يحصل لهم بها الفلاح في الدنيا والآخرة المؤمنون.. ما هي سماتهم؟ وبماذا يتميزون؟ للمؤمنين سمات وصفات يتميزون بها عن غيرهم، ويحصل لهم بها الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد ورد ذكر هذه السمات في القرآن والسنة، وهي سمات كثيرة، لكننا نشير إلى أبرزها وأشهرها، يقول الله تعالى في سورة (المؤمنون) {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، و(قد) هنا تفيد التحقيق، ومعنى ذلك أن المؤمنين هم الفائزون المفلحون إذا تمسكوا واتصفوا بهذه الصفات التي ذكر الله في كتابه، ومن هذه السمات ما يلي: أولاً: الخشوع في الصلاة: يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، فالمؤمنون هم في صلاتهم خاشعون لا يشغلهم شيء عن مناجاة ربهم، وأداء عبادتهم بأسمى درجات التذلل والطاعة. ثانياً: كف اللسان عن عما حرم الله وما لا ينبغي قوله يقول الله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، واللغو: ما لا فائدة فيه من الأقوال والأعمال، فيدخل فيه اللهو والهزل، وكل ما يخل بالمروءة وآداب الإسلام. فالمؤمنون ينزهون أنفسهم عن الباطل والساقط من القول أو الفعل، ويعرضون عن ذلك في كل أوقاتهم، وهم كما وصفهم الله سبحانه في آية أخرى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (القصص:55)، ووصف عباد الرحمن بقوله: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) (الفرقان:63). ثالثاً: إيتاء الزكاة يقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} وذلك بدفعها كاملة إلى مستحقيها عن طيب نفس. رابعاً: حفظ الفرج عما حرم الله من الزنا أو اللواط وغير ذلك يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} أي أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم أعفَّاء ممسكون لشهواتهم لا يستعملونها إلا مع زوجاتهم اللاتي أحلَّهن الله تعالى لهم، أو مع ما ملكت أيمانهم من الإماء والسرارى، وذلك لأن من شأن الأمَّة المؤمنة إيماناً حقاً أن تُصان فيها الأعراض، وأن يُحافظ فيها على الأنساب. خامساً: حفظ الأمانة، وترك الخيانة، والوفاء بالعهود، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}، والأمانات تشمل جميع التكاليف التي كلَّفنا الله بأدائها، كما تشمل الأموال المودعة، والأيمان والنذور، والعقود وما أشبه ذلك، والعهود تشمل كل ما يطلب من المؤمن الوفاء به من حقوق الله تعالى، وحقوق الناس. فكان من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين أنهم يقومون بحفظ ما ائتمنوا عليه من أمانات، ويوفون بعهودهم مع الله تعالى ومع الناس، ويؤدون ما كُلِّفوا بأدائه من دون تقصير أو تقاعس، وذلك لأنه لا تستقيم حياة أمة من الأمم إلا إذا أُدِّيت فيها الأمانات، وحُفِظَت فيها العهود. سادساً: المحافظة على الصلاة يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي أن من صفاتهم أنهم يحافظون على الصلوات التي أمرهم الله بأدائها محافظة تامة بأن يؤدوها في أوقاتها كاملة الأركان والسنن، والآداب والخشوع، وقد بدأ الله سبحانه صفات المؤمنين المفلحين بالخشوع في الصلاة، وختمها بالمحافظة عليها للدلالة على عظم مكانتها، وسمو منزلتها. سابعاً: أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ...}، وقال سبحانه في آية أخرى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(الحج:35). ثامناً: إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً كما قال الله عنهم: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً}، وهذه سمة من سمات المؤمنين كما في آية أخرى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}(التوبة:124)، فيزدادون إيماناً وتقوى إذا ذُكر الله أو ذكِّروا به. تاسعاً: توكلهم على ربهم كما قال تعالى: {وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(إبراهيم:11)، وقال تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(المائدة:23). عاشراً: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}. حادي عشر: طاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهم طائعون لله، متبعون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ}(الأنفال:20)، وطاعة الله ورسوله متلازمتان، فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}(النساء:80)، ومن عصى الرسول ولم يتبعه فقد عصى الله، بدليل مفهوم المخالفة من هذه الآية ومن غيرها من الآيات. ثاني عشر: الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس كما قال تعالى عنهم: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ}(سورة التوبة:88)، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(الحجرات:15). ثواب من اتصف بصفات المؤمنين الصادقين بعد أن بيَّن الله سبحانه تلك الصفات الكريمة التي تمثل الكمال الإنساني في أنقى صوره، بيَّن سبحانه ما أعدَّ لهم من حسن الثواب فقال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(المؤمنون:11)، وهذه الآية تعضد معنى الآية الكريمة الأخرى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً}(مريم:63)؛ فإن الجنة لا تُنال ولا تورث بالحسب والنسب، ولا بالجاه والسلطان، ولا بالمال، وإنما بالإيمان والتقوى، والعمل الصالح، وأهل الجنة هم الذين عملوا في هذه الدار ليفوزوا برضا الرحمن، ويحوزوا قصب السبق في دخول الجنات ليقولوا بعد ذلك: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(الزمر:74). ومن كانت هذه سماتهم فإنهم أهل الإيمان الحق، وأهل مغفرة الله، وأهل الدرجات العلى عنده سبحانه وتعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(الأنفال:4)، وقال تعالى: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(التوبة: 88). فيا من تريد وراثة الفردوس عليك بالتحلي بهذه الخصال فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (... إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة) رواه البخاري (2581). فلنتصف بهذه الصفات الإيمانية الرائعة لنفوز ونفلح في الدنيا والآخرة، وكلما اتصف الإنسان بهذه الصفات جميعاً كلما كانت مكانته ومنزلته عند الله أقرب، ومن وفى، وفى الله له، ومن زاد، زاد الله له، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.