مسدور: "4 شروط للهيئة كفيلة بتدمير الاقتصاد الوطني ومكسب السلم الاجتماعي" بولنوار: "هذه امتيازات الانضمام إلى OMC.. ودوائر مافياوية تعرقل جهود الحكومة" التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني.. نقطة سوداء ورادة بلغت مفاوضات انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية مراحل جدّ متقدّمة، في وقت ما يزال فيه هذا الملف يصنع جدلا كبيرا في أوساط الفاعلين والخبراء الاقتصاديين وحتى رجال السياسة، بين مؤيّد للخيار بذريعة تشجيع تنافسية المؤسسات الوطنية وإضفاء شفافية أكبر على التجارة الخارجية ومعارض له بحجّة أنه سيدمّر الاقتصاد الوطني ومكسب السلم الاجتماعي. (أخبار اليوم) فتحت الملف الشائك وأجرت مناظرة بين المختصّين. تعلّق الحكومة الجزائرية آمالا كبيرة على إتمام الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية قبل نهاية سنة 2017، حسب ما صرّح به وزير القطاع التجاري عمارة بن يونس في وقت سابق، قبل أن يناقض تصريحاته الوزير الأوّل عبد المالك سلاّل خلال الثلاثية السابقة عندما أكّد أن انضمام الجزائر لن يكون قبل أن تصبح جاهزة وعلى أتمّ الاستعداد، وهو الأمر الذي لن يحصل إلاّ إذا كان أرباب العمل والصناعة الوطنية جاهزين للمنافسة التي سيلقونها من قِبل الإنتاج الأجنبي حال دخولها (OMC). هذه الأخيرة تمارس عدّة ضغوط على الحكومة الجزائرية، حيث تفرض شروطا قد لا تتناسب مع الخطّ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للجزائر، حسب العديد من المختصّين في الشأن الاقتصادي. التراجع عن قاعدة 51/49 السيادية لطالما ربط فاعلون اقتصاديون أسباب طول مدّة مفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية مع مشكل قاعدة 49/51 المنظمة للاستثمار في الجزائر، حيث تطالب (OMC) بإلغاء هذه القاعدة التي تتنافى مع مبادئ المنظمة المتعلّقة بالتنافس الحرّ. هذا العائق جعل الحكومة الجزائرية تبحث عن حلّ وسط يرضي الطرفين مع الإبقاء على موقف الجزائر السيادي حول الاستثمار الأجنبي في الجزائر في خلال المرحلة الحالية. وفي هذا السياق قلّصت الحكومة مؤخّرا من حدّة لهجتها اتجاه هذه القضية السيادية، حيث أكّد وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب وقف العمل بقاعدة 49/51 الخاصّة بالاستثمار مع آفاق سنة 2020 بالتزامن مع تحديد منظمة الاتحاد الأوروبي تاريخ 2020 لرفع الحواجز الجمركية وتطهير مناخ الاستثمار من البيروقراطية وكلّ العراقيل التي قد تعيق رجال الأعمال الأجانب في تطوير نشاطاتهم بالجزائر، وكذا إلغاء السجِّل التجاري كخطوة لتشجيع الاستثمار مع تقليص مدّة ردّ البنوك على طلب المستثمرين في مدّة لا تتجاوز 45 يوما وخطوات تحفيزية أخرى تسعى من خلالها الحكومة لتطوير قطاع الاستثمار بالجزائر. في حين يرى الخبير الاقتصادي فارس مسدور أن أيّ تنازل من الطرف الجزائري عن هذه القاعدة هو تنازل عن السيادة الوطنية، مؤكّدا في تصريح ل (أخبار اليوم) أن من ينادي بضرورة التخلّي عنها من الطاقم الحكومي (يدافع عن مصالح الأجانب عوض الدفاع عن مصالح مصالح الجزائر). ملف القروض الاستهلاكية تبدي المنظمة العالمية للتجارة تحفّظا كبيرا حيال إبقاء الجزائر للقرض الاستهلاكي خصّيصا للسلع الوطنية، وهو ما اعتبرته نوعا من الدعم للمؤسسات والسلع الجزائرية مقابل الإنتاج الأجنبي، ما يتعارض وأولى مبادئ المنظمة المتعلّقة بالمنافسة الحرّة وتحرير القطاع التجاري، فيما تحافظ الحكومة على نفس خطابها فيما يخص هذه القضية. حيث أوضح وزير التجارة عمارة بن يونس أن هذا القرار سيادي ولا يمكن لمنظمة التجارة العالمية أن تفرض أيّ قرار على الجزائر باعتبار أن القرارات الاقتصادية سيادية وتصبّ في مجملها في خدمة الاقتصاد الوطني. وحسب العديد من الخبراء الاقتصاديين فإن هذا الموقف يضع الحكومة أمام خيارين يشكّل كلاهما أولوية حكومية، أولهما الإبقاء على مكسب السلم الاجتماعي المحقّق من خلال تعطيل مسار الانضمام إلى (OMC) وتفضيل القرض الاستهلاكي، خاصّة وأن إطلاقه يتزامن وإلغاء المادة 87 مكرّر التي ستشكّل هي الأخرى عبئا كبيرا على المؤسسات الاقتصادية وأرباب العمل، ممّا يجعل إطلاق هذا النّوع من القروض نوعا من أنواع الدعم المقدّم لأرباب العمل، وهو الأمر الذي قد يعطّل مسار انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة لأكثر من 5 سنوات أخرى إلى غاية ما بعد 2020، حيث تدخل اتّفاقية السوق الحرّة المشتركة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حيّز العمل. أمّا الخيار الآخر الذي تملكه الحكومة -حسب مختصّين آخرين- فهو إرضاء المنظمة العالمية للتجارة إمّا بإلغاء القرض الاستهلاكي بشكل نهائي وهو الاحتمال الأضعف أو بتوسيعه ليشمل الإنتاج الأجنبي، وهو الخيار الذي قد تلجأ إليه الحكومة، خاصّة في ظلّ الضعف الكبير للإنتاج المحلّي صناعيا إلى غاية إنشاء قاعدة صناعية قوية. التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني بالرغم من أن انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية لن يجبرها على التعامل مع الكيان الصهيوني أو مع أيّ بلد لا ترغب في التعامل معه، وفقا للمادة 13 من اتّفاقية مراكش لإنشاء المنظمة، والتي تنصّ على الموافقة على استثناء بعض الأعضاء من تطبيق اتّفاقيات تجارية متعدّدة الأطراف بين أعضاء معنيين في حالات خاصّة بناء على طلب أيّ عضو، إلاّ أن فرضية التطبيع غير المباشر تبقى واردة لدى العديد من المختصّين بالنّظر إلى قوة تأثير الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتّحدة الأمريكية على قرارات هذه الهيئة الدولية، وهو ما يبقي فرضية تسريب بضائع إسرائيلية إلى السوق الوطنية جدّ واردة -حسب الدكتور فارس مسدور-، حيث أن (OMC) تمنع التمييز بين القطاع الوطني والأجنبي، وهذا التوجّه بالنّسبة للجزائر مضادّ للمصلحة الوطنية وتاريخها الطويل في نصرة القضية الفلسطينية. رفع الحصار عن المنتوجات غير الإسلامية تشدّد مبادئ منظمة التجارة العالمية على ضرورة تحرير النشاط التجاري كشرط أساسي للانضمام، وهو ما يعني رفع الحصار عن المنتجات غير الإسلامية كالمشروبات الكحولية وغيرها، حسب ما أفاد به الخبير في شأن الاقتصاد الإسلامي فارس مسدور. وفي السياق كشفت مصادر إعلامية مؤخّرا أن وزير التجارة عمارة بن يونس أعطى تعليماته بخصوص إعادة فتح ملفات تراخيص بيع الخمور في الجزائر، وهو الملف الذي كان الوزير الأسبق للقطاع التجاري مصطفى بن بادة قد أغلقه سنة 2006 وأعطى حرّية التصرّف فيه للوُلاّة. وأكّدت نفس المصادر على وجود مشاورات بين وزارتي المالية والتجارة لإعادة فتح الملف ومنح تراخيص وسجِّلات تجارية جديدة، خاصّة وأن التراخيص التي منحت للأسرة الثورية والمجاهدين في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين لا يمكن توريثها وتنتهي بمجرّد وفاة صاحب الترخيص، إضافة إلى كون هذا الملف أغلق منذ تولّي بن بادة زمام الأمور في القطاع التجاري وأمر بن يونس بإعادة النّظر فيه بسبب شروط المنظمة العالمية للتجارة التي وضعت تحرير النشاط التجاري كشرط انضمام أساسي. ولم تستبعد المصادر ذاتها الإعلان عن عودة هذا النشاط قانونيا في وقت قريب بعد إنهاء إعادة هيكلة القرار الذي أصدره بن بادة والقاضي بإسناد مهمّة منح التراخيص لاستيراد أو بيع أو فتح محلاّت الكحول أو إنشاء المصانع للولاية في إطار مراجعته لقرارات الوزير السابق الذي أسرّ بن يونس لبعض مقرّبيه بأنه سيقوم بتغييرها وربما إلغائها كلّية. وينشط في الجزائر حوالي 68 مصنعا للخمور و1674 مُنتج للمشروبات الكحولية على المستوى الوطني تعمل معظمها بشكل غير قانوني على الرغم من أن القانون الجزائري لا يتضمّن ولو أيّ مادة تمنع نشاط البيع لدى تجّار الجملة أو يطالبهم بترخيص رسمي عكس ما يتمّ العمل به في الميدان، إلاّ أن غياب مثل هذا القانون الذي ينظم نشاط تجّار الجملة في بيع المشروبات الكحولية (الخمور) جعل الحكومة تطالب أصحاب هذا النشاط باستصدار ترخيص رسمي يتضمّن معاقبة مستهلكي الخمر في المحلاّت التجارية، وهو ما يريد بن يونس ترسيمه. الحكومة متمسّكة بالخيار تدافع الحكومة بشراسة عن مساعي الجزائر للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، حيث تؤكّد تصريحات الطاقم الحكومي ن هذا القرار (لا رجعة فيه) لأنه قرار مدروس بعناية ويأخذ كلّ الاحتمالات على سبيل الاعتبار. وفي السياق دافع وزير التجارة عمارة بن يونس مؤخّرا عن مساعي الجزائر للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، منتقدا بعض الخبراء والسياسيين الذين يعارضون كلّ المنظمات الدولية، على غرار صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وقال: (إننا نستورد كلّ شيء وهذا أمر سلبي، فلماذا نتحدّث عن الانضمام إلى هذه المنظمة على أنه شيء سلبي؟). وتساءل بن يونس عن الضجّة الكبيرة المثارة حول هذا الملف، في إشارة إلى بعض الخبراء والسياسيين الذين انتقدوا عدّة مرّات قرار انضمام الجزائر إلى المنظمة، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الكثير من الخبراء يؤيّدون ذلك، وبرّر هذا القرار بأنه سيسمح للجزائر بإعادة تأهيل اقتصادها الوطني وإضفاء شفافية أكثر على المعاملات التجارية الدولية وعلى الاقتصاد الوطني، مؤكّدا أنه لا توجد أيّ علاقة بين انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة وسياسة دعم الأسعار في الجزائر. وأشار بن يونس إلى أن 25 دولة ترغب في توقيع اتّفاقيات تعاون ثنائية مع الجزائر، حيث تمّ توقيع حاليا اتّفاقيات مع 6 بلدان ولازالت البقية في طور التحضير والتشاور في إطار المفاوضات الجارية لانضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة، مضيفا أن الجزائر تلقّت مؤخّرا 40 سؤالا من كندا، وقبل ذلك تلقّت مئات الأسئلة من الاتحاد الأوروبي تتعلّق بعدّة قطاعات، منها الطاقة والتجارة والفلاحة وغيرها، كما سيزور الجزائر يوم 18 أكتوبر الجاري سفير الأرجنتين بالمنظمة العالمية للتجارة لاستكمال المفاوضات. هذه امتيازات الانضمام إلى "OMC" قال الناطق الرسمي للاتحاد العام للتجّار والحرفيين الجزائريين الحاج الطاهر بولنوار في تصريح ل (أخبار اليوم) إن السوق الوطنية لن تتأثّر سلبا بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية إن حدث، بل بالعكس تماما بات الانضمام إليها أكثر من ضرورة نظرا يقول (لأنه يشجّع المؤسسات الجزائرية، سواء في القطاع العام أو الخاص على ترقية منتجاتها كمّا ونوعا، كما أنه يضيف مفهوم الشفافية أكثر على التجارة الخارجية ويكون التجّار الجزائريون ملزمين بتطبيق قوانين المنظمة التي تدعو إلى الشفافية في التعامل وتصبح أسعار المنتوجات في السوق المحلّية تخضع لأسعار الأسواق العالمية). ويضيف بولنوار في نفس السياق أن انضمام الجزائر إلى المنظّمة سيرفع حجم وقيمة المبادلات التجارية، خاصّة بعد ربط التعريفة الجمركية عند حدّ أقصى وحدّ أدنى والامتناع عن استعمال القيود الكمّية، ممّا ينتج زيادة في الواردات من الدول الأعضاء، فاحتكاك المنتجات المحلّية بالمنتجات الأجنبية وبالتالي الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والتقنيات المتطوّرة المستعملة في عملية الإنتاج، ومنه زيادة المنافسة التي يمكن أن تستغلّها الجزائر كأداة ضغط لإنعاش الاقتصاد الوطني، حسب محدّثنا. وعلاوة على ذلك ستتمكّن الجزائر -حسب ممثّل التجّار- من الاستفادة من المزايا التي تمنح للدول النامية الأعضاء في المنظمة، فضلا عن تحفيز وتشجيع الاستثمارات ومسايرة التجارة الدولية لإنهاء احتكار الريع البترولي على الاقتصاد وإعطاء نفَس جديد للجهاز الإنتاجي الجزائري. "دوائر مافياوية تعرقل إتمام الملف" أرجع بولنوار أسباب تأخّر الجزائر في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية إلى تحكّم جماعات وصفها بالمافياوية، والتي تحاول الضغط على الحكومة لعدم الانضمام، حيث أن بارونات الاستيراد والاحتكار والمضاربة تشكّل تحالفا وتعرقل المفاوضات من خلال استعانتها ب (أبواق مأجورة) مكوّنة من أحزاب سياسية وخبراء اقتصاديين موجّهين. ويضيف محدّثنا أن قواعد الشفافية التي تفرضها (OMC) لا تلائم هؤلاء المتلاعبين بالاقتصاد الوطني، لذلك يبذلون أقصى ما في وسعهم لعرقلة تقدّم الملف. ومن هنا طالب ممثّل التجّار الحكومة بتسريع وتيرة الإجابة على الأسئلة التي توجّهها المنظمة إلى الجزائر كلّ سنة بشأن اقتصادها المحلّي والانضمام، فيما استغرب عدم إتمام ملف المفاوضات التي بدأت منذ أكثر من 30 سنة. وتساءل بولنوار عن سبب تأخّر الجزائر في حسم الأمر وهي التي انضمّت ونالت العضوية الكاملة في وقت سابق إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتنمية ومنظمة الصحّة العالمية، مؤكّدا أن الوقت الذي تضيّعه الجزائر في الانضمام هو (خسارة من هامش ربح كلّ سنة نظرا للرسوم الجمركية التي تفرض على السلع الأجنبية).