قال تعالى في محكم كتابه: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} فكيف ينصر المؤمنون الله، حتَّى يقوموا بالشرط وينالوا ما شرط لهم من النصر والتثبيت ؟ يقول صاحب الظلال: (.. وأن تُحكّم النفوسُ اللهَ في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها، وسرّها وعلانيتها، ونشاطها كله وخلجاتها .. فهذا نصر الله في ذوات النفوس)، وجاء في تفسير السعدي: (إن تنصروا دين الله بالجهاد في سبيله، والحكم بكتابه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ينصركم الله على أعدائكم، ويثبت أقدامكم عند القتال)، أي: إنَّ كلَّ فرد مسلم تقع على عاتقه مسؤولية في تحقيق النَّصر تتمثل في امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، فإذا أردت نصر الله، فانتصر لدينه على نفسك، وعلى شهواتك، وعلى نزواتك، فالمعصية ليست بالأمر الهيّن، حتى ولو كانت تخص الفرد بنفسه، لأن أثرها يتجاوز الفرد إلى الجماعة. ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبرة، فعندما هزم المسلمون في غزوة أحد، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قلّة من الصَّحابة، وكاد يقتل عليه الصَّلاة والسَّلام، واستشهد سبعين من خيرة أصحاب رسول الله، خاطب الله عزَّ وجل بعضا من الصَّحابة فقال: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا}، فقوله تعالى {استزلهم الشيطان}: أي أوقعهم في الزلل، والزلل هنا الهزيمة وعدم الثبات في المعركة، أي تعطيل النصر وعدم تحقيقه، ثم قال: {ببعض ما كسبوا} أي لقد كان للشيطان عليهم سبيل بأن حقق فيهم الهزيمة بسبب أعمالهم وذنوبهم. وهكذا هي سنة الله الجارية في المسلمين، وهي سنة لا تتخلف ولا تتعطل. وفي سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه نجد تأكيده على أهمية هذا الأمر وخطورته، فيوصي جيشه في العراق بقيادة سعد بن أبي وقاص قائلاً: (أمَّا بعد، فإنّي آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كلِّ حال، فإنَّ تقوى الله عزَّ وجل أفضل العدَّة على العدو، وأقوى العدّة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدَّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإنَّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم، وإنَّما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عُدَّتنا كعدتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإن لا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا).