بقلم: دحمور منصور بن الونشريس الحسني بكل صراحة، مجرد التخاذل أمام فكرة الجهاد في فلسطين هو سير في خط الصهيونية، ولا يمكن اليوم أن نكذب على أنفسنا وأبنائنا ولا نستطيع تزييف تاريخنا لنجعله صفحة مشرفة من تاريخ البشرية بقولنا إننا مع أهالينا في أرض المقدس بقلوبنا وأرواحنا ومشاعرنا، تلك الكلمات الرنانة التي تشبه كلمات هيئة الأمم ومجلس الأمن الدولي بأنها تشجب العدوان الإسرائيلي على أبرياء غزة، هذه الكلمات لا تكفي، عجم مصطلحات الخيانة العربية للقضية الفلسطينية، وصارت تتداول بشكل شبيه بالأسبرين ولكنه أسبرين من ضمن مهدئات كيمياء العقل من أجل التخفيف من صداع الشعور بالذنب. لا يمكننا اليوم أن ننتقد ونصرخ ونقول إننا نسير في خط الصهيونية العالمية بشكل لاواعي، لأن هذا يعد كذبا على الذات الواقعية، نحن نسير في خط الصهيونية عن وعي تام بما يجري، وعن وعي تام بما سيكون في قابل الأيام، لأننا نعلم يقينا أن الكون بني على معنيين هو المعنى والمعنى المضاد، أي أننا على يقين من أننا نخضع لاختياراتنا بين الوقوف مع المقدس أو الوقوف مع ضده، كما نعلم يقينا أننا يجب أن نكون مع الحق لا إلى جانب الباطل، كلنا يعلم أن السكوت عن الحق إعطاء شرعية للباطل. ولكن من يتحمل ما نحن فيه؟ ومن السب فيه؟ لا يجدر بنا أن نكون ذاتيين في الإجابة عن هذا السؤال، لأن الحق حق أن يقال، ورغم معرفتنا بالحق، إلا أننا لا نريد أن نعطي الحق لأنفسنا في مجابهة الباطل وقوفا مع الحق وصدوحا به، هذا هو الواقع المرير الذي نعيشه، فكلنا مسؤول عما جرى ويجري وسيجري على أرض فلسطين وعلى الأرض العربية، ومن المخزي ونحن نعقل، أن نتعامل مع واقعنا على أساس تلك الفكرة الهدّامة (تخطي راسي)، وننسى أنه يجدر بنا التعامل مع الواقع بفكرة (أنا وخويا على بن عمي وأنا وبن عمي على البراني)، ولكن هيهات أن نعود بذاكرتنا إلى الوراء حيث كان الدم العربي يسيل في فلسطين، عوضا عن الكلمات والحروف التي تلتقطها وسائل الإعلام حول مارأيك فيما يجري على أرض الإسراء، لتبقى ونحن نتباكى على صور تحملها شاشات التلفزيون. رغم كل ذلك الصدى الذي أحدثته المبادرة الجزائرية تجاه القضية الفلسطينية وتلك الزوبعة التي أحدثتها الأفكار التركية والقطرية والمصرية والتي لم تكن الا زوبعة في فنجان قادة هيئة الأمم الحقيين عادت تلك الأصوات المبهمة المبحوحة إلى واقع العمل وحقيقة العرب لنقول بكل صراحة أن العرب قد فقدوا ميراث أجدادهم، فبعد أن رأينا النزعة الدينية تتلاشى خلال السنوات الماضية، هاهي النخوة العربية التي تتزين بالمروؤة قد بدأت في الذهاب أو ربما ذهبت ونحن نتكلم عن فلسطين المغتصبة التي لم تجد رجلا معتصما بحبل الله يرسل الخيل البلق زحفا على بيت المقدس لتحريره أو على الأقل لتخويف الصهاينة من الغضب العربي الذي لم نعد نجده إلا في الأفلام الدينية العربية. لم أستغرب اليوم تلك الكلمات التي سمعتها من أحدهم في الأيام الفائتة وهو يقول: (اليوم يحق لنا كعرب أن نمشي مطأطئين رؤوسنا أمام الأمم والشعوب)، في مثل هذا اليوم يجدر بنا أن نترحم على الدكتاتوريات أصحاب النخوة والرجولة، اليوم يجدر بنا أن نترحم على بومدين وعبد الناصر وصدام حسين وفيصل وحافظ الأسد والقذافي الذي بهدل السياسات العربية بكلمات كنا نضحك منها أيام حياته، اليوم فقط يجدر بنا أن نبرأ إلى الله تعالى من المتناحرين على الكرسي، والمتقاتلين باسم الدين، والمتصارعين باسم العدالة، والمتفاعلين إن صح التعبير على شهوة السلطة والمال. اليوم فقط يجدر بنا أن لا نبخس الناس حقوقهم، اليوم ننحني أمام داحس والغبراء والبسوس ونرثي الزير سالم وكليبا، لأن النخوة العربية والعصبية القبلية التي كانت بين أضلاع الزير سالم لم تعد كذلك في زيرنا ولا رجولة كليب ربيعة مازالت في كليبنا. اليوم فقط صارت جاهلية المنافق عبد الله بن أبيّ بن سلول خيرا من الحضارة التي يتشدق بها مثقفونا ورجالات أقلامنا في هذا الزمن