بقلم: حسن عبد الله عباس لا بأس لو بدأ العرب بمقارنة أوضاعهم الحالية عما كانوا عليه قبل الربيع. المقارنة مجدية ومهمة لأن التغيرات والتبدلات الكثيرة تقول الكثير الكثير وبالتأكيد ستعطينا فهما أفضل للعقلية العربية السياسية. تجارب الربيع أفرزت كما تدرون دولا جديدة في حين بقيت دول أخرى على حالها. لكن لو دققت النظر في النافذة المطلة على هذا الربيع لوجدت شيئا واحدا واضحا لا يقبل الشك والتردد لدى البلدان العربية. فما لا تخطئه العين أن الديموقراطية قاصرة عن وضع قدميها في المنطقة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب العربي. فلماذا الديموقراطية الموجودة في الغرب والتي عمرها يزيد على الأربعة قرون هناك، لماذا ما زالت تائهة لا تدري كيف تحط رحالها هنا؟ الجواب يأتي على أشكال عدة: الأول أن الديموقراطية هي بنفسها غير مفهومة. وقد تحدثنا عن التركيبة أو هيكل هذه الديموقراطية قبل أسابيع وقلنا بأنه لا يوجد رأي واضح بشأنها. نعم وبشكل عام هي حكم الشعب لنفسه، لكن السؤال المبدئي من هو الشعب؟ فهل الشعب بعنوان الأكثرية المطلقة، أم يمكننا اعتبار الأكثرية حتى ولو كانت النصف زائد واحد؟ هذه من زاوية، ومن زاوية أخرى توجد استفهامات أساسية أخرى كالسؤال عن كيفية التمثيل السياسي المناسب للشعب؟ فهل النظام السياسي الأميركي أم غيره، خصوصا إذا عرفنا أن النظام الاميركي هو بنفسه لا يعتني بشرط الغالبية لأخذه بنظام (المجمع الانتخابي) الذي يمكن من خلاله أن تفوز الأقلية في بعض الأحيان. ثم هل الديموقراطية الأسلوب الوحيد لإكرام الإنسان ولاحترام حقوقه؟ وهل الحقوق الإنسانية ضمن الفكر الديموقراطي تُجزّأ أم مطلقة وكاملة؟ فهل يستحق المرء الحقوق لمجرد أنه إنسان، أم الحقوق توزعها الديموقراطية بحسب جنسية المواطن؟ أضف لذلك، لماذا غالبية الأرض تعاني من الحروب والتمزق مع أن الديموقراطية هي السائدة على أغلبية الأنظمة والمجتمعات؟! وفوق ذلك العرب هم أصلا يعانون مشكلة التضارب المبدئي مع الديموقراطية. فالعقل العربي لا يستطيع أن ينفصل عن مبدئين أساسيين وهما فكر الجماعة والطاعة. فالعرب لا يعترفون بالفردية وعندهم المجتمع مُقدم على الفرد. حتى مع مجيء الإسلام، تشوّهت الصورة بعد صدر الإسلام الأول وتحققت نبوءة الروايات على غرار (وُلد الإسلام غريبا وسيعود غريبا) فطُمست معه معالم حقوق الفرد فذهبت أدراج الرياح وعادت الجاهلية العربية لكن بطابعها الإسلامي المتشدد الذي لا يعترف بالفرد ويعطي حقوقاً مفرطة للمجتمع والسلطة وأزهقت مفاهيم الدين المتعلقة بالعدالة. وإلى جانب ذلك الفطرة العربية التقليدية بالنسبة للطاعة العمياء للغير (ملك، زوج، أب، أمير، الخ) بالحق وبالباطل. الديموقراطية ببساطة نتيجة لثقافة فكرية مجتمعية غربية، أنتجها عقول ومفكرون قلبوا العالم قبل مئات السنين ولا زالوا يخدمون الإنسانية في مجالات مختلفة. لكنها تظل إبداعات تحمل قيما مجتمعية مختلفة تماما عنا. وبالتالي مستحيل أن نستورد حلا (غامضا) مبهما غريبا من الغرب ونريده يعالجنا بصورة سحرية وبهدوء وبراحة بال ونرجسية، مستحيل أن يحصل ذلك ما لم نعمل عقولنا ونترك التعصب ونجد الحل بأنفسنا بحسب ثقافتنا ونتدارس تراثنا وتاريخنا وفكرنا وقيمنا الأخلاقية والدينية.