العلاقات الجزائرية الصومالية "متينة وأخوية"    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتبة العراقية مكارم إبراهيم ل " الأمة العربية"
نشر في الأمة العربية يوم 15 - 08 - 2011

لم تكتف الكاتبة العراقية مكارم إبراهيم بنقد الواقع العربي من زاوية غربية كما يفعل حاليا جل البحاثة العرب ممن يقيمون أو أقاموا حينا من العمر في البلاد الغربية، بل سنحت لها إقامتها بالدنمرك أن تمتلك أدوات التفكيك والنقد الاجتماعي والتاريخي لتعمل مبضعه في جسد الوجود الغربي ذاته، هي إذا فاعلية الرؤية الخاصة التي تشكلت لديها بفضل الحيوية التاريخية والحضارية للزمان والمكان الذي تعيش فيه وهو ما جعلها ترتقي إلى علياء الموضوعية التي أحوج ما تكون إليها اليوم نخبنا الناظرة بعجب للغرب والعارضة عن دائرتها الحضارية بكثير من التعالي الفكري النظري الذي ينأى بأطاريحه المجردة في كثير من الأحيان عن التأسيسات الواقعية في المشروع المجتمعي، ليبقى معلقا فيما بين السماء والأرض في مساحة رماد العقل تعنت عادة بكونها منطقة المثالية الفكرية الخاوية.
تشرفنا واستمتعنا كثيرا بمناقشة ومحاورة الكاتبة والباحثة العراقية مكارم إبراهيم.
ما الذي أضافته الهجرة إلى رصيدك النقدي الفكري؟
لقد اضافت الكثير لأن عملية الاحتكاك والتفاعل على كل الأصعدة مع المجتمع الغربي بشكل مستمر وخلال سنين عديدة أدى إلى تغيير مكونات الوعي لدي.
هناك عاملان أساسيان ساهما بشكل كبير في تثبيت النقد الموضوعي في كتاباتي أولهما عامل العنصرية التي واجهتني كما تواجه غالبا الإنسان المغترب .
فعامل العنصرية ساهم بشكل كبير في تثبيت أساس النقد الموضوعي في نظرتي للآخرين المخالفين لي شكلا وفكرا. لأن ممارسة العنصرية الجاحفة بحقي كمواطنة صالحة تخدم مجتمعها، حرضني على الدفاع عن حقي الطبيعي في الحياة الكريمة وحرضني بالتالي على الدفاع عن حق الأقليات بشكل عام والدفاع عن حق الفرد في اختيار عقيدته الدينية وملبسه . ومن جهة أخرى ساعدني على أن أنظر باحترام لاختلاف الرأي مع أي شخص خاصة إذا كان يختلف عني في الشكل والسلوك . لأنني آخذ دوما في نظر الاعتبار الخلفية التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية للفرد المخالف لي .
وهذا مايضعني دوما في نقدي لنصوص الآخرين على الجانب الآمن الموضوعي وتجنب اقحام المشاعر الخاصة بل الاعتماد على الأدلة العلمية، وليس على الحكم المسبق. وهذا في الواقع جعلني أتجرأ وانتقد مواقع الخلل في وجهات نظر كتابات لكتٌاب عرب بارزين .
والعامل الآخر هو دراستي في الغرب ساعدني كثيرا في الاطلاع على ممارسة النقد للنصوص التي تعرض علينا اثناء الدراسة حيث يطلب منا تحليلها بشكل موضوعي وهذه الممارسة المستمرة اعطتني قدرة كبيرة على تحليل نصوص الكتٌاب بشكل موضوعي وأيضا منحتني المرونة في تقبل الأراء المخالفة لي. وتعلمت ايضا النقد الذاتي وهذا مايجعلني أعطي مساحة للحوار البٌناء مع المخالف.
وبهذا لايكون الهدف من حواري هو اقناع الآخر المخالف بصواب رأيي ولكن الهدف يكون هو توسيع أبعاد الرؤية الفكرية للمتحاورين والذي يؤدي غالبا إلى ادخال أفكار جديدة وعناصر ربما تكون جوهرية في الموضوع وتم تهميشها من قبلي.
إذا كان الواقع الإنساني المأزوم وجوديا بما في ذلك صعيده الاقتصادي سواء في الشرق أو الغرب، فعلى أي مرجع نقدي تأسيسي يمكننا الاستناد في عملية فهم وتفكيك واقعنا العربي بكليانيته وخصوصياته؟
نعلم أن التاريخ يسير بحركة سريعة يشمل تطور ثقافة المجتمع وتطور الانسانية عامة باتجاه يسعى دوما إلى تحرر الانسان من العبودية والاستغلال والانظمة الديكتاتورية.
وهناك علاقة جدلية بين التطورالثقافي للمجتمع وبين التطورالانساني.وهذه العلاقة مسؤولة عن تغييرالبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية للمجتمع.
ومن اجل دراسة ونقد واقعنا فيجب دراسة هذه البنى التي تقوم عليها دولنا ومجتمعاتنا المحملة بموروث ثقيل، فعلينا كشف التناقضات في البنى الاجتماعية اي تفكيكها بموضوعية تامة وعلمية. في سبيل ايقاظ وعي الانسان سواء كان أمياً اومثقفاً.
هناك قيود تحكم افكارنا وتناقضات الموروث الثقافي الغالبة على االمجتمع وهناك حقائق كثيرة عن آليات التفكير والسلوكيات لم نطلع عليها بسبب قمع الانظمة الديكتاتورية في كشف الحقائق التاريخية التي لاتخدم بقائها وكذلك اخفاء حقائق عن ثقافات القوميات الاخرى المتعايشة مع القومية العربية.
نقد مجتماعاتنا يتطلب دراسة تاريخية لكل المجموعات الاجتماعية المختلفة فيها في كل الطبقات من خلال دراسة كل مؤسساتها، السياسية، التعليمية، المالية، الدينية. والتركيز على العلاقة الجدلية بين المجموعات الاجتماعية جميعا وعلاقة طبقات الشعب المختلفة بالسلطة الحاكمة وتاثير هذه العلاقة على آلية عمل هذه المؤسسات.
هل العلاقة مستقلة ام هناك تدخل كلي وشامل من قبل الدولة على عمل هذه المؤسسات. والجدير بالاشارة هو ان الحكومات النيوليبرالية السائدة في الغرب اليوم تدعم الخصخصة وتقليص تدخل الدولة في عمل الافراد والتشجيع على مفهوم الفردية والقضاء على مفهوم الجماعية. والنيوليبرالية لدى الحكومات العربية ايضا تدعم الخصخصة وتدعم الفردية والقضاء على الجماعية لكن هنا تنكشف بشاعة حقيقة النيوليبرالية بشكل اوضح حتى للاعمى اذا تتوضح مدى تدخلها في حرية الفرد وليس كما كما هو الحال لدى الحكومات الغربية التي تصورللمواطن بانها السياسة الافضل لانها تمنحه حرية اكثر لكن في الحقيقة هي تستعبده تماما من خلال تضليله فكريا وسياسيا بالتحكم في كل وسائل الاعلام التي يملكها رجال في السلطة الحاكمة.
المهم ان الدراسة التاريخية لكل التناقضات ضرورية لفهم المستقبل وهذا لن يحدث اذا لم يتم اطلاق الحريات الفكرية للأفراد.
الهوية والحديد، أو ما انتصرت له أنت من الآلات على الأحاديث والآيات، مفارقة تاريخية مشكلة حديث الوجود العربي وشاكلة هذا الوجود على مستوى الممارسة والخطاب والتنظير، فتمظهرت اعتوارات الوضع السجالي على المستوى الواقع المعيش بينما تبقى النخب تجتر دائما أطاريح النقد النظري والنقل التنظيري عن الغرب، ألا يمكن أن نؤسس لنقد موضوعي من داخل الدائرة الحضارية الخاصة بما نحفل به من سمات واقعية ذاتية؟
هناك فئة كبيرة من الكتاب لديها مشكلة الحكم المسبق وعدم الموضوعية والعلمية في نقد الظواهر الاجتماعية في منطقتنا حيث يصفون حضارتنا وشعوبنا بالتخلف وربط فئات دينية معينة اسلامية مثلا او فئات لها ايديولوجية معينة بامراض نفسية او عضوية رغم ان هؤلاء الكتاب لديهم تخصص في الطب النفسي انه احتقار صريح لمهنتهم أولاً وهو تمييز عنصري لفئة دينية او ايديولوجية معينة ثانياً. وهذه هي اسباب تصادمي الفكري مع هذه الفئة. اذا المشكلة لدينا هي إيجاد نخبة مثقفة فعلا والابتعاد عن تقديس اسماء لامعة بل يجب نقد افكارها بشكل جدي وموضوعي وتشخيص نقاط الخلل لديها وتجاوز قدسية الاسماء حتى لو كانت حاصلة على جوائز عالمية.
وبالتاكيد يمكننا تأسيس قاعدة للنقد الموضوعي من سمات ذاتية داخل حضارتنا دون الاعتماد على سمات حضارية غربية لانها ربما تكون سمات اصلا وهمية وحتى لو كانت تملكها فانها مرتبطة بمراحل تاريخية معينة للمجتمعات الغربية وربما لاتتناسب مع واقعنا.
ولكن غالبا الأزمات التي تعاني منها المجتمعات الغربية اليوم تتشابه مع أزماتنا . والفرق بين الحضارتين هو أن التناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في منطقتنا مكشوفة بشكل واضح للجميع ولكن بحكم انظمتنا القمعية الديكتاتورية فلايجرؤ احد من النخب المثقفة على تناولها في الاعلام. بينما يقوم الاعلام الغربي على فضحها بحجة الدفاع عن حقوق الانسان وبحجة نقد انظمتنا الديكتاتورية التي هو اصلا يساندها على طول الخط. لدرجة أنه يتفاخر بالثورة المصرية في تصريحاته رغم مساندته القوية والمستمرة لنظام مبارك لانه بهذه الطريقة يصور لنا نفسه بانه المثالي والافضل وعلينا ان نهلل له وندعمه ونعتبره مثالياً.
بينما نفس هذه التناقضات التي نجدها في المجتمعات الغربية تكون مغطاة بشعارات انسانية كالحرية والليبرالية والديمقراطية وحرية التعبيروماهي في الواقع الا شعارات وهمية غير حقيقية استطاعت الحكومات الغربية من خلالها تمرير مصالحها في منطقتنا بنهب خيراتنا وخيرات الدول الفقيرة سواءا الافريقية منها او اللاتينية .
لهذا هناك مسؤولية كبيرة على عاتقنا بفضح هذه التناقضات في المجتمعات الغربية لان ذلك يساعدنا كثيرا على استنطاق وقراءة التناقضات في مجتمعاتنا بشكل علمي ادق وموضوعي دون الانجراف إلى مثالية الحكومات الغربية.
نقدك للتاريخ بوصفه هوية أو عنوان الجغرافيا وهذا من خلال إثارتك لحق الأقليات غير العربية الموجودة على كامل الرقعة الجغرافية للعالم العربي أو بالأحرى لا أحقية الأكثرية العربية في التفرد بالصفة القومية للمكان يدفعنا لطرح سؤال عن مغزى ومعنى الكينونة الإنسانية بدلالتها الانتمائية الثقافية وسبل نقلها من التصادمي إلى التضامني، كيف يمكن أن نعيش سويا برمز جامع لا طاغ؟
أنا أتفهم سبب التأكيد على القومية العربية واضح جدا كرد فعل على الاستعمار العثماني الذي ألغى كل شئ عربي من أجل دعم قوميته وبعدها جاء الاحتلال الانكليزي والفرنسي وهذا أثر كثيرا على المواطن الذي اراد الدفاع عن هويته.
ولكن علينا هنا الانتباه إلى أن تسمية أمة أو جمهورية بأنها دولة أو أمة عربية هو اقصاء لا إنساني بحق القوميات الأخرى المتعايشة مع القومية العربية. وهذه التسمية ساهمت بشكل كبير في تنمية واحتقان العداوة من طرف الفئات المهمشة المتجاهلة وبالتالي تنمية حساسيات وطنية بين هذه القوميات.
هذه التسمية لاتخدم تعزيز مفهوم المواطنة لدى افراد الشعب، بل على العكس تماما تساهم في تشتيت قوة الشعب واضعاف روح الانتماء للوطن إلى درجة انه يدفع الأقليات المهمشة إلى مساندة اعداء الوطن.
ولكن يمكن أن يتعايش هذا التنوع القومي والثقافي في ضمن حدود دولة واحدة اذا تم احترام هذه القوميات الأخرى. وذلك بالغاء تسمية العربية على اسم الدولة ومعاملة جميع القوميات معاملة متساوية في دستور البلاد والسماح للأقليات والقوميات الأخرى أن تمارس ثقافتها وطقوسها بحرية في الاعلام وفي المؤسسات وإدخال لغتها في نظام التعليم إلى جانب اللغة العربية وتوزيع المناصب بالعدل على جميع القوميات كل حسب كفاءته العلمية والمهنية.
انظر إلى سويسرا فلا يطلق عليها سويسرا الفرنسية أو سويسرا الإيطالية أو سويسرا الألمانية أو سويسرا الرومانشية بل يطلق عليها سويسرا فقط ولهذا السبب تتعايش هذه القوميات الأربع المختلفة بسلام فيما بينها. لأن انتمائها للوطن معزز بروح الاحترام والدستور يحترم جميع هذه القوميات. فلايوجد تمييز عنصري بين الفرنسي والألماني والإيطالي والرومانشي.
ألا ترين أن عاهة الجغرافيا التي رأيت من خلال سؤالك حول تسمية الخليج بين الفارسي والعربي، تشكل معضلة الشرق التي وفرتها قفزة التاريخ الإنساني مذ أطلت الحداثة وغيرت من ملامح هاته الجغرافيا ومجرى هذا التاريخ؟
بما معنى أن جراحات التاريخ وخدشاته طفت على وجه الجغرافيا كاشفة عن عمق تشوهات الممشى التاريخي للشرق؟
لم يكن التاريخ الذي مرت به شعوب منطقتنا تاريخا ممتعاٌ. فالعديد من الحروب التي طحنت ارواح الملايين كانت بسبب الصراع على التقسيمات الجغرافية التي تم توزيعها بطريقة تسهل عملية السيطرة عليها من قبل الاستعمار العثماني وثم الانكليزي والفرنسي وحتى يومنا هذا مازالت شعوب هذه المنطقة تدفع فاتورة هذه التركة الاستعمارية.
والمشكلة في الصراعات على هذه الأراضي هو وجود أنظمة ديكتاتورية عبيدة لأوامر حكومة واشنطن وحلفائها بسبب مصالحهم المشتركة التي تدفع دوما حكومة واشنطن وحلفائها باستخدام هذه الورقة في الوقت المناسب عندما تكون هناك حاجة للإطاحة بزعيم ما وشعب ما في منطقتنا كما حدث في تحريض صدام حسين على الدخول في حرب ضد ايران ثماني سنوات. وفي نفس الوقت فإن الزعيم الديكتاتوري يحاول أن يشغل شعبه بهذه الصراعات والتسميات لابعاده عن مشاكله الجوهرية مع نظامه الديكتاتوري.
بعد أن كتبت مقالة بعنوان هل الخليج عربي أم فارسي. كتب بعدي كاتب اردني مقالة تحمل نفس عنوان مقالتي، وحاول التأكيد على أن الخليج هو عربي منذ زمن السومريين وعلينا الدفاع عن هذا الحق.
ولهذا هنا تأتي مهمة النخبة المثقفة الواعية سياسيا بتسليط الضوء على أبعاد هذه التناقضات وخلفياتها التاريخية لتجاوزها والتركيز على المواجهة الرئيسية للشعب مع نظامه الديكتاتوري . فالتركيز على هذه التسميات لن تخدمنا بل تشتت قوتنا وتبعدنا عن العدو الحقيقي.
هل يمكن إسقاط لفظ الثورة بكل ما يحمله اللفظ من دلالة على حركات الاحتجاج العربي اليوم؟
نعم بإمكاني أن اسقط لفظ الثورة على الحركات الاحتجاجية اليوم في منطقتنا. لأن الثورة هي الحراك الشعبي الذي يؤدي إلى تغييرات عميقة على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري في مؤسسات الدولة. وماحدث من احتجاجات في كل من تونس ومصر على سبيل المثال لايمكن اعتبارها ثورة فهي استطاعت الاطاحة بزعيم ديكتاتوري، إلا أنها لم تنجح في احداث تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية، فهي لم تقلب الوضع الاجتماعي للشعب ولم تقدر على اعادة الثروات التي نهبها الزعماء واسرهم وتوزيعها على الشعب. ولم تغير من البنية الهيكلية للمؤسسات الاقتصادية الرأسمالية التي مازالت تنهب الاقتصاد الوطني. ولم تنجح في اعادة تغيير هيكلية السلطة القديمة، فهي لم تسمح بتعدد الاحزاب بشكل عادل ومازال هناك قمع ومراقبة على بعض الاحزاب المعارضة. ولم تحل أجهزة الأمن التي تنتهك حقوق الإنسان بأقبح صورة .
حتى تغيير الدستور لديهم كان شكلياً وليس جوهرياً. وقام بعض الزعماء العرب بامتصاص غضب الجماهير من خلال وعود وردية بزيادة الرواتب وإجراء إصلاحات سياسية أو تقديم بعض المنح المادية. وأنا أرى أن فشل هذه الاحتجاجات من بلوغها مستوى الثورة هو بسبب تدخل حكومات وقوى دولية مساندة للنظام الديكتاتوري السابق من تحت الستار.
أولوية الوطن على الدولة التي وسمت الحق السياسي للإنسان الغربي وأسست لما بات يعرف بالمواطنة، لم تعرف لها سبيلا في الواقع السياسي القطري العربي أين تغولت دوما الدولة بدواع عدة أمنية وثورية وممانعاتية كما هو الحال مع الوضع السوري، هل في رأيك يمكن القول أن المواطن العربي وفي القرن 21 هو الآن بصدد اكتشاف الدولة بعدما شبع من أناشيد الوطن؟؟
بداية أود ان أشير إلى مفهوم المواطنه لدى المواطن الغربي أو أولوية المواطنة على الدولة بدا للأسف الشديد في الانحسار التدريجي بسبب صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة المسيحية والتي تدعو لمحاربة الأجانب والمسلمين والماركسيين، فاعتقد أن المجتمعات الغربية اليوم تسير بالاتجاه العكسي للحضارة الإنسانية ولهذا بدأت احتجاجات الأحرار والشباب تندلع في مدن عديدة في أوروبا .
لقد حرم المواطن في منطقتنا ولعقود طويلة من استيعاب مفهوم المواطنة. لأنه لم يشعر بأن هذه الدولة هي دولته، ولم يتعلم بأن ثروات الوطن هي ملك للشعب وليست ملك لفرد ويجب الحفاظ عليها وعدم سرقتها. فالدولة لم تحترم يوما رأي الشعب ولم تعطه مساحة للتحرك والتطور بل جعلته يفهم بأن الدولة يملكها حاشية الزعيم والشعب هم عبيد عليهم الطاعة دون الاعتراض والمناقشة . لقد ساهمت الحكومات الديكتاتورية في منطقتنا على زرع اسس الانتماءات الطائفية والقومية والقبلية والعشائرية ولم ترب الشعب على الانتماء الوطني وذلك من اجل سهولة التحكم به.
واليوم ولأول مرة تنتفض شعوب منطقتنا بسبب ازدياد وطأة القمع والاستغلال من قبل انظمتها الديكتاتورية الحاكمة. لقد ادركت هذه الشعوب معنى الدولة المسؤولة الرئيسية عن التمادي في الفساد والقمع دون أي رادع ضميري، وهي سبب استمرار تردي أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والتهميش السياسي. واتصور ان هذه الاسباب كفيلة بان تجعل المواطن قادر على استيعاب المواطنة رغم انه لم يمارسها لان حراكه كان من داخله ولم ياتي من تدخلات خارجية كما حدث في العراق.
أترك لحضرتك خاتمة القول.
أود ان اشكر جريدة "الأمة العربية" على قبولها لاستضافتي على صفحاتها والتواصل مع قرائها وأود ان أشكر الزميل الكاتب الصحفي بشير عمري على مشاركتي الحوار باسئلته القيٌمة .
وأريد أن أؤكد على حقيقة جوهرية حول الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يسٌير الاحداث وبسرعة مذهلة على الساحة السياسية في منطقتنا وهي أنه وبرغم كل العثرات والاغتيالات التي يواجهها الاحرار إلا انه مازال لدي امل كبير في التغيير الجذري لمجتمعاتنا وبلوغ هذه الاحتجاجات مكاسب الثورات لانه يشارك فيها اكبر شريحة من الشعب وبالاخص شريحة الشباب المثقف سياسيا. واعتقد بانه لن يتوقف عن مواصلة النضال مهما ارتفعت فاتورة التضحيات علاوة عليه ان يدرك بان قدرته على الاطاحة بزين العابدين بن علي ومبارك ساهم في بعث روح الثورة والاحتجاج من جديد لدى المهمشين في أوروبا . ولهذا عليهم مواصلة الكفاح حتى يتم التغيير الحقيقي وازالة جذور الانظمة القمعية والفروق الطبقية بين ابناء الشعب واعادة ثروات البلاد للشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.