فيضانات تغمرهم شتاء وثعابين تتربص بهم صيفا جدران متآكلة وحفر تملأ الغرف بلدية الشراقة تخرج 12 عائلة من بيوتها وتسكنها بتلك الجحور لأكثر من 7 سنوات سطرت ولاية الجزائر برنامجا ضخما من أجل القضاء على السكنات الهشة وكذا الفوضوية والشاليهات، من أجل إعادة المنظر الحقيقي والرونق الذي تستحقه العاصمة عساها تكتسي المنظر الحضاري التي تتمتع به أكبر المدن العالمية، من جهة أخرى سيساهم هذا البرنامج في القضاء على معاناة الآلاف من العائلات التي تعاني الأمرين من الوضعية المزرية التي تعيشها في هذه السكنات، ولعل قاطني شاليهات فايزي2 أكبر مثال حي وصورة من صور المأساة التي تعيشها العديد من العائلات. عتيقة مغوفل تلقت (أخبار اليوم) نداء استغاثة من طرف إحدى العائلات القاطنة بشاليهات فايزي 2 باعتبارنا منبرا إعلاميا يسعى جاهدا لنقل انشغال المواطن البسيط إلى المسؤولين، وما كان علينا سوى تلبية النداء. الأسباب متعددة والمأساة واحدة كانت الساعة تشير إلى حدود الواحدة وعشرين دقيقة حين خرجنا من مقر جريدتنا متجهين إلى برج البحري وبالتحديد إلى شاليهات فايزي 2، وصلنا إلى هناك والساعة حينها تشير إلى حدود الثانية زوالا، هناك استقبلتنا السيدة(ز.ع) والتي تقطن بالحي منذ 11سنة فقد رحلت إلى هناك منذ سنة 2003، بعد أن كانت تسكن هناك بمزرعة بن بولعيد طريق بلدية باش جراح، هذه السيدة كانت تقطن رفقة عائلتها المتكونة من 5 أفراد بأحد السكنات الفوضوية بعد أن هربت من منزلها الأصلي الواقع ببلدية بوقرة بولاية البليدة، وهذا بعد أن تعرض زوج السيدة (ز.ع) إلى الاغتيال من طرف الإرهاب الغاشم، سنة 1996، وذلك حين تنقل المرحوم إلى بيته الذي كان بصدد بنائه لأولاده حتى يكون مأوى لهم، لكن لم تكتمل فرحة المرحوم بالبيت، فحين توجه إلى هناك ووضع المفتاح في الباب الرئيسي للبيت من أجل فتحه انفجرت قنبلة تقليدية الصنع عليه فأردته قتيلا، ما دفع بأرملة المرحوم إلى الهروب من هناك حتى تنقد فلذات كبدها من همجية الإرهاب الغاشم، وما كان عليها سوى العيش في بيت قصديري بمزرعة بن بولعيد طريق باش جراح، لتقدم بعدها السلطات المحلية لهذه العائلة رفقة 29 أخرى وعودا كثيرة لترحيلهم إلى شقق لائقة، وبقيت ذات المصالح تتردد عليهم كل مرة مطالبتهم بإعادة تكوين الملف، إلى أن جاء مشروع المترو سنة 2003، ليقوم بعدها الديوان الوطني للتسيير العقاري بترحيل كل العائلات التي كانت تقطن بالمزرعة إلى حي فايزي2 المتكون من أكثر من 420 شاليه متكونة كلها من غرفتين ومطبخ، دون سابق إنذار وبهذا تكون السلطات المحلية قد أخلفت وعدها في الترحيل إلى شقق لائقة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل رحلت هذه العائلة إلى شاليه قديم استغلته عائلة أخرى لمدة تزيد عن 4 سنوات ما جعله يصبح في وضع يرثى له، ما دفع بالسيدة (ز.ع) إلى إعادة ترميمه من جديد حتى تجعله يصلح للسكن. خطر الموت يتربص بالأسر في كل لحظة مرت السنوات والأولاد يكبرون حتى بلغ ابنها الأكبر سن الزفاف فما كان على السيدة (ز.ع) سوى تزويجه وإسكانه معها في الشاليه، لأن هذا الأخير عامل بسيط ولا يملك المال الكافي لكراء منزل يعيش فيه، وتمر السنوات ورزق ابنها بصبي يبلغ من العمر الآن سنتين، هذا يعني أن الشاليه أصبح يتكون من عائلتين، ليقوم بعدها الابن الثاني للسيدة (ز.ع) بخطبة فتاة وقرر الزواج منها، وبهذا أصبح الشاليه يضم ثلاث أسر ما دفع بهم إلى بناء غرفة فوضوية عساها تفك الخناق عليهم، ولكن وما زاد الطينة بلة أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقط بل أن الشاليه أصبح هشا فقد بدأت تتآكل كل حوافه وأجزائه الرئيسية بداية من مدخله الرئيسي، فالداخل إليه يشعر أنه يقف فوق حفرة يستطيع السقوط فيها في أية لحظة، وبالتقدم نحو الأمام وبالتحديد إلى غرفة السيدة (ز.ع) وفي أحد أجزائها يجد المرء نفسه واقفا فوق حفرة كبيرة إذا وقف عليها شخص بدين سيهوي حتما فوق قنوات الصرف الصحي المتواجد تحت الشاليه، حتى المرحاض لم يسلم من التصدعات ففيه ثقب يطل مباشرة نحو الخارج ما يسمح بتسلل العديد من الفئران داخل المنزل دون الحديث عن الصراصير والبعوض التي تقاسم سكان الشاليهات مساكنهم، بالإضافة إلى هذا رغم أن الله عزوجل أحدث أربعة فصول في السنة من أجل مصلحة البشر، إلا أنها تعتبر نقمة على سكان شاليهات فايزي2، ففصل الشتاء مرادف لمعنى الوديان والفيضانات، فكلما تسقط الأمطار على الحي إلا وأحدثت فيضانات عارمة تدفع بالعائلات للمبيت في العراء من شدة تدفق المياه، وقد حدثتنا السيدة (ز.ع) عن حريق مهول تعرض له شاليه بعد أن تسربت إليه مياه الأمطار ووصلت إلى عداد الكهرباء ما أحدث شرارة كبيرة انتهت بحريق مهول، أما فصل الصيف فهو فصل الحر الشديد بالنسبة لهذه العائلات وكذا انتشار الحشرات وحتى الثعابين التي تقصد المكان بحثا عن الماء، ما يجعل الأطفال على وجه الخصوص يتعرضون لخطر الموت المؤكد لأنهم لا يعلمون مدى خطورة هذا الحيوان على الإنسان. الوعود الكاذبة أوصلتهم إلى المأساة بعد أن تعرفنا على الوضعية المزرية التي تعيش فيها السيدة (ز.ع) في الشاليه الذي تقطن فيه لأزيد من 14 سنة، أردنا التقرب من عائلات أخرى تقطن هي أيضا في شاليهات حي فايزي 2، لندخل بعدها إلى شاليه السيدة (زينب) التي تم ترحيلها من حوش قرمود الواقع ببلدية الشراقة رفقة 12 عائلة أخرى بحجة أن سكناتهم واقعة في طريق المشروع الجديد الخاص بفتح طريق جديدة، رغم أن هذه العائلات كانت تقطن في مساكن خاصة بها إلا أن رئيس بلدية الشراقة السابق وعدهم بالحصول على شقق أحسن من مساكنهم، وطلب منهم الصبر والبقاء في شاليهات فايزي2 لمدة لا تزيد عن سنة كأقصى تقدير، لكن هذا الأخير أخلف وعده بالترحيل إلى سكنات لائقة، ليتم بعدها عزله من البلدية بعد أن خسر الانتخابات المحلية التي فاز بها السيد شرماط، رئيس البلدية الحالي الذي قام بالاستعانة بهذه العائلات التي نقلها إلى غاية الشراقة من أجل التصويت له والفوز برئاسة المجلس البلدي، وبعد أن حصل على مبتغاه أصبح يغلق باب مكتبه في وجه هؤلاء المواطنين، الذين يتنقلون عنده كل أسبوع لمعرفة آخر التطورات في قضيتهم، ولكن الغريب في الأمر أن بلدية الشراقة مازالت ليومنا هذا تسلم بطاقات الإقامة لهؤلاء السكان عوض بلدية برج البحري التي تعتبرهم غرباء عنها. لم تتوقف معاناة السيدة (زينب) بفقدانها لسكنها الأصلي بسبب المشروع الجديد وتعويضه بشاليه، بل أن أصبحت هذه الأخيرة لا تصلح لأن يسكن فيها بشر ولا حيوان حتى، وذلك نظرا لوضعيتها الكارثية، فحينما دخلنا إلى الشاليه الخاص بالسيدة زينب انتابنا خوف كبير وذلك لهشاشته، فلولا إلحاحها علينا بالدخول ما كنا فعلنا ذلك، لأننا لم نجد مكانا يصلح حتى نقف عليه، أرضية مائلة محفرة ومثقوبة لدرجة أنه إذا ما وقف عليها شخص بدين يهوي إلى أسفل الشاليه، وهو ماحدث مع السيدة زينب التي سقطت في إحدى المرات ما تسبب لها في كسر من ساقيها الاثنين، أما عن وضعية المرحاض فحدث ولا حرج وكأنه غير موجود تماما من شدة الكسور والتصدعات الموجودة به، لا يتوقف الأمر عند هذا فحسب، فالسيدة (زينب) وعائلتها ليسوا السكان الوحيدين لشاليه بلل يشاركهم فيه الجرذان، الذباب والصراصير، هذه الوضعية وضيق الشاليه دفع بابن السيدة (زينب) إلى المبيت خارج البيت يوميا وذلك حتى لا يتقاسم الغرفة مع شقيقاته الفتيات لحيائه منهن، وهو الأمر الذي تحسرت عليه (زينب) كثيرا لأنها لا تعرف أين يبيت ابنها يوميا ولا ماذا يفعل ولا حتى من يرافق وبهذا تكون بلدية الشراقة قد ساهمت وإلى حد كبير في تشرد الشاب وانحلال أخلاقه، وما الأسر سابقة الذكر سوى عينات بسيطة من الكثير من العائلات التي تعاني نفس المآسي بتلك الشاليهات، فمتى سيحن قلب السلطات المحلية وأصحاب النفوذ من أجل فك الغبن عن 420 أسرة تعيش بهذه الطريقة.