هذه السنة كانت من أقسى السنوات بالنسبة للأقلية الروهنجية المسلمة المضطهدة في بورما ففي منتصف شهر جانفي، وقعت مجزرة هزت أفراد الروهنجيا وراح ضحيتها 40 شخصا قرب بلدة منغدو في ولاية أراكان بغرب البلاد. حكومة بورما - ميانمار حاليا - نفت رسميا التقرير، رغم وجود أدلة على عكس ذلك. في فيفري الماضي، طردت من ولاية أراكان واحدة من أكبر مقدمي الدعم الطبي الضروري في البلاد، وهي منظمة أطباء بلا حدود (MSF ) بحجة أنها عالجت 22 ضحية من هذه المجزرة التي تم نفي حصولها. وبالتالي، كانت هناك 150 حالة وفاة يمكن تجنبها - 20 منها لنساء في حالة الولادة- وتقريبا 750000 شخص (محرومين من معظم الخدمات الطبية) وفقا لتقديرات أوردتها نيويورك تايمز في منتصف مارس. حاولت الحكومة، التي تتخذ من نايبيداو عاصمة لها تبرير طرد منظمة أطباء بلا حدود عن طريق اتهامها بأنها منحازة للأقلية الروهنجية التي تؤلف حاجياتها الصحية حيزاً أكبر من حاجيات الجيران الراخين الطبية. بعد حوالي شهر، تدهورت الأوضاع الإنسانية للأقلية إلى أبعد من ذلك، بعد أن طُردت المنظمات غير الحكومية من أراكان بشكل جماعي في أعقاب هجمات العصابات الغوغاء لها في أكياب، عاصمة الولاية. وكان دافع العنف ما اعتبره الراخين أنه (إهانة) إلى البوذية، وهو إزالة إحدى عاملات الإغاثة العلم الذي له معنى ديني وسياسي كبير بالنسبة لهم، مع العلم أنها سعت للحفاظ على حياد عمل المنظمة التي تشتغل فيها. وفيما اعتبرته الحكومة ذريعة لمكافحة الشغب، هاجمت عصابات غوغائية من راخين مستودعات المنظمات غير الحكومية ومكاتبها، ومساكن العمال على فترة يومين. وجاء في بيان لممثل الأممالمتحدة الذي وصف الأحداث بأنها (هجوم على المساعدة الإنسانية بأكملها في ولاية أراكان). ويقتصر تأثير هذه الحوادث البالغ على نحو 140,000 من الروهنجيا المشردين داخليا في المخيمات بعد أن شردهم العنف عام 2012. وأدلى بيير بيرون من مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بتصريح إلى وكالة (فايس نيوز) محدداً خطورة الوضع في أعقاب هجمات وقال: (تنخفض مستويات المياه بشكل كبير في بعض الأماكن، ولا يرسل الأشخاص الذين يعانون من مشاكل طبية إلى المستشفيات وهذه التطورات تزيد في تفاقم الأزمة الإنسانية الموجودة أصلا في المخيمات). على الرغم من النقص الكبير في المساعدات، فإن الحكومة أكدت للمجتمع الدولي أنها ستبذل قصارى جهدها لملء فجوة المساعدات الهائلة التي نتجت عن خروج منظمة أطباء بلا حدود والمنظمات الأخرى. ومع ذلك، تسربت وثائق لوكالة (فايس نيوز) حسب مصدر مقرب من الأحداث في ولاية أراكان عن تفاصيل المناقشات التي حصلت في عدة اجتماعات بين الحكومة ومنظمة الصحة العالمية (WHO) وأنها تتعارض بشكل مباشر مع ادعاءات الحكومة وتفصح أنها في الواقع رفضت أو تأخرت في الاستجابة للعروض التي تقدمها وكالات المساعدات الخارجية لتعزيز القدرة الإنسانية في البلاد. فتأثير هذه الاستجابات المنطوية على إهمال، وفقا للاتصال الذي سربت المواد، كان واضحا جدا حيث أضاف المصدر أن الناس يموتون. أحد هذه الوثائق تكشف عن حالة سيئة للغاية من قدرات الحكومة في مجال المساعدات الطبية إذ يتوفر (خمس فرق جوالة) فقط متاحة لتغطية العجز في كل أنحاء الولاية، وسيارتا إسعاف من الصليب الأحمر في بورما فقط. ويُزعم أن بورما ارتكبت (جرائم ضد الإنسانية) في سياساتها مع الروهنجيا، بما في ذلك القرار سيء السمعة (إنجاب طفلين فقط). وعلى الرغم من هذا الوضع، أظهرت الأوراق المسربة أيضا أن وزارة الصحة في بورما رفضت عرض منظمة الصحة العالمية لتمويل إضافي. ومما يجعل الأمور أكثر سوءا، بدء السلطات البورمية برفض تصاريح السفر للمنظمات غير الحكومية. وإلغاء التراخيص حتى قبل الموافقة، وفقا لمحاضر الاجتماعات التي تمت وجهاً لوجه بين منظمة الصحة العالمية والمسؤولين الحكوميين. وقال الدكتور سوي وين نيين، نائب مدير عام وزارة الصحة، إلى منظمة الصحة العالمية وممثلين مختارين للمنظمات غير الحكومية إن القيود السفر كانت من أجل الأمن. وفي الجلسة نفسها، قُدم له عرض شامل لموارد الإنسانية واللوجستية والإمدادات الطبية تضم العشرات من الأطباء والممرضين والسائقين، ومئات من المواد والمعدات التي تستعمل في الإسعافات، وزورقين سريعين، مصدرها خمس من المنظمات غير الحكومية المختلفة التي هي على استعداد للتكامل مع وزارة الصحة لتحسين الاستجابة الإنسانية. فأجاب أنه وافق على العرض (من حيث المبدأ)، ولكن لم يتخذ قرارا في الوقت نفسه سواء لقبول عرض المساعدة أم لا. وقال مصدر رفيع في المنظمات غير الحكومية الدولية إلى وكالة (فايس نيوز)، اشترط عدم الكشف عن هويته إن نائب المدير ماطل وقال إنه يحتاج إلى مزيد من التفاصيل. وقالت مصادر على الأرض في أكبر مجموعة من مخيمات النازحين قرب أكياب (سيتوي)، والذين أيضا لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم حفاظا على سلامته إنهم لم يروا أي من العيادات المتنقلة، والأطباء، والممرضات - أو في الواقع أي زيادة ملحوظة في المساعدات منذ الاجتماع الذي عقد في 8 أفريل وقالوا أيضا إن طبيبا واحدا فقط، من الروهنجيا، كان متوفراً لهم. وقال ماثيو سميث إلى وكالة (فايس نيوز) وهو من منظمة فورتيفاي رايتز التي تتخذ من بانكوك مقرا (إن الوضع الإنساني كان مروعا قبل طرد جماعات المعونة، والآن الحال أسوأ من ذلك). وتابع: (إن الحكومة قد منعت بشكل واضح الغذاء والماء والمساعدات الصحية المنقذة للحياة، ومواد أساسية أخرى للنازحين الروهنجيا). وأضاف أنه لاحظ بشدة أن الوفيات التي يمكن الوقاية منها هي حقيقة واقعة في المخيمات، وهي نتيجة مباشرة للقرارات المؤسفة التي تتخذها نايبيداو وأن حرمان المساعدات ليس من قبيل الصدفة. في وقت كتابة هذا التقرير، تدل المؤشرات على أنه لن يتم استئناف المساعدة الكاملة للمنظمات غير الحكومية حتى نهاية أفريل في أبعد حد. في حين أنه تمت الموافقة على بعض أذونات السفر للأسبوع القادم، لا تزال هناك قضية بارزة وهي حملة منسقة في أراكان لتقويض عمليات المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء الولاية. ووفقا للتقارير، تم نشر أسماء وعناوين بعض عمال الإغاثة على مواقع الشبكات الاجتماعية من خلال أشخاص راخين معادين ولا تزال الفنادق في المنطقة ترفض قبول موظفي المنظمات غير الحكومية بضغط من نشطاء راخين. وقال مصدر إلى وكالة (فايس نيوز) إن أعضاء من منظمة أطباء بلا حدود قد استهدفوا بغاية الترهيب في كثير من الأحيان لدرجة أن موظفيها قبل طردهم كانوا يتلقون الإرشاد النفسي كل شهر لمواجهة هذه المعضلة. مع انتظار موسم الأمطار القادم لتضرب مخيمات اللاجئين - مثل انتظار عودة المنظمات غير الحكومية، فمن المحتمل انتشار الأمراض التي تنقلها المياه بالإضافة إلى تهديد الأعاصير من خليج البنغال إلى تفاقم أوضاع الأقلية الروهنجية، وخصوصا أن العديد من مجموعات النازحين تعيش على سهول الفيضانات. ووفقا لسميث فإن مصير الأقلية الكارثي يرتبط في نهاية المطاف بسياسة الحكومة أكثر من عدوان الراخين أو تهديد الكوارث الطبيعية. وقال: (الحكومة ليست فاشلة في تعزيز حقوق الإنسان الروهنجيا فقط، بل إنها تسيء لهم. فهناك الانتهاكات على أيدي قوات أمن الدولة، مثل القتل، وقع مع الإفلات من العقاب، كما يتم حرمان الروهنجيا من المساعدات بشكل منتظم). وأضاف (هذه هي السياسات والممارسات التي تشجع على تدمير الروهنجيا، وهي سهلة وبسيطة).