الشيخ شريف قاهر: "يجب على حفارين القبور أن ينتبهوا للقبلة" بعد أن يتوفى المرء ويلتحق بجوار ربه، وقبل أن يغادر هذه الحياة بلا رجعة تكون له حقوق أخيرة على الأحياء وهي حق الغسل ثم التكريم بالدفن وذلك مصداقا لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إكرام الميت دفنه)، ومن الشروط الأساسية في هذه العملية وضع الميت داخل القبر مستقبلا القبلة، ولكن هذا الشرط أصبح لا يتوفر في العديد من المقابر الجزائر، فقد أصبحت عمليات الدفن تتم بطريقة عشوائية. تحقيق: عتيقة مغوفل يشكك السيد لياني عابدين في الاتجاه الصحيح للقبور التي من المفروض أن تكون متجهة للقبلة حسبما تنص عليه الشريعة الإسلامية، كما سبق لنا وأن تناولنا موضوع الاتجاه الصحيح لقبلة العديد من المساجد، فهو يجمع على أنها لا تراعي الشروط المنصوص عليها في السنة النبوية، منها استقبال القبلة باعتبارها أول منازل الآخرة مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم) إن القبر هو أول منازل الآخرة، فإن ينجو منه فما بعده أيسر، وإن لم ينج منه فما بعده أشد). ...وتبدأ رحلة المعاينة بمقابر العاصمة كل ما تقدم به السيد ملياني من شكوك جعل (أخبار اليوم) تتحقق من الموضوع وذلك من خلال سؤال أهل العلم والاختصاص حول الموضوع، كما أنه كانت لها زيارات سابقة قامت بها إلى بعض مقابر العاصمة على غرار مقبرة عين البنيان، بينام، ميرامار، القطار وكذا العالية بالحراش والتي بها مربع شهداء الثورة التحريرية وبعض شهداء الواجب الوطني، وقد قمنا بمعاينة مجموعة من القبور، ولكننا لاحظنا وإن لم نقل كلها ولكن أغلبها حتى لا يكون هناك غلو أو مبالغة في الأمر لا تستقبل القبلة، فكل واحد منها له اتجاه معين، فمن قام بعملية الدفن فيها لم يراع اتجاه القبلة بقدر ما راعى وسع المكان لدفن الميت وستره، لأنه وللأسف تعاني الكثير من مقابر العاصمة من مشكل الاكتظاظ لذلك لا بد على كل من يموت له شخص من أهله أن يبحث على (المعريفة) من أجل الحصول على قبر جديد، أو أن يقوم بفتح قبر قديم للعائلة يكون قد مرت 5 سنوات على القيام بآخر عملية دفن فيه. قبور تراعي قبلتها مدن عربية وأجنبية كانت مقبرة عين البنيان أول محطات زيارتنا وبمجرد الدخول إليها تلمح وللوهلة الأولى قبرا يتجه شرقا وآخر غربا، أما الثالث فحدث ولا حرج على ما يبدو أن قبلته كانت إلى صنعاء العاصمة اليمنية، وما زاد من استغرابنا أنه يوجد متسع من المكان لدفن وهو يعني أنه لا يوجد أي عذر لدفن الموتى لغير القبلة، ما دفعنا إلى التوغل داخل المقبرة والتي وجدنا فيها اختلافات كبيرة في طريقة الدفن فلكل قبر قبلة خاصة به وكأنها غير موحدة لجميع الناس. أما بمقبرة بينام فهناك مجموعة كبيرة من الموتى مدفونين في قاع واد قديم قبورهم مائلة كثيرة حتى خيّل لنا أن الموتى سيسقطون منها، فالواقف في أعلى المقبرة يلحظ ذاك التبعثر في القبور واحد متجه يمينا وآخر شمالا، المهم بالنسبة لكثير من الناس دفن الميت والسلام. واصلنا زيارتنا لبقية المقابر المتواجدة بالجزائر العاصمة، وبما أن مقبرة ميرامار التابعة لبلدية الرايس حميدو كانت في طريقنا توقفنا ودخلنا إليها حتى نتمكن من الوقوف على وضعية القبور بها، وأول ما لمحناه هناك وجود ضريح به 15 قبرا لأحد أكبر وأقدم العائلات بالحي، ولكن كل تلك القبور غير مستقبلة للقبلة، فكان هم أهالي الموتى الذين كانوا مدفونين بها الحفاظ فقط على الضريح والدفن فيه دون مراعاة الشروط الصحيحة في عملية الدفن. من مقبرة ميرامار واصلنا المسير إلى مقبرة القطار واحدة من أقدم وأكبر مقابر العاصمة، والتي تعز على كثير من الناس ويرغبون الدفن بها، نظرا لشساعتها ووقوعها بقلب العاصمة، دخلناها وتوجهنا بالتحديد إلى مساحة هناك تعرف (بالبريجة) القبور فيها في وضعية كارثية لاقبلة لها ولا شواهد بها أسماء الموتى، والأعشاب متراكمة فوقها وكأننا في غابة وليست مقبرة، فزوار تلك القبور يتذكرون مكانها فقط من خلال شجرة صفصاف كبيرة تتوسط المكان. كل تلك القبور المدفونة بطريقة عشوائية بتلك المقابر التي زرناها جعلت الفضول يدفعنا لزيارة مقبرة العالية وتوجهنا بالتحديد إلى مكان وراء مشرحة المقبرة، به ما يقارب 4 آلاف قبر كلها لموتى المأساة الوطنية أو العشرية السوداء كما يحلو للبعض تسميتها، ويعرف أصحاب هذه القبور ب(جزائري مجهول الجنسية)، لذلك قامت السلطات بدفن كل هؤلاء بطريقة عشوائية من أجل سترهم فقط وحسبما ينص عليه ديننا الحنيف دون مراعاة لا طريقة ولا كيفية دفنهم، ولا نعلم حتى إن كانوا قد غسلوا من قبل أم أنهم تم الإلقاء بهم هناك فقط حتى لا تتعفن جثثهم على الأرض و تنهشها الكلاب. جميع قبور الوطن منحرفة عن القبلة رغم أن الجولة التي قمنا بها شملت بعض مقابر العاصمة، إلا أنه ومن خلال الحوار الذي جمعنا بالسيد ملياني عابدين، الذي أكد لنا بدوره أن الأمر عام ويشمل العديد من مقابر الوطن، ففي إطار الجولة التي قام بها عبر ربوع الجمهورية والتي شملت 42 ولاية، من أجل التحقق من قبلة المساجد إن كانت تراعي القبلة الصحيحة أم لا قام بزيارة إلى بعض المقابر حتى يعرف إن كانت القبور تراعي اتجاه القبلة، إلا أن هذا الأخير لاحظ أن القبور أيضا غير مقبلة، خصوصا في كل من مقابر ولاية أدرار، بجاية، سطيف وغيرها، فكل من يدفن ميتا يراعي مساحة القبر وليس اتجاهه للقبلة الصحيحة التي يصلي اتجاهها كل العالم الإسلامي وهي مكةالمكرمة. ..آراء مختلفة حول اتجاه قبلة القبر كل ما رواه لنا السيد ملياني عابدين، بالإضافة إلى زيارتنا التي قمنا لها لبعض مقابر العاصمة والتي لاحظنا من خلالها أن معظم القبور غير متجهة للاتجاه الصحيح وهو للقبلة، لذلك ربطت (أخبار اليوم) اتصالات هاتفية بأهل الاختصاص من أجل التحقيق في الموضوع، وأول من اتصلنا به كان الدكتور الشيخ محمد الشريف طه رئيس لجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى، والذي أكد لنا أنه يجب وضع الميت داخل القبر على شقه الأيمن، وأن يستقبل القبلة ولكن إذا دفن لغير ذلك فهو خطأ ومحرم شرعا، إلا عند الضرورة لأنه من شروط الدفن الصحيح استقبال القبلة، فإذا وقع يترك إن لم يقع وجب التغيير، أنه قبل دفن الميت يجب على عمال المقبرة وبالتحديد حفارين القبور مراعاة القبلة لأنهم مسئولون على فعل ذلك، ولكن إن تمت عملية الدفن يترك القبر كما هو لأنه لا يجوز نبش القبر على الميت وإخراجه ففيه انتهاك له، كما أضاف الشيخ قاهر إذا كان أهل الميت يعلمون أن القبر غير متجه للقبلة ودفن به فهم في ذلك آثمون والله لا يغفر لمن تعمد الخطيئة، كما يجوز أيضا تصحيح قبلة القبر إن كانت مائلة شريطة أن لا يتم نبشه. كما صرح السيد (جلول قزول) رئيس مكتب النشاط المسجدي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، في مرة سابقة لصحيفة (أخبار اليوم) أن التوجه إلى القبلة في الدفن ليس فرضا أو واجبا على الدافن، بل إنه أمر مستحب لأنه ما بين المشرق والمغرب كله قبلة وليس شرطا أن يكون الميت متجها إلى عين القبلة، فنحن نأخذ بالعسر وليس باليسر لأن القبر هو عبرة للأحياء حتى يتذكروا أنهم خلقوا من تراب وأنهم إليه راجعون، وبالتالي فإن كل القبور متجهة إلى القبلة دون استثناء والله يرحم موتانا. فكل هذه الاختلافات في تحديد معالم القبلة بالنسبة للقبور أو حتى المساجد راجع للفتاوى المستوردة من البلدان الإسلامية الشقيقة والتي لا تنتهج المذهب المالكي المتبع في الجزائر.