متتبّعون: "الانضمام إلى المنظّمة شرّ لابد منه"! بدا وزير التجارة الجديد عمارة بن يونس الذي استلم مهامه الجديدة الثلاثاء الماضي مستعجلا كثيرا في الانضمام إلى المنظّمة العالمية للتجارة، حيث صرّح بأن (المهمّة الرئيسية والجوهرية والأولوية التي حدّدها لي رئيس الجمهورية تتمثّل في الانضمام إلى المنظّمة العالمية للتجارة وتظلّ الأولوية القصوى الانضمام إلى هذه المنظّمة العالمية)، معربا عن إرادة الجزائر الصارمة في استكمال مسار المفاوضات. ويرى متتبّعون أن الانضمام إلى المنظّمة المذكورة يشكّل خطرا حقيقيا على الجزائر، خصوصا في ظلّ هشاشة اقتصادها واعتمادها المطلق على تصدير النفط وحده تقريبا، بينما يرى آخرون أن الانضمام إلى المنظّمة بات شرّا لابد منه ولا يمكن تفاديه. تمهيدا لانضمام الجزائر إلى المنظّمة العالمية للتجارة من المرتقب أن توقّع الجزائر (قريبا) اتّفاقات تجارية مع الأرجنتين وآخر مع نيوزلندا، وهذا يظهر عزمها على انتهاج مسار الانضمام إلى المنظّمة العالمية للتجارة والإسراع في هذا المشروع هذه السنة بالذات سيرا على الدرب الذي تسير فيه منذ 1987. وقد سبق وأن أجرت الجزائر التي تستعدّ لتلقّي ملاحظات وأسئلة البلدان الأعضاء في المنظّمة خلال شهر ماي الجاري للإجابة عليها قبل نهاية جوان 12 جولة من المفاوضات متعدّدة الأطراف قامت خلالها بمعالجة 1933 مسألة مرتبطة أساسا بنظامها الاقتصادي. وقد خصّصت الجولة ال 12 من المفاوضات متعدّدة الأطراف لعرض التغييرات الدستورية والتنظيمية التي أجرتها الجزائر ودراسة الأجوبة على أسئلة البلدان الأعضاء في المنظّمة. كما سمحت هذه الجولة تماشيا مع أجوبة الجزائر على الأسئلة الإضافية للدول الأعضاء بدراسة مشروع التقرير المحين لمجموعة العمل المكلّفة بانضمام الجزائر إلى هذه الهيئة، وكذا العروض الجزائرية المراجعة والمتعلّقة بولوج سوق الممتلكات (العروض التعريفية) والخدمات التي أرسلتها الجزائر في أكتوبر ونوفمبر 2013. وقد عقدت الجزائر حوالي 120 اجتماع ثنائي مع حوالي عشرة بلدان أفضت إلى إبرام خمس اتّفاقات ثنائية مع كلّ من كوبا، البرازيل، الأوروغواي، سويسرا وفنزويلا. من جانب آخر، أرجع مدير التجارة الخارجية بوزارة التجارة شريف زعاف المسيرة الطويلة للجزائر من أجل الانضمام إلى هذه الهيئة إلى إرادة الحكومة الجزائرية في إجراء أوّلا إصلاحات داخلية وإنجاح تأهيل بعض القطاعات التي قد تهدّدها المنافسة والتوصّل إلى تنويع اقتصادها. كما أوضح ذات المتحدّث أنه (تمّ إرسال مذكّرة لأعضاء المنظّمة العالمية للتجارة للمطالبة بفترات انتقالية قصد السّماح لمؤسساتنا بالاستعداد للانفتاح)، وحسب زعاف فقد أعدّت دراسات حول الفروع الحسّاسة التي يجب حمايتها بدءا من سنة . وكان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد أكّد يوم الأربعاء في توجيهاته للحكومة الجديدة على الإسراع في (مواصلة المفاوضات من أجل انضمام الجزائر إلى هذه المنظّمة العالمية للتجارة مع السهر على حماية مصالح الاقتصاد الوطني). وإذا كان الانضمام إلى المنظّمة يبدو (طموحا مشروعا)، فإنه في رأي متتبّعين سيشكّل خطرا على بلادنا ما لم تسارع السلطات إلى اتّخاذ الاحتياطات اللازمة. ومن جهته، قال رئيس مجموعة العمل المكلّفة بانضمام الجزائر إلى هذه الهيئة الأرجنتيني ألبيرتو دالوتو إنه خلال شهر مارس الماضي بجنيف الجزائر حقّقت (تقدّما جوهريا) لكي تصبح عضوا في هذه المنظّمة، وأنه يتعيّن عليها الإبقاء على وتيرة عملها لبلوغ هذا الهدف، مضيفا أن (المحادثات كانت مكثّفة وتقنية، حيث أعربت كلّ الوفود عن دعمها لانضمام الجزائر إلى هذه المنظّمة العالمية وعن ارتياحها للتقدّم الذي حقّقته الحكومة الجزائرية). شرّ لابد منه! الانضمام إلى المنظّمة العالمية للتجارة ليس إجباريا على الدول، بل هو خيار يعود لكلّ دولة حسب وضعيتها الاقتصادية والسياسية، وطلب الجزائر لعضوية هذه المنظّمة كان قناعة منها بأن الانضمام إليها قد يتيح لها فرصا أفضل لإنعاش اقتصادها وتطويره على خلاف لو بقيت خارجها، خاصّة وأن الجزائر شهدت موجة إصلاحات ضخمة من أجل التوجّه نحو اقتصاد السوق. فبينما يرى مختصّون أن الانضمام إلى منظّمة التجارة العالمية شرّ لابد منه لم تبد الجزائر نيّتها في الانضمام إلى هذا المنظّمة إلاّ بعد أن تأكّدت أن لا جدوى من تفاديها والبقاء على هامشها، خاصّة بعد أن شرعت في الإصلاحات الاقتصادية والانتقال إلى اقتصاد السوق الذي يتطلّب تحرير التجارة الخارجية، وهو شرط أساسي من شروط الانضمام إلى المنظّمة العالمية للتجارة، فهي تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف من وراء ذلك وأهمّها: 1- إنعاش الاقتصاد الوطني: مع انضمام الجزائر إلى المنظّمة سيرتفع حجم وقيمة المبادلات التجارية، خاصّة بعد ربط التعريفة الجمركية عند حدّ أقصى وحدّ أدنى، والامتناع عن استعمال القيود الكمّية، ممّا ينتج زيادة في الواردات من الدول الأعضاء، فاحتكاك المنتجات المحلّية بالمنتجات الأجنبية وبالتالي الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والتقنيات المتطوّرة المستعملة في عملية الإنتاج، وبالتالي زيادة المنافسة التي يمكن أن تستغلّها الجزائر كأداة ضغط لإنعاش الاقتصاد الوطني. 2- تحفيز وتشجيع الاستثمارات: إن تشجيع الاستثمارات وتحفيزها مرتبط بنجاح الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر التي انطلقت في أواخر الثمانينات، وفي هذا الصدد قدّمت الجزائر عدّة مزايا للمستثمرين، سواء المحلّيين أو الأجانب، حيث أن قانون النقد والقرض 90-10 الصادر في سنة 1990 تضمّن عدّة تحفيزات كالمساواة بين المستثمرين الأجانب والمحلّيين في مجال الامتيازات والإعفاءات الضريبية، إلاّ أنه لم يتمّ التوصّل إلى الهدف المنشود. 3- مسايرة التجارة الدولية: يتميّز الاقتصاد الجزائري بالتبعية للخارج بسبب اعتماده على قطاع المحروقات الذي يقدّم للخارج أكثر من 95 بالمائة والصادرات الجزائرية، ومن جهته يتميّز الجاهز الإنتاجي الجزائري بضعفه وعدم قدرته على المنافسة. 4- الاستفادة من المزايا التي تمنح للدول النّامية الأعضاء في المنظّمة: حيث أن المزايا التي تمنحها المنظّمة العالمية للتجارة للدول الأعضاء فيها تعتبر بمثابة دوافع ومحفزّات للانضمام إليها. 5- رؤية مستقبلة: ربما تكون إزالة الحواجز الجمركية دافعا رئيسيا لزيادة معدلات التبادل بين الدول العربية (ولا يتحقّق ذلك إلاّ بإيجاد عملة خاصّة بالمغرب العربي من أجل القضاء على كلّ السلبيات التي يمكن أن تنتج عن ذلك في مقدّمتها اختلاف أسعار الصرف الذي نتج عنه عمليات التهريب). لكن... في المقابل يرى كثيرون أن الانضمام إلى منظّمة التجارة العالمية سينجرّ عنه عدّة مخاطر أهمّها: * إمكانية التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي كان قد فنّده الوزير السابق للتجارة مصطفى بن بادة. * إمكانية إجبار الجزائر على اقتناء سلع محرّمة في الدين الإسلامي. * إجهاض الصناعات الوليدة المفتقرة إلى الجودة بسبب عدم امتلاك التكنولوجيا المتقدّمة. * انخفاض حصيلة الضرائب الجمركية سوف يؤدّي إلى عجز أكبر ف ميزان المدفوعات بالنّسبة للدول النّامية، وبالتالي الدخول أكثر في دوّامة الاقتراض والديون والتبعية للخارج. * ضياع مورد من موارد الدولة جرّاء التخفيض في نسبة التعريفة الجمركية. * منظّمة التجارة كانت عائقا لتشكيل تكتّل دول المغرب العربي كونها عملت على جذب كلّ دولة منفردة والتفاوض معها، والأولى كان يجب أن يتمّ التفاوض بين كتلة وكتلة أخرى تماثلها لا بين كتلة ودولة منفردة لأنه حتما ستكون شروط التفاوض في صالح الكتلة على حساب الدولة لا محالة. مسار طويل للتذكير، فقد شرعت الجزائر في مسار الاندماج إلى المنظومة التجارية العالمية منذ جوان 1987 تاريخ إيداع الطلب الرّسمي للانضمام إلى الاتّفاقية العامّة حول التعريفات والتجارة (الغات) التي أصبحت تعرف اليوم بمنظّمة التجارة العالمية. غير أنه لم يشرع في المفاوضات بشكل ملموس إلاّ ابتداء من جويلية 1996، علما بأن الاجتماع الأوّل لمجموعة العمل جرى في أفريل 1998. وفي جانفي 2008 درست مجموعة العمل مشروع التقرير المراجع حول التجارة الخارجية للجزائر وحول الإصلاحات التي شرعت فيها السلطات العمومية لجعل الإطار القانوني والمؤسساتي مطابقا لقواعد المنظّمة. وعليه، فقد صادقت الجزائر على قوانين جديدة في مجال العراقيل التقنية أمام التجارة وإجراءات صحّية والصحّة النباتية والملكية الثقافية والوقاية وإجراءات تعويضية وسياسة الأسعار والتقييم في قطاع الجمارك واستيراد المنتوجات الصيدلانية والمشروبات الكحولية وتصدير لحوم البقر والغنم والنخيل، علما بأن ما لا يقلّ عن 40 نصّا تمّت إعادة النّظر فيه. غير أن الجزائر ما تزال تواجه عراقيل في هذا المسار، لا سيّما في قطاع الطاقة والمالية والاستثمار والثقافة أيضا.