جامعات مغلقة وصحّة معلّقة وقائمة الضحايا مفتوحة (مواطنون مترقّبون لاشتباكات وقذائف متبادلة بين الحين والآخر، محال تجارية تغرق في حالة خوف، مطار مغلق، دراسة معلّقة).. تلك عبارات تصف باختصار حال مدينة بنغازي، شرقي ليبيا، بعد أن أعادتها المحاولات الانقلابية التي يقوم اللّواء متقاعد خليفة حفتر ضد كتائب مسلّحة مرتبطة برئاسة الأركان إلى (الاضطرابات الأمنية) التي اقترنت بفترة ما سمّي بثورة 17 فيفري 2011. فور بدء المحاولة الانقلابية التي وصفها حفتر ب (عملية الكرامة) سارعت الحكومة اللّيبية المؤقّتة باعتبارها (خروجا) عن أوامر الجيش الليبي و(انقلابا) على شرعية الدولة وثورة 17 فيفري التي أفضت إلى الإطاحة بزعيم ليبيا الرّاحل معمّر القذافي. وأضحى أهالي المدينة يمارسون حياة لا يمكن القول بحال إنها طبيعية في ظلّ ترقب المواجهات والاشتباكات المتجدّدة دوما بين الطرفين وانتظار أصوات القاذفات التي قد تشقّ حتى صمت نومهم. ومنذ انطلاق العملية العسكرية سقط العشرات بين قتيل وجريح ولا توجد إحصائية نهائية عن أعدادهم حتى اليوم. وجرّاء المواجهات العنيفة قرّرت جامعة بنغازي (حكومية) التي علّق العمل بها أكثر من مرّة منذ بداية العملية أن تؤجّل الدراسة إلى الثاني من أوت القادم،وفق بيان صادر مؤخّرا عن إدارة الجامعة. وحسب الناطق باسم وعميد كلية الإعلام محمد المنفي أرجعت قرار التأجيل الذي يعطل مسيرة التحصيل العلمي، إلى (التوتّر الأمني الذي تعيشه المدينة، لا سيّما وأنها تقع في منطقة قاريونس المقابلة لنقطة تمركّز كتيبة 17 فيفري المناهضة لحفتر؛ أي أنها في قلب نطاق الاشتباكات)، حسب البيان. المصارف هي الأخرى اتّخذت إجراءات احترازية بسبب ذلك الوضع وقلّصت عدد ساعات العمل بها، حيث تبدأ من الساعة 9 صباحا بدلا من الساعة 8، وينتهي تمام الساعة 1 ظهرا عوضا عن الساعة الثانية ظهرا. كما علّق المطار الوحيد في المدينة الملاحة الجوية به، حسب إبراهيم فركاش، مدير مطار بنينا الدولي الذي أضاف أن (قرار افتتاح المطار أصبح في يد مصلحة الطيران المدني الليبية حكومية). فركاش يرى أن (الوضع في المدينة غير ملائم لافتتاح المطار خاصة أن مضادات الطيران تستعمل بكثرة هذه الأيّام، كما أن هناك قذائف عشوائية تلوح في سماء المدينة من حين إلى آخر دون معرفة وجهتها أو مصدرها)، على حد قوله. كما انعكس الوضع الأمني في بنغازي على قطاع الصحّة، إذ قال رشوان العلواني، أحد المسؤولين في القطاع الطبّي بالمدينة، إن (الأطباء وأطقم التمريض الأجانب في حالة هروب مستمرّ من المدينة جرّاء الأحداث فقد خرج الكثير منهم من بنغازي خوفا على حياتهم). وتابع الطبيب أن (ذلك الأمر يؤثّر على قطاع الصحّة ويصيبه بالعجز في الكوادر)، لافتا إلى أن (هروب الأجانب لم يحدث إلا خلال أيام الثورة على نظام العقيد القذافي). واستمرارا لحالة التوتر والترقّب في المدينة التي شهدت بداية الثورة على العقيد القذافي دخلت جميع المعسكرات في المدينة، سواء الموالية للّواء حفتر أو المناهضة له في حالة استنفار أمني كبير. ويترقّب الطرفان المتصارعان إقدام أحدهما على مهاجمة الآخر في أيّ لحظة وسط إطلاق صواريخ بشكل شبه يومي على المعسكرات التابعة لحفتر، فيما تقصف بشكل متكرر طائرات حربية تابعه للّواء المتقاعد مقرّات كتائب مسلّحة، بينها مقرّ تنظيم أنصار الشريعة (إسلامي). لا هدنة قبل الانتخابات أعلن العقيد محمد الحجازي المتحدّث باسم قوات اللّواء اللّيبي المتقاعد خليفة حفتر أنهم (لن يوقفوا إطلاق النّار إلاّ يوم إجراء الانتخابات البرلمانية المقرّرة يوم 25 جوان الجاري)، مؤكّدا استمرار العملية العسكرية (الكرامة) دون توقّف. قال الحجازي في مداخلة هاتفية مع قناة (الدولية) الليبية (خاصّة) نشرتها على موقعها الرّسمي إن (لجنة الأزمة التي أعلنت بأنها توصلت معنا إلي اتّفاق وقف إطلاق نار ليست لجنة مسؤولة، بل هم عدد من الأفراد يقومون بمساعي فقط لا غير)، وأضاف: (قبلنا بوقف إطلاق النّار يوم 25 جوان الجاري كدليل على أننا لا نسعى للسلطة وذلك موجّهه لمن يصفنا بالانقلابيين). وكانت لجنة إدارة الأزمة (مستقلّة) بمدينة بنغازي اللّيبية قد أعلنت في وقت سابق أنها توصّلت مع (كتائب الثوّار) واللّواء المتقاعد خليفة حفتر على اتّفاق لوقف إطلاق النّار بالمدينة والجلوس على مائدة الحوار، فيما قال قائد بقوات حفتر إن الأخير لم يصدر بعد أمرا بوقف العمليات العسكرية. وقال العقيد الحجازي إنه (لا حوار مع المتطرّفين إلّا إذا ما سلّموا أسلحتهم و إلاّ لن يكون لنا حوار معهم إلاّ وهم داخل السجون)، في إشارة إلى كتائب الثوّار (تابعة لرئاسة الأركان) التي تقاتلهم وتنظيم أنصار الشريعة الليبي (تنظيم جهادي متشدّد). وفي سياق متّصل، قال العقيد محمد الحجازي: (لدينا طائرة مقاتلة تدكّ الآن بشكل مباغت مواقع في مدينة بنغازي كان يعتقد الإرهابيين أنها مواقع سرّية وأننا لن نصل إليها)، على حد قوله. وردّا على ذلك أكّد الناطق باسم غرفة عمليات ثوّار ليبيا المناهضة لحفتر (تجمّع كتائب ثوّار) أحمد الجازوي للأناضول أن (طائرات حفتر جالت مساء اليوم فوق مواقع للثوّار وألقت قذائف في أراضي فضاء)، مشيرا إلى أن ذلك القصف لم يصب مواقعهم ولم يخلّف أضرارا. وتشهد الأوضاع الميدانية في ليبيا منذ منتصف الشهر الماضي تصعيدا أمنيا بعد وقوع اشتباكات مسلّحة بين قوات تابعة للواء اللّيبي المتقاعد خليفة حفتر وبين (كتائب الثوّار) التي تتّبع رئاسة أركان الجيش الليبي في محاولة للسيطرة على مدينة بنغازي شرقي البلاد، ما خلّف عشرات القتلى. وبينما يقول حفتر إنه يسعى إلى (تطهير بنغازي من المليشيات المتّهمة بالوقوف وراء عدم استقرار الأمن في المدينة) تعتبر الحكومة الليبية أن تحرّكه يمثّل (انقلابا على شرعية الدولة) ومحاولة لإفشال ثورة فيفري التي أطاحت بنظام القذافي.