لو استطاع المؤمن أن يقيّد نفسه بأدب الدّين، لقهر شيطانه، وقهر الشّيطان نصرة لله، والله تعالى يقول: {إنْ تنصروا الله ينصركم ويُثبّت أقدامكم} محمّد .7 وكيف ينصر المؤمنون الله حتّى يقوموا بالشّرط، وينالوا ما شرط لهم من النّصر والتّثبيت؟ إنّ لله في نفوسهم أن تتجرّد له وألاّ تشرك به شيئًا، شركًا ظاهرًا أو خفيًا، وألا تستبقي فيها معه أحدًا ولا شيئًا، وأن يكون الله أحبّ إليها من ذاتها ومِن كلّ ما تحبّ وتهوى، وأن تحكمه في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها وسرّها وعلانيتها ونشاطها كلّه وخلجاتها، فهذا نصر الله في ذوات النّفوس. وأمّا شرطه لهم، فهو النّصر وتثبيت الأقدام، وعد الله لا يخلفه. فإذا تخلّف فترة، فهو أجل مقدر لحكمة أخرى، تتحقّق مع تحقق النّصر والتّثبيت، ذلك حين يصح أن المؤمنين وفوا بالشرط ثمّ تخلّف عنهم فترة نصر الله، كما وقع للصّحابة الكرام في غزوة أحد المباركة. فالنّصر ليس نهاية المعركة بين الكفر والإيمان، وبين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال. فللنّصر تكاليفه في ذات النّفس وفي واقع الحياة. للنّصر تكاليفه في عدم الزّهو به والبطر، وفي عدم التّراخي بعده والتّهاون. وكثير من النّفوس يثبّت على المحنة والبلاء، ولكن القليل الّذي يثبّت على النّصر والنّعماء. وصلاح القلوب وثباتها على الحقّ بعد النّصر، منزلة أخرى وراء النّصر. وما أحوجنا في أيّامنا هذه وفي مواجهة الأعداء المتربّصين في داخل وطننا وخارجه، إلى أن ينصرنا الله ويثبّت أقدامنا المتزلزلة، كما ثبّت أقدام الصّحابة الأبرار في رمضان أمام مشركي بدر، وفي فتح مكةالمكرمة.