كان من المفترض أن يشكل التعداد السكاني الأول منذ ثلاثين عاماً في بورما، المعلم الأخير ضمن سلسلة معالم أخرى تؤكد التقدم المطرد للبلاد نحو الديمقراطية، بعيداً عن ماضيها المرير. وبدلاً من ذلك، أصبح يشكل الفشل الذريع الذي يؤكد القضايا الساخنة التي لازالت تعاني منها البلاد، وتهدد بجرها إلى الوراء. ومن أهم تلك القضايا محنة الأقلية العرقية المسلمة المضطهدة في ولاية راخين الغربية من البلاد. قبيل بدء المسح السكاني على مستوى البلاد، أعلن المتحدث باسم الحكومة البورمية أن تلك الجماعة العرقية التي لا تحمل جنسية ويعد أعضاؤها من المهاجرين غير الشرعيين الذين قدموا من ميانمار وبنغلاديش المجاورة، غير مسموح لأعضائها بتحديد هويتهم بالاسم الذي اعتادوا استخدامه على مدى قرون، وهو (روهنغيا). وكانت هذه الخطوة محسوبة على ما يبدو لاسترضاء أعضاء معترضين من العرقية المهيمنة في راخين، والذين عبروا عن عدائهم المتأصل للروهنجيا وغيرها من الأقليات المسلمة، من خلال أعمال عنف أقدم عليها الغوغاء، وأدت إلى وقوع مذبحتين بشعتين، خلال السنتين الماضيتين. وتطالب العناصر المتطرفة داخل مجتمع راخين بأن تشير الأقلية المسلمة إلى نفسها بمصطلح (بنغاليين)، وهو المصطلح المستخدم أيضاً من قبل الحكومة، ويقصد به ضمناً الإشارة إلى أنهم دخلاء أجانب، على الرغم من الكم الهائل من الأدلة التي تشير إلى أن وجودهم في بورما يعود إلى أجيال. استرضاء المتطرفين وقد جاء هذا القرار بعد سلسلة من التحركات لاسترضاء العناصر المتطرفة داخل مجتمع راخين من قبل الحكومة التي تعمل من مدينة (نايبيداو) المتخندقة، وتلك العناصر كما البوذيين المتطرفين ذوي الصيت السيئ في حركة 969 المناهضة للمسلمين، تعتبر الروهنجيا ليسوا إلا إرهابيين خطيرين. في شهر فيفري الماضي، طردت منظمة (أطباء بلا حدود) من ولاية راخين، وهذه الخطوة عجلت بها احتجاجات شعبية واسعة من قبل سكان ولاية راخين ضد المنظمة الخيرية. وقبل ذلك، في جانفي، أطلقت مذبحة مزعومة بحق الروهنجيا قام بها غوغاء من راخين صيحة دولية، فقامت الحكومة بنفيها على الفور. وتبقى هناك أسئلة جدية حول كيفية تمكن الحكومة بهذه السرعة من معرفة أنه لم يحدث شيء، خصوصاً وأن مثل هذا الموقف كان على خلاف حاد مع ما توصلت إليه الأممالمتحدة، وجماعات الحقوق، ومنظمة أطباء بلا حدود، قبل قيام الدولة بإزالتها على الفور. ونتيجة مباشرة لإطلاق الصفير من قبل نايبيداو، هذا الصفير الذي يستخدم في استدعاء الكلاب، أصبحت القوى المناهضة للروهنجيا داخل ولاية راخين أكثر جرأة، فاندلعت في أواخر الشهر الماضي، هجمات منهجية على مخازن المساعدات ومكاتب ومنازل العاملين في المنظمات غير الحكومية في سيتوي، عاصمة الولاية. ففر على الأثر جميع موظفي المنظمات غير الحكومية من الولاية تقريباً، وهؤلاء يسعون الآن للعودة، لكن جهودهم تتعرض للإعاقة من قبل السلطات البورمية. والعواقب الإنسانية المترتبة عن نقص المساعدات الإنسانية والطبية كانت غير محتملة. واستناداً إلى بعض التقديرات الطبية، فإن 150 شخص توفوا في الأسابيع التي تلت مباشرة طرد منظمة (أطباء بلا حدود). وحتى الآن، كان الرد الدولي ضعيفاً. وفي داخل البلاد، تبقى حتى الناشطة أونغ سان سو كي صامتة.