولم يسبق وأن تجرأت أي دولة تعرف معنى الكرامة على فرض نموذج لنظام تكويني يمس جوهر سيادتها ويحدد مستقبل أبنائها بطريقة سرّية وسريعة دون فتح نقاش واسع معمق عبر كل الوسائل والقنوات الرسمية والثقافية والاجتماعية لإشراك وتحسيس كل مكونات المجتمع بطبيعة التغييرات أبعادها ومبرراتها ومستلزماتها لإقناع عامة الناس وخاصتهم وتجنيدهم للمساهمة في إنجاحه كما فعلت وزراتا التربية الوطنية و التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر بفرضها تغييرات جوهرية يجهلها حتى المعنيين بها. ولم يحدث وأن استعارة دولة لها رؤية إستراتيجية لأمنها القومي نظاما تعليميا بشكل حرفي دون مراعاة خصوصيتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والسياسية وحتى النفسية كما حدث في الجزائر، من استعارة لنظام يعبر عن انبهار أشخاص معيّنين أكثر ما يعبر عن رؤية دولة سيادية. ولم يحدث أيضا في أي دولة تهتم بمصيرها وسيادتها وأن فرض مسؤولوها إنجاح إصلاحات بتقارير سياسية مخيّطة على المقاس وفق قاعدة كل شيء على ما يرامTous va bien متجنبة كل الملاحظات والنقائص والعيوب البينة ومتجاوزة التقويم العلمي الموضوعي، كما يحدث في بلادنا. ولم يحدث وأن استهانت أي دولة مستنيرة بطاقاتها وخبرائها وكفاءاتها العلمية الأكاديمية والتربوية و تجاوزت ملاحظاتهم ونتائج دراساتهم كما يحدث في الجزائر. لقد أثبت الوقائع في تاريخ الجزائر المعاصرة أننا لا نسمع للرأي الآخر ولا نبدى له اهتمام ولا اعتبار إلا بعد إحداث الفوضى والاضطرابات، حتى ترسخت قناعات وسلوكيات كثقافة سائدة لدى أفراد المجتمع، أنه إذا أردت تحقيق مطالب أو تحسين وضع عليك بغلق الطرق وإحراق المحلات وإحداث الفوضى العارمة، دون ذلك لا أحد يستمع إليك. بما أن مسؤولينا ليسوا في الأماكن المناسبة يخافون على مناصبهم ونفوذهم أكثر مما يخافون على مستقبل البلاد والعباد. إنه منطق و إستراتيجية انتحارية يتبعها مسيرون نعتقد أنه لا تتوفر فيهم مواصفات رجال دولة ولا رؤية مستقبلية مسؤولة وسيادية لدولة مثل الجزائر بعمقها الاستراتيجي وبعدها التاريخي ومستقبلها الحضاري. وإلا كيف نفسر هذا الارتباك والتردد والتراجع في تبني مشاريع واتخاذ قرارات تارة ارتجالية وتارة أخرى ترقيعية؟ وكيف نفسر التناقضات والازدواجية المطروحة في القضايا العلمية والبيداغوجية الخاصة بالنظامين الجامعيين الكلاسيكي و( ل.م.د)؟ فما الاحتجاجات والإضرابات التي تعرفها الجامعة الجزائرية إلا مظاهر لمشكلات جوهرية تمس عمق الإصلاحات التربوية والجامعية. لذا أصبح من الضروري الإسراع في إجراء تقويم علمي لنظام (ل.م.د) في كل التخصصات والفروع قبل الاستمرار في فرضه بطريقة غير مدروسة، خاصة في ميدان العلوم لاجتماعية والإنسانية. أما الندوات المحلية والجهوية والوطنية التي دعت إليها وزارة التعليم العالي لدراسة كيفية إحداث التطابقات بين النظامين الكلاسيكي و(ل.م.د) فلا معنى لها لعدة اعتبارات منهجية وعلمية، أولها لكونها ردود أفعال لترقيع وضع وليست عمل مخطط ومدروس، كما أن الفترة الزمنية غير مناسبة، والمعنيون بالمناقشة من أساتذة وطلبة لا يعرفون الكثير عن نظام (ل.م.د) حتى والكلاسيكي ولا يملكون شيئا من النصوص والقوانين التي يناقشون بها المشروع لتقديم البدائل والحلول. معنى ذلك أن العملية مهرجانية صورية لامتصاص غضب الطلبة المحتجين أكثر ما هي علمية وبيداغوجية. فبعد ثلاث سنوات من تعميم نظام(ل.م.د) على العلوم الاجتماعية والإنسانية سجلنا مجموعة من الملاحظات التي نعتقد أنها قد تجعل التكوين الجامعي بعيدا عن المستوى المطلوب إلى جانب عدم صلاحية هذا النظام الجديد أصلا لتخصصات العلوم الاجتماعية. ومن بين الملاحظات حول نظام (ل.م.د L.M.D) ما يلي: علماء التربية المقارنة لا سيما فيكتور كوزان وهانز وغيرهم يقرون أن النظام التعليمي لا يمكن فصله عن فلسفة المجتمع وخصوصيته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية. لذا فعملية نقله من مجتمع إلى آخر ليس بعملية سهلة لا بسيطة, لأن ما صلح هناك ليس بالضرورة يصلح هنا. باعتبار أن شروط وظروف نجاحه هناك وخاصة الشروط النفسية والمستوى الثقافي والتعليمي والاقتصادي وعلاقته بمتغيرات التطور الحضاري ليست نفسها في الجزائر. فإذا كان نظام (ل.م.د) أنشيء في دول الاتحاد الأوربي من أجل تسهيل عملية الحركية البشرية في الفضاء الأوروبي ومحاولة إدماج المتكونين في سوق العمل، و تشجيع الشراكة بين الجامعات وإدخال السيولة في فروع التعليم العالي بالشروط الأوربية وحسب مخططاتها التنموية في قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية. مع العلم أنه حتى في الدول الأوروبية لم يطبق في كل الجامعات ولا في كل التخصصات, حيث طبق أكثر في العلوم التكنولوجية والتقنية أكثر من غيرها من العلوم الأخرى الطبية والاجتماعية والإنسانية.وحاليا طبقته كل من فرنسا وإيطاليا فقط. فهل نحن نتوفر على نفس الشروط والظروف لذلك؟ فهل عقلية رؤساء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الجزائرية تؤمن بالحث العلمي والاستثمار في رأس المال البشري، أم أنه تطغى عليهم عقلية الترابندو، وعقلية السوق والربح وعقلية البازار وغيرها؟ وهل يؤمن مسؤولونا بنتائج البحث العلمي والأكاديمي وبنوعية التكوين الجامعي أم أن ما يهمهم هو عدد المتخرجين والناجحين بمختلف الطرق ولو بقرارات إدارية وسياسية كما هو بالنسبة لنتائج الباكالوريا، وقرارات منع إعادة السنة في السنة الأولى ابتدائي ونجاح نسبة 100% من التلاميذ في امتحانات السنة السادسة ابتدائي. وفي التعليم الجامعي بالنسة للسنة الأولى جامعي كلاسيكي ومختلف السنوات وغيرها من قرارات تهدد نوعية التكوين الجامعي. فإذا كان نظام ( ل.م.د) يقر بربط التكوين بمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومراعاة خصوصية المناطق والذي يستلزم ازدواجية التكوين بين النظري والتطبيقي عن طريق التربصات الميدانية، فنتساءل ما هي الاتفاقيات القطاعية التي أبرمت مع الجامعات؟ وهل يمكن للشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين التجاوب مع هذا التوجه أم أنهم غير مبالين ولا يشعرون بأنهم معنيون بتحولات الجامعة؟ مع الإشارة إلى أنه أثناء الدعاية ل(ل.م.د) داخل الجامعة في الندوات التي عقدت لم نجد أي أثر لهؤلاء الشركاء الأساسيين في المعادلة التكوينية. ما أن وزارة التعليم العالي تجاهلت كليا (ل.م.د) المهني الذي يفترض أن يكون بالتوازي مع (ل.م.د) الأكاديمي، ويتم توجيه الطلبة على أساس ذلك فيمتص (ل.م.د) المهني الجزء الكبير من الطلبة ليبقى المجال للتكوين الأكاديمي لفئة قليلة تتوفر على الشروط العلمية والبيداغوجية. فلماذا لم يعتمد في جامعاتنا؟ وتجاهلا لذلك وجدت الوزارة نفسها في أزمة حقيقية في كيفية التعامل مع العدد الكبير من المتخرجين بالليسانس للسماح لهم بالتكوين في المستويين الثاني والثالث الماستر والدكتوراه. كما أن التربصات الميدانية المطلوبة في العلوم الإنسانية والاجتماعية وبشكل خاص في تخصصات علم النفس وعلوم التربية والأرطفونية تواجهها صعوبات وعراقيل كبيرة من قبل جل المؤسسات المعنية، لذا تستعمل العلاقات الشخصية في تنظيمها أكثر من العلاقات الرسمية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى إذا كان قرار اصلاح التعليم الجامعي بتطبيق نظام( ل.م.د) له أبعاد اقتصادية يدخر لخزينة الدولة الجزائرية أموالا إضافية في تكاليف التكوين لكل طالب جامعي، بتقليص مدة التكوين من أربع إلى ثلاث سنوات، فإن ما سيخسره الاقتصاد الوطني بعد تخرج هؤلاء سيكون أضعف بكثير مما تربحه، نتيجة ضعف الأداء بضعف مستوى التكوين. وقد يقول قائل أن الجزائر لا يمكن لها أن تعيش بعيدا عن ما يحدث في الضفة الأخرى من البحر المتوسط بل عليها أن تتناغم مع التحولات العالمية. فنقول أننا لا ننكر أهمية الاستفادة من التجارب الدولية والعمل بمعاييرها، لكن ليس بالطريقة المعتمدة في وزارتنا، بل بأسلوب يخضع للمعطيات والشروط والظروف والإمكانات والخصوصيات الوطنية. وبالتدرج الذي يسمح بالمرور من وضع إلى آخر بشكل منهجي ومدروس. فالدول الأوروبية عندما أسست هذا النظام أخضعته خصيصا للعقلية والشروط والمعايير الأوربية والدولية، ولم تستشر دول الضفة الأخرى وتطلب منها خصوصياتها، مع العلم أن كل دولة أوروبية منها كيّفته وفق خصوصياتها. فإن صلح هذا النظام في العلوم التكنولوجية وبعض الفروع الصحية والمالية والاقتصادية فإنه بالنسبة للعلوم الاجتماعية والإنسانية قد لا يصلح بل قد يهدد نوعية التكوين الجامعي في بلادنا، للاعتبارات والدلائل العلمية و البيداوغوجية الآتية التي سنتناولها في الجزء المقبل إن شاء الله. الأستاذ خالد عبد السلام قسم علم النفس وعلوم التربية والأرطفونيا جامعة سطيف