بقلم: غبولي زين العابدين انتشرت في الأيام القليلة الماضية تصريحات صادرة عن احدى الجماعات السلفية الغير معتمدة في الجزائر بخصوص التدخل الأجنبي في العراق الذي يعاني حاليا من تنظيم إرهابي يسمي نفسه الدولة الإسلامية في العراق و الشام . لقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات هذه الجماعة و رأيها في التدخل الذي تعتبره حملة صليبية. طبعا، هذه الجماعة اتبعت منهج و طريقة العديد من الجماعات الأخرى و لسنا هنا لنلومهم فكل شخص يمتلك حرية التعبير المكفولة دستوريا، لكن الخلاف لا يفسد الود هنا، و لا يوجد شيء غير النقاش يمكنه حل المشاكل. إن هذه الحملة التي يسميها البعض صليبية يراها الإنسان العقلاني كنتيجة مباشرة لأفعال داعش الارهابية، لسنا ضد الإسلام و لكننا ضد من يغرر الناس باسمه كما فعل الكثيرون في التسعينيات هنا في الجزائر و يفعلون الآن في تونس. هناك مشكلة حقيقية مع داعش و هذه المشكلة لا تنبع من الإسلام طبعا و إنما تنبع ممن يحتكر الحقيقة فهذا التنظيم يعتبر أنه المحق الوحيد و غيره على خطأ. هل كان يعتقد هؤلاء أنهم بإمكانهم اخراج المسيحيين و قطع رؤوس الأبرياء (و هذا لا شك فيه و من يدافع على شرعية داعش كأنما يدافع عن شرعية مستعمر) دون أن يتم حسابهم؟ هل حَسِبَ هؤلاء أن بسط سلطتهم باسم السلاح سينفعهم في عالم يسير تحت رحمة القانون؟ هل نلوم أمريكا لبحثها عن مصالحها؟ لا يمكن ذلك لأننا في عالم حسابات سياسية شئنا ذلك أم أبينا.. أمريكا ليست بدولة يمكنك أن تهدد مصالحها دون أن تلقى عقابك و إن تحدثنا منطقيا فمن أنت حتى تعلن دولة و تخالف القوانين؟ قد يقول البعض هؤلاء مجاهدون أرادوا نشر الإسلام، و هل ينشر الإسلام بين المسلمين؟ هناك في القرآن مئات الآيات التي تتحدث عن الحرية الدينية لكن الدواعش لم يروا هذا بل ركزوا فقط على ما مجموعه مئتي آية تتحدث عن تطبيق الحدود لكن (شرعا و دينا) هل تطبق الحدود في وقت الحروب؟ من المسؤول لسنا مع الحملة العسكرية طبعا، لأننا نرى أن الشأن شأن داخلي، لكن لنكن صريحين: من قام بجلب الحملة؟ من هو المسؤول؟ أ ليس الخليفة المزعوم البغدادي هو من أعطى الفرصة لدول لا تبحث إلا عن مصالحها؟ لا دخل للإسلام هنا فالإسلام ليس دين عنف و كلنا ننتمي للإنسانية، أما انتماءاتنا الدينية فهي على العين و الرأس لكن أن نأتي بهذه الانتماءات العقائدية و نحاول من خلالها فرض سلطتنا دون اعتبار للانتماء الإنساني فهذا هو الجنون بعينه. إن داعش نتيجة الفكر المتطرف الذي لطالما حذر منه المفكرون لكن البعض قام (و بشجاعة زائفة أيضا) بتكفير هؤلاء المفكرين، إن الفكر الداعشي هو خلاصة أعوام و أعوام من تكريه المسلمين في المسيحيين و اليهود، من حشو فكرة وحدهم المسلمون يستحقون العيش . هل يعني كلامنا أننا كفار؟ لا و العياذ بالله فنحن ننتمي للإسلام عقلا و قلبا، لكننا نرفض أن يتكلم أحد المجانين الإرهابيين باسمنا و يقيم خلافة و يقتل الأبرياء باسم ديننا الحنيف. إن مثل هذه التصريحات إنما تساعد فقط على تعزيز مكانة داعش في المجتمع الجزائري، لقد مررنا بحرب طويلة مع نفس الإرهاب و للأسف هناك من بحسن نية (لا نشكك في نوايا الناس طبعا) يريد العودة إلى عالم منسوخ عبر رفض لحملة تسببت فيها أفعال داعش . و لكي لا نخاف في الحق لومة لائم: هل يمكن فعلا اعتبار هذه الحملة حملة صليبية؟ بالطبع لا، فالحرب الصليبية لم تعد اليوم حربا عسكرية و إنما حربا امبريالية اقتصادية، ما معناه: إن عملت و اجتهدت حكمت العالم و سيطرت على اقتصاده، و إن بقيت قابعا في نقاش عقيم ستظل دائما محكوما من قبل البقية. الغرب بالفعل يبحثون عن مصالحهم لكن من هدد هذه المصالح؟ أ ليس تنظيم الدولة الإسلامية هو نفسه من قام بذلك؟ أ لم يقم (بأفعاله) بتهديد مصالح الأمة الإسلامية قبل أن يهدد العالم؟ لا مجال للعواطف في نقاش سياسي و أمني، داعش أخطأت و زوالها خير من بقائها إن كان هناك أصلا خير في بقائها. إن الفتنة التي أثارتها داعش لم تساعد إلا إسرائيل التي من مصلحتها حدوث انقسامات بين المسلمين، نحن لم نفهم بعد أن في وحدتنا خيرا و في تفرقنا شراً، لم ندرك إلى الآن أن التفرقة باسم الدين و العقيدة و المذهب و الأصل و العرق و اللغة لا تخدم إلا الآخرين أما نحن فتُفَرِّقُنَا وَ تُقَطٍّعُناَ إلى أشلاء فنصبح نرى في كل زاوية مؤامرة بينما كل الأمر خطة مدروسة لم نكن نحن أذكياء لفهمها. إن الاستخبارات الأمريكية نشرت منذ زمن تقريرا أسمته ب حدود الدم ، و كونها تعلم بأن العرب أمة لا تقرأ فهي وضحت فيه كل شيء، إن داعش صنيعة فكر متطرف و أمريكا وجدت في هذا الفكر ضالتها. التقرير الذي نزل بالإنجليزية (نحن لا نقرأ بالعربية فما بالك بالإنجليزية) أكد أن المخطط يهدف إلى تقسيم العراق عبر خلق فتنة دينية.. فلنسأل أنفسنا: ما الذي تقوم به داعش؟ دفاع عن الإسلام؟ لا و الله هي تدافع عن مصالح الغير و فقط! إن ما يحزنني هو ابتعاد النخب المثقفة عن النقاش السياسي، عندما نخلط الأمور الدينية بالسياسية (الخلط الذي يكون من غير إدراك فمن هو متمكن في المجالين لا مشكلة لنا معه إنما مشكلتنا مع من يتحدث دون وعي) دون إدراك فنحن سنتسبب في كارثة. لنفهم الدين جيدا كدين رحمة و تسامح ثم لنفهم السياسة كلعبة قذرة ثم لنحاول المزج مع شرط أن نلبس كلامنا صبغة دينية. الحملة تسبب بها داعش و رغم أن لها مصالح إلا أنها ذات حجج واقعية، نحن في عالم يتحكم فيه مجلس الأمن و بما أن هذا الأخير رأى في داعش تهديدا للأمن الدولي فهو لن يتأخر و لن يتردد في معاقبة هذا التنظيم. لنعمل على حذف الخطاب الديني المتطرف و لنركز على نشر الدين الرحيم الذي يقبل كل الاختلافات، لأننا إن فعلنا ذلك سنضمن اختفاء هذه التنظيمات الإرهابية الجاهلة من الساحة مستقبلاً. لتصلح شيء يجب عليك إيجاد مكمن الخلل، فإن وجدت هذا المصدر الإصلاح سيكون سهلا، أما إن بقينا ندور في حلقة مفرغة مركزها سب الغرب و الطعن فيه و نقده فنحن لن نخرج من دوامة التخلف. لنقطع التطرف من الجذور قبل أن يتكاثر و هذا لن يكون إلا عبر القيادات الدينية و النخب المثقفة التي تستطيع نشر الفكر المتسامح المعتدل و نبذ تيار العنف.