لقد وضع الإسلام لنا صورا وحدودا لأعمال أهل الجنة إذا حسنت نياتهم وأعمالهم، وأما أعمال أهل النار، فلن ينفعهم حسن نياتهم. ولما كان ذلك كذلك، فإنني في هذا الجانب استعرض عدة جوانب من هذا وذاك مستقاة من كتاب الله تعالى، ومن السنة النبوية المطهرة، إضافة إلى بيان واستنباطات بعض علماء الدين في أمور ما أوضحت. بادئ ذي بدء أقول: إن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هي جنسية كل مسلم، وتحقيق شخصيته، كما أنها وطنه، إذ إن الإسلام لا يعترف بالحدود، ولا بالأسوار، ولا بالحواجز، وفي التوحيد خلاص من عذاب النار، وطريق إلى الخلود في نعيم الجنة، ورضوان الله تعالى. ولا شك في أن إخلاص القلب، وصدق النية، هما المحور ومركز الدائرة الذي يدور حوله التوحيد الخالص. فمن أعمال أهل الجنة بالإضافة إلى التوحيد، ما يلي: الجهاد: قال تعالى: إن اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله... (سورة التوبة _ الآية 111). إقامة فرائض الله: قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون) (سورة المؤمنون _ الآيات 1-11). أهل القرآن: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القرآن أفضل من كل شيء، فمن وقر القرآن فقد وقر الله، ومن استخف بالقرآن استخف بحق الله، حملة القرآن هم المحفوفون برحمه الله...). رعاية اليتيم: فعن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله، كان له في كل شعرة مرت على يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة). السبعة الذين يظلهم الله بظله: أي (رحمته). عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته، امرأة ذات حسن وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه). وعلى أبواب الجنة يستقبل المؤمن أهله فيها، فهو أعرف بهم من معرفة غيرهم، وتغرد الحور العين على ضفاف أنهار الجنة، فرحا بالمؤمن الذي طالما قاسى في الحياة الدنيا ويسمع النداء من رب العالمين: (يا عبادِ لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون، وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) (سورة الزخرف _ الآية 68 وما بعدها). ويعيش الحياة التي أرادها الله له، فالله يحب عباده، وأكرم أبناء آدم وحملهم إرادة التخيير والإرادة فيها كل الحرية، فمن شاء الدنيا فله الدنيا، ومن شاء الآخرة فله الآخرة، ولا يظلم ربك أحدا.