بقلم: كاظم عايش أمة تائهة، مضروب عليها التيه، مرشحة للاستبدال بغيرها، عانت الكثير من أصناف الظلم حتى أدمنت المعاناة، ولم تتذوق يوما طعم العزة والنصر والتمكين، فتحت عيونها على أنظمة مستبدة وحكام مخلدين في الملك، فلم تعرف غيرهم وليس عندها استعداد للتعرف على سواهم، فهم بالنسبة لها قدر لا يرد، وقد رضيت بهذا القدر الذي تظنه محتما، فلعب بها اللاعبون، وعبث بمقدراتها العابثون، وهي أشبه ما تكون في غيبوبة لا يرجى منها صحو، أنا لا أقول هلك الناس، أنا أقول لقد شبعوا موتا وغيابا، وإذا حان وقت الصحو فلن يكونوا حاضرين، ستكون الدنيا غير الدنيا والناس غير الناس، لن يرثوا الأرض، فهم لم يكونوا يوما صالحين لوراثتها، أماتهم الله ليكونوا آية لمن بعدهم، هم كالذي مر على قرية، أو هم كمن ضرب الله على آذانهم ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعا. ما كنت يوما متشائما، أنا أكثر الناس تفاؤلا، وأنا على يقين بأن الحق سينتصر في جولة قادمة بعد أن امتلأت الأرض جورا وظلما، وامتلأ الناس جبنا وخورا وتفاهة وخيانة، ولكنني لست ممن يظنون أن جيلا من الجبناء الخوارين سيحظى بشرف النصر والتمكين، ويحظى بشرف تحرير الإنسان والأرض والمقدسات، ليس هذا الجيل ممن يحمل تلك المواصفات التي ذكرت عمن يحبهم الله ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، ليسوا أولئك الرجال الذين وصفوا بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار، ليسوا ممن قال الله فيهم أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. المرشح لهذه المهمة جيل رباني مرتبط بعقيدته ومبادئه وقيمه، جيل لم يوصم بالجاهلية ولا العصبية، ولا الارتباط بالمصالح الضيقة، جيل يتلقى القرآن كأنما أنزل عليه، ولم يتردد في تحقيق معانيه وتنزيل أوامره على أرض الواقع، جيل تحكمه القيم والأخلاق الرفيعة التي تعلي من شأن الإنسان والمبادئ، وليس الأعراق والجهات والمصالح الدنيوية الصغيرة، جيل يحب الخير ويتوق إلى المعرفة ويعلي من قيم الحق والعدل والإنصاف والمساواة، جيل يضحي بلا حدود ويعمل بلا توقف، ويعطي بلا من، جيل ترفع عن الدنايا ويهتم بمعالي الأمور، جيل من السمو والرفعة والعطاء والنزاهة والشفافية، ليس جيلا من صنع الأوهام ولا من تهيؤات الأحلام، بل حقيقة واقعة مذهلة، يحسبه الناظر سرابا وهو في حقيقته واقع قائم، هو من سيمحو عار القعود والتواكل، وسيعفي على آثار المتثاقلين إلى الأرض، الذين رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، سينسي الناس سيرة المنافقين الذي ملؤوا الأرض يوما، وسيعيد سيرة الصادقين الذين حفروا في ذاكرة التاريخ صنائعهم، ورسموا لعيون الناظرين دروب عودتهم الظافرة إلى آخية الحق الذي قامت به السموات والأرض. لم أتناول مشروبا ولم أتعاط مسكرا ولا شممت شيئا أذهب عقلي حين قلت ما قلت، بل أنا أقرأ ببساطة وسهولة دستور الحق وسفر الخلود، أقرأ السنن التي لم ينتبه لها الغافلون وما أكثرهم، أقرأ العزيمة في صدور الرجال الذين أنتظرهم، أقرأ الحقيقة التي غيبها الفاسدون المستبدون بسحرهم وأوهامهم ومكرهم، ولم يستطيعوا أن يحجبوها عن بصيرة أهل الإيمان يوما، فلقد كانت دائما حاضرة في عقولهم وضمائرهم، ولكن وقتها لا يحين إلا بشروطها التي غابت عن الوجود والشهود لغياب أصحابها عنها، أقرأ نهاية الظلم، وأقرأ مصير البغي، وأقرأ تحقق النصر الذي لا ينبغي أن نشك في حدوثه فرديا على مدار الزمان، وجماعيا حين نتأهب له ونستحقه. مركب الأمة تتلاعب به أعاصير الأهواء والشبهات، وتتهدده رياح المكر والتآمر والشهوات، ولن ينقذه إلا عزائم الأبطال المجاهدين، الذين يخرجون عن مألوف الجبناء والمهزومين، والذين إذا قالوا فعلوا، الصادقون مع أنفسهم، الناصحون لأمتهم، الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، ولا يخافون لومة لائم.