بقلم: عبد القادر حمداوي عشنا زمنا صعبا كان يعرف ببركان عندما كنا نلتقي بالمجاهدين أصحاب علاقات إنسانية عالية الأخلاق وودية غلب عليها طابع صفة الأمانة وحسن التواصل مع الإخوة المجاهدين، ومنها عمل المحافظ السياسي فهو يتحمل مسؤولية اتصال الناس ببيوتهم وتوعيتهم وجمع المال والاشتراكات والألبسة والدواء، مثل هذه الأمانة (المحافظ السياسي أثناء الثورة) هذا العمل يتسم بأخلاقيات الأدب والمحافظة على القيم والمبادئ أول نوفمبر 1954 فهو يكتفي بتقديم تقارير شهرية إلى مسئولي الناحية يتبادل الحديث مع سكان القرى ويستقبلونه بابتسامة عريضة صادقة يقدمون له كل ما تطلبه الثورة ويقدمون له يد المساعدة . على غرار المصالح الأخرى عرفت ثورة التحرير منذ اندلاعها بالعمل الدائب والانضباط والحزم تعودنا على هذا النظام الجيل الصارم. كنا أوفياء لهذه العملية التي يخططها المحافظ كبقية المجاهدين هذه العملية عرفت تحولات كبرى وعندما نلتقي النظر على مدى ما حصل في القرى الجزائرية من هدم وتدمير كلي وهذا ما زاد من صعوبات. النتائج كانت ثقيلة وهذا مازاد إرهاق السكان والمشقة أيام الحرب وأصبح السكان يظهرون في تلك الحالة المزرية فالصورة التي غابت تماما عن أحيائنا تلك الصورة التي كانت من قبل دخول العدو الفرنسي إلى القرى التي كانت منبعا للمجاهدين وهي مؤشر كان السكان يؤدون واجباتهم وعملهم بوفاء وإخلاص. وهو الآخر الذي قام بدوره الفعال الذي يرد على سياسة العدو خاصة منه (لاصاص) الذي لعب دورا خطيرا في وسط السكان كان (الضابط لاصاص) يدرس عادات وتقاليد كل عائلة أو قبيلة أو قرية يدرس كل ما يدور حول هذه القرى ليضع خطة جهنمية، يبعث رسائل إلى العائلة وخاصة أولئك الذين يقادون إلى السجن. شرعت القوات الفرنسية في صيف 1957 في شق الطرقات في الأماكن الجبلية الوعرة حتى يتمكن الجيش من التوغل إلى تلك الأماكن بسهولة وكانت تفتح مراكز خاصة في كل دشرة وقرية فمثلا في منطقة أولاد موسى فتحت 57 مركزا في 60 دشرة. وبشرشال فتحت 45 مركزا وكانت تحت قيادة العقيد (دوشاتيل) وكانت كل ضيعة محصنة على الأقل بوحدة وأما في المدن فكانت تحرس مداخلها كلها وأما الأحياء فضربت فيما بينها بسياج شائك خط شال مخطط شال (مارس جوان 1959). شهدت هذه المرحلة حدوث تغيير حدوث تغيير جذري في كيفية دفع جيش الاحتلال إلى شق الطرقات في الجبال وذلك لتكوين المناطق التي يأوي إليها المجاهدون. نجم عن هذا العمل نشوب حرب مدمرة وقنبلة القرى بطائرات B 26 و 29. عندما كان السجين ينتظر الرد بعد أسابيع وربما استشهد أصبح الرد مقتصرا على رؤية الشخص الموجود في السجن، فهذه العملية تعد أكبر عمل يكشف فيه دور السجين، ترسل له رسائل من (لاصاص) وهي تأتي إليه على أنها من عائلته رغم أن هذا العمل كان منتشرا في السجون مازال بعض المساجين يعلى على هذه الطريقة التي كشف العدو فيها قضايا خطيرة تمس الثورة. لقد ظل الكثير من المساجين بهذه الطريقة السيكولوجية التي خططها ضباط لاصاص لكن البعض من المجاهدين الذين ألقي عليهم القبض وسجنوا تفطنوا لهذه العملية الدنيئة ووصل الأمر بهم إلى طلاق الأزواج لزوجاتهم واندمج البعض في حركة الحركي حاول لاصاص تحطيم الشخصية للسجين وسلك عدة طرق بعد تعرفه واطلاعه على التركيبة الاجتماعية للمعتقل داخل السجن. ترى هل كان لاصاص يمنح رخصا لبعض المعتقلين لزيارة أهاليهم لمدة أسبوع على الأكثر ثم يعود إلى المعتقل من جديد ؟ لقد استغل ضباط لاصاص مثل هذا الأسلوب ومارسوه مع بعض الشخصيات السياسية والتي لها وزن في الماضي وداخل المعتقل في الحاضر وعند العودة يقاطع ضحية رجال لاصاص من طرف المعتقلين وبذلك يصبح في عزلة تامة فتنهار معنوياته وهو تحت مجهر لاصاص ويخرج من هذه الورطة السجين ويتم الانضمام إلى صفوف المتخاذلين والفاشلين (لابسا حركيا) ويقوم أحيانا رجال لاصاص في الاختيار بين البسطاء والمثقفين فيخيرونهم بين الانضمام إلى فرنسا. جبهة التحرير الوطني ينظم إليها الفرد دون ضغط ولا تهديد ولا وعيد حيث يوكلونهم إلى ضمائرهم ويؤكدون أمامهم على الاختيار برفع الأيدي حيث إذا رفع واحد يده يتبعه الجميع خاصة عند الاجتماع مع المحافظ السياسي في القرى والأرياف وهم يعلنون الولاء لجبهة التحرير الوطني، فالثورة كانت أشد وأقوى وأحب لدى سكان الأرياف رغم كل وسائل الدمار التي استعملها العدو للوصول إلى غايته وآلة القضاء على معنوياتهم. تفنن في أساليب التعذيب النفسي لقد تفنن العدو في إثارة الشقاق بين المعتقل وعائلته بتكوين العملاء. كثيرا ما نسمع ونرى رجال لاصاص يبحثون ويسالون عن قبيلة السجين وعن الجهة التي ينتمي إليها وعن اللغة التي يعرفها ويتقنها بلغ العدو بخساسته وإعطائه القيمة للأشكال التافهة كلما رأى معتقلا يتميز ببعض القيم العربية يضطهد ويسلط عليه أنواع العذاب. ووضعت مكبرات الصوت في المحتشدات ويفتح عليها المذياع ويسمع السكان الأغاني بالأسطوانات المتنوعة. يثير كوامن الضعف والخضوع والإذلال كما يحز في النفس ما يعاني من الألم ويستغل لاصاص مفعول الفن في النفوس المريضة. كما كان المحتشدين أن يسمعوا خطب الحكام الفرنسيين في الجزائر وخاصة خطب ديغول ويركزون على تحرير المرأة. أما القانون الإطاري الذي أصدره رئيس الحكومة الفرنسية (مونوري) فيكاد يحفظه المعتقلون من كثرة التردد وكان لاصاص يفكر فيما يرمي إليه المعتقل حول الخطب المسموعة. فكل محتشد ومعتقل يختلف أنواع التعذيب وكان بعض المعتقلات جحيما لايطاق، فقد كانوا لاينامون وكل ينتظر الموت بين الحين والآخر من طافت بهم الأقدار إلا هذا الجحيم، كما أن السجين في بعض الأحيان يحرس بالكلاب ويسلط عليه أنواع من العذاب الجسدي وهذا بغية العثور على مخابئ الثورة ومنذ بداية الثورة اهتم جيش التحرير في المنطقة الرابعة بجمع الأسلحة والذخيرة وتدبيرها وإصلاحها فجمع بنادق الصيد من كل الذين يملكونها منذ مطلع عام 1955 وشدد على ضرورة افتكاك الأسلحة من جنود العدو في الكمائن والمعارك والهجمات. قام المسبل والفدائي والمجاهد بمهمة الدفاع عن الموطن ومن خلال هذه العملية قام جنود جيش التحرير الوطني والمسبلون منهم بهجوم واسع على مزارع المعمرين المحيطة بالمنطقة في متيجة الغربية وعلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط من شرشال إلى تنس. وعندما اكتشف جيش الاحتلال وجود المجاهدين في هذه الجبال العالية الراسية وفي القرى القريبة والبعيدة شن عليها غارات مخربة بطائرات B26 وقذفها بالقنابل التي تزن طنا بالمدافع الأرضية من المراكز العسكرية وقد سقطت إحدى هذه الطائرات في قرية تملول ببلدية مناصر وقد رماها المجاهدون من جبال البيك. شهدت المنطقة معارك كبرى في سنة 1956 نشر الوعي في صفوف السكان، وتخريب مزرعة بيلو سنة 1956، هجوم على دورية للعدو يوم 1 نوفمبر 1956 معركة احموداين 1956 معركة جبل سي حمدان سنة 1957. معركة دوار سي شارف سنة 1957. معركة جبل سي علي بن ضيف الله علي 1957. معركة بوحرب 1958. معركة بوسمام 1958. معركة سيدي شارف جبل سيدي إسماعيل 1959. معركة سيدي سميان 1958. وفي هذه المنطقة تماما احتل جيش التحرير الوطني الأمكنة التي تناسب فرقا وأفواجا من المجاهدين للتدريب ووضع الكمائن للثورة. الاستغلال _الاستخبار _ التموين _ الاستقبال والإيواء. وخلال هذه المعارك والكمائن والهجمات حطم جنود جيش التحرير الوطني عددا من العربات والشاحنات العسكرية في مناطق عديدة بالمنطقة الرابعة التاريخية وأسقطوا طائرات من طرف المجاهدين الشجعان. تقع قرية سيدي عبد الله في منطقة جبلية وعرة وعلى منحدر وعر كذلك يصعب الوصول إليها كباقي قرى المنطقة، كثر تردد جنود جيش التحرير إليها للراحة والتزود بالمؤن وأهل هذه القرية محاربون وخلال الثورة برز منهم الكثير الذين انضموا إلى الثورة ومنهم سي العربي وسي الجمعي وبقديش وأصبح هؤلاء من كبار أبطالها على مدى سنوات الثورة حتى الاستشهاد. وفي خلال شهر أفريل 1957 تمركزت بهذه القرية كتيبة من المجاهدين عدد أفرادها مائة وعشرون مجاهدا بقيادة سي أمعمر فبلغ للعدو خبرها عن طريق وشاية فأسرع لمحاصرتها في محاولة القضاء عليها. نشبت معركة ضارية في القرية وفي المنطقة كلها وحمى وطيسها مع هتافات الله أكبر ودامت المعركة حوالي 05 ساعات كاملة وقرابة يوم كامل، وحينها قتل المجاهدون أكثر من خمسين عسكريا فرنسيا وجرحوا أعدادا أخرى وغنموا كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة واستشهد منهم مجاهدون. وإزاء ضخامة خسائر العدو صب غضبه على الأهالي العزل وانتهك حرمات النساء وأحرق أمتعة العائلات وأتلف مؤنها وأغذيتها واعتقل ثمانية وأربعون شابا قادهم إلى مركز (علي نونة). أين عذبهم كثيرا ثم قام بقتلهم جميعا ورماهم في وادي جارف وخاصة في فصل الشتاء يحولهم الوادي إلى أماكن أخرى عند جرهم ويقوم السكان ليلا باستخراج رفاتهم من الوادي ليدفنوهم. والمركز الذي أصبح من المراكز العدو الذي يطلق الرصاص لكل من قادوه إلى هذا المركز . وكل ما تشب معركة في المنطقة إلا وتدخل الطيران الفرنسي ويقنبل القرى والمد اشر للانتقام ويعتقل عددا من السكان المدنيين العزل ويتم قيدهم إلى المراكز العسكرية للاستنطاق والتعذيب ... يحاول الاستكشاف لتحديد مكانهم بالضبط.