ستّون سنة على اندلاع ثورة نوفمبر قصّة ثورة الجزائر تُدرّس في جامعات غربية كبرى بعد ستّين سنة من اندلاعها مازالت قصّة الثورة الجزائرية المظفّرة تُدرّس في الجامعات الأوروبية والأمريكية الكبرى كمثال للتضحية والبسالة، حيث بقيت رمزا ينير طريق المستضعفين في الأرض بعد أن نقشت الجزائر في تاريخ العالم بأسره ثورة بحروف من ذهب، هي ثورة تعرف باسم (ثورة المليون ونصف المليون شهيد)، وهي حرب تحرير وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وكانت نتيجتها انتزاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار شرس وطويل استمرّ أكثر من 130 عام. انطلقت الرصاصة الأولى للثورة الجزائرية في الأوّل من نوفمبر 1954 الذي يصادف عند الأوروبيين يوم (عيد جميع القدّيسين) معلنة قيام الثورة بعد حوالي 130 سنة من الاستعمار الفرنسي للبلاد، ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع (الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني) وجاء فيه: (أن الهدف من الثورة هو تحقيق الاستقلال الوطني في إطار الشمال الإفريقي وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية). وللعلم، جاءت ثورة التحرير الوطني كتتويج لثورات أخرى سبقتها، لكن هذه الثورة كانت أقوى تلك الثورات وأشملها وتمخّضت عن إعلان استقلال الجزائر بعد ثمانية أعوام من القتال الشرس ظهر تميّزها على الصعيد السياسي. على الصعيد السياسي.. عقدت الدورة 16 للأمم المتّحدة (سبتمبر 1961 وفيفري 1962)، وأمام أهمّية الاتّصالات المباشرة بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية فإن الأمم المتّحدة (دعت الطرفين إلى استئناف المفاوضات بغية الشروع في تطبيق حقّ الشعب الجزائري في حرّية تقرير المصير والاستقلال، وفي إطار احترام وحدة التراب الجزائري). هكذا انتصرت وجهة نظر جبهة التحرير الوطني وأُجبرت فرنسا على التفاوض بعد أن تأكّدت فرنسا نفسها أن الوسائل العسكرية لم تنفع، خاصّة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به حملاتها الضخمة وعدم فعالية القمع البوليسي في المدن، ورفض الشعب الجزائري المشاركة في الانتخابات المزوّرة واستحالة إيجاد (قوة ثالثة) تكون تابعة للمستعمر بأيّ حال. وقام الفرنسيون بمناورات عدّة وتهديدات كثيرة لتحاشي التفاوض وعملوا كلّ ما في وسعهم لتصفية جيش التحرير الوطني كقوة عسكرية وكقوة سياسية فتهرّبت فرنسا من كلّ محاولات التفاوض النزيه عاملة على إفراغ حقّ تقرير المصير من محتواه الحقيقي، متوهّمة بذلك أنها ستنتصر عسكريا على الثورة. وكان يقابل سياسة المفاوضات هذه حرب متصاعدة في الجزائر بهدف تحقيق النصر، فقد كان الفرنسيون يعتقدون أن رغبة جبهة التحرير في السلم وقَبولها للاستفتاء يعتبر دليلا على الانهيار العسكري لجيش التحرير الوطني إلاّ أن الجبهة عادت وأكّدت من جديد أن الاستقلال ينتزع من سالبه ولا يوهب منه، فاتّخذت جميع التدابير لتعزيز الكفاح المسلّح. وبعد ذلك عقدت ندوة حول إيقاف القتال في إيفيان من 7 إلى 18 مارس 1962 تدارست الوفود خلالها تفاصيل الاتّفاق، وكان الانتصار حليف وجهة نظر جبهة التحرير، وتوقّف القتال في 19 مارس بين الطرفين وتحدّد يوم الأوّل من جويلية لإجراء استفتاء شعبي فصوّت الجزائريون جماعيا لصالح الاستقلال، وبذلك تحقّق الهدف السياسي والأساسي الأوّل لحرب التحرير بعد أن دفع الشعب الجزائري ضريبة الدم غالية في سبيل الحرّية والاستقلال وبعد أن استمرّت الحرب قرابة الثماني سنوات سقط خلالها ما يقرب من مليون ونصف مليون شهيد. وقد صادف بدء انسحاب القوات الفرنسية في 5 جويلية 1962 في يوم دخولها 5 جويلية 1830، أي بعد 132 عام من الاستعمار، كما انسحبت هذه القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في منطقة (سيدي فرج) القريبة من الجزائر العاصمة وتمّ في هذا اليوم تعيين السيّد أحمد بن بلّة كأوّل رئيس لجمهورية الجزائر المستقلّة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها. ويرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدّمها الشعب الجزائري الذي عبّأ كلّ طاقاته لتحقيق الانتصار، تضاف إلى ذلك الأساليب المبتكرة التي لجأ إليها المجاهدون والمجاهدات لتوجيه الضربات الأليمة لجيش متفوّق في العدد والعُدّة. التحضير لاندلاع الثورة الجزائرية لقد تمّ وضع اللّمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة التحريرية في اجتماعي 10 و24 أكتوبر 1954 بالجزائر من طرف لجنة الستّة. ناقش المجتمعون قضايا هامّة هي: إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد الإعلان عنه ليحلّ محلّ اللّجنة الثورية للوحدة والعمل، وقد اتّفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثّل في جيش التحرير الوطني. وتهدف المهمّة الأولى للجبهة إلى الاتّصال بجميع التيّارات السياسية المكوّنة للحركة الوطنية قصد حثّها على الالتحاق بمسيرة الثورة وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي وتحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية. كان اختيار ليلة الأحد إلى الاثنين أوّل نوفمبر 1954 كتاريخ انطلاق العمل المسلّح يخضع لمعطيات تكتيكية-عسكرية، منها وجود عدد كبير من جنود وضبّاط جيش الاحتلال في عطلة نهاية الأسبوع، يليها انشغالهم بالاحتفال بعيد مسيحي وضرورة إدخال عامل المباغتة، وكذا تحديد خريطة المناطق وتعيين قادتها بشكل نهائي، إلى جانب وضع اللّمسات الأخيرة لخريطة المخطّط الهجومي في ليلة أوّل نوفمبر (خريطة أهمّ عمليات أوّل نوفمبر 1954)، المنطقة الأولى: الأوراس بقيادة مصطفى بن بولعيد، المنطقة الثانية: الشمال القسنطيني بقيادة ديدوش مراد، المنطقة الثالثة: القبائل بقيادة كريم بلقاسم، المنطقة الرابعة: الوسط بقيادة رابح بيطاط والمنطقة الخامسة: الغرب الوهراني بقيادة العربي بن مهيدي. الاندلاع الرسمي كانت بداية الثورة بمشاركة 1200 مجاهد على المستوى الوطني بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل تقليدية فقط. وكانت الهجومات تستهدف مراكز الدرك والثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة ومصالح استراتيجية أخرى، بالإضافة إلى الممتلكات التي استحوذ عليها الكولون. شملت هجومات المجاهدين عدّة مناطق من الوطن، وقد استهدفت عدّة مدن وقرى عبر المناطق الخمس: باتنة، أريس، خنشلة وبسكرة في المنطقة الأولى، قسنطينة وسمندو في المنطقة الثانية، عزازفة وتيفزيرت وبرج منايل وذراع الميزان في المنطقة الثالثة. أمّا في المنطقة الرابعة فقد مسّت كلاّ من الجزائر وبوفاريك والبليدة، بينما كانت سيدي علي وزهانة ووهران على موعد مع اندلاع الثورة في المنطقة الخامسة (خريطة التقسيم السياسي والعسكري للثورة 1954-1956). وباعتراف السلطات الاستعمارية فإن حصيلة العمليات المسلّحة ضد المصالح الفرنسية عبر كلّ مناطق الجزائر ليلة أوّل نوفمبر 1954 بلغت ثلاثين عملية خلّفت مقتل 10 أوروبيين وعملاء وجرح 23 منهم وخسائر مادية تقدّر بالمئات من الملايين من الفرنكات الفرنسية. أمّا الثورة فقد فقدت في مرحلتها الأولى خيرة أبنائها الذين سقطوا في ميدان الشرف من أمثال بن عبد المالك رمضان، كريم بلقاسم، باجي مختار، ديدوش مراد وغيرهم. بيان أوّل نوفمبر 1954 سبق العمل المسلّح الإعلان عن ميلاد جبهة التحرير الوطني) التي أصدرت أوّل تصريح رسمي لها يعرف ب (بيان أوّل نوفمبر). وقد وجّهت هذا النداء إلى الشعب الجزائري مساء 31 أكتوبر 1954 ووزّعته صباح أوّل نوفمبر حدّدت فيه الثورة مبادئها ووسائلها ورسمت أهدافها المتمثّلة في الحرّية والاستقلال ووضع أسس إعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النّظام الاستعماري. وأوضحت الجبهة في البيان الشروط السياسية التي تكفل تحقيق ذلك دون إراقة الدماء أو اللّجوء إلى العنف، كما شرحت الظروف المأساوية للشعب الجزائري، والتي دفعت به إلى حمل السلاح لتحقيق أهدافه القومية الوطنية، مبرزة الأبعاد السياسية والتاريخية والحضارية لهذا القرار التاريخي. يعتبر بيان أوّل نوفمبر 1954 بمثابة دستور الثورة ومرجعها الأوّل الذي اهتدى به قادة ثورة التحرير وسارت على دربه الأجيال. إعداد: عبلة عيساتي ================= طالب بجعله يوما وطنيا للصحافة.. الدكتور أحمد حمدي: بيان أوّل نوفمبر أوّل عمل إعلامي جزائري وقف الدكتور أحمد حمدي، عميد كُلّية العلوم السياسية والإعلام الأسبق، عند أهمّ المحطات التاريخية للإعلام الجزائري إبّان الثورة التحريرية ليؤكّد أنه اعتمد الحرّية، المسؤولية والمصداقية في خطابه، ممّا جعله يدحر إعلام العدو، كما تمكّن من إسماع صوت الثورة عبر أصقاع العالم وأقنع بها حتى أبناء فرنسا. صاحب كتاب (الثورة الجزائرية والإعلام) أكّد ل (أخبار اليوم) أن بيان أوّل نوفمبر هو أوّل عمل إعلامي جزائري، لذلك طالب بجعل تاريخ إصداره يوما وطنيا للصحافة لأنه أكثر دلالة ورمزية من جريدة المقاومة الجزائرية التي أوقفها مؤتمر الصومام فيما بعد. قال الدكتور أحمد حمدي إن الإعلام في الجزائر مرّ بعدّة مراحل، منها مرحلة (ما قبل الثورة)، (مرحلة أثناء الثورة) ومرحلة (بعد الإستقلال). وإذا كانت المرحلة الأولى تتّسم بقوانين استعمارية جائرة تمنع على الجزائريين استعمال وسائل الإعلام إلاّ في حدود ضيّقة، فإن الإعلام الثوري كان حرّا ولا يخضع لتلك الأحكام والقوانين الجائرة. ذات المتحدّث لاحظ أن وسائل الإعلام الحديثة بمعنى الصحافة المكتوبة والإذاعة عرفت لدى الجزائريين باعتبارها أداة وسلاحا في يد المستعمر، لكن الثورة حرّرت هذه الوسائل وجعلت منها أسلحة للثورة، مشيرا إلى بيان 1 نوفمبر 1954 الذي يعتبر أوّل وثيقة إعلامية نشرت على أوسع نطاق في ذلك الوقت. فالمنشور مثل الصحيفة والإذاعة وغيرها يلعب دورا أساسيا استعملته الثورة في الأوّل، بعدها استعملت الإذاعات أو الحصص الإذاعية في دول شقيقة كتونس، المغرب، ليبيا والقاهرة. ومن هنا طالب العميد الأسبق لكُلّية العلوم السياسية والإعلام بجعل تاريخ إصدار بيان أوّل نوفمبر يوما وطنيا للصحافة (لأنه أكثر دلالة ورمزية من تاريخ إصدار جريدة المقاومة الجزائرية التي صدرت في المغرب وأوقفها مؤتمر الصومام فيما بعد، بينما بيان أوّل نوفمبر ما زال موجودا إلى غاية اليوم). وعن دور الصحيفة خلال تلك الحقبة التاريخية قال حمدي إنه جاء سنة 1955، حيث تمّ إنشاء عدّة نشريات وكانت لكلّ منطقة نشريتها، وهذه النشريات تطوّرت وأصبحت جريدة (المقاومة الجزائرية) التي صدرت في تطوان بالمغرب. كلّ هذه الوسائل الإعلامية تعلن أنها الناطق الرسمي باسم جبهة وجيش التحرير الوطنيين، الأمر الذي استدعى إثارة الانتباه في 1956 إبّان مؤتمر الصومام الذي وضع أرضية فكرية مستمدّة من بيان 1 نوفمبر. وما يمكننا أن نقرأه في هذه الوثيقة -حسب محدّثنا- هو ذلك الفصل الثالث المتعلّق ب (الإعلام والدعاية)، حيث نجد فيه المبادئ والقواعد والأسس التي ينبني عليها الإعلام الجزائري أو الإعلام الثوري. وفي ردّه على سؤال حول خصوصيات المواجهة بين الصحف الثورية والآلّة الدعائية الفرنسية أكّد محدّثنا أنه بمجرّد صدور بيان 1 نوفمبر كانت هناك هجمة استعمارية كثيفة ضد الثورة الجزائرية، فكلّ الصحف الكولونيالية التي كانت تصدر في الجزائر شنّت هجوما شرسا ومنسّقا على هذه الثورة وتمّ وصفها بمختلف الأوصاف مثل (الإرهابيون)، (المتمرّدون)، (الفلاّفة)، (الخارجون عن القانون) وغيرها. كما تمادت هذه الصحف في تضليل الرأي العام، حيث أكّدت أن أعمال (الثورة) قادها أناس متواجدون على ضفاف النيل وعواصم عالمية أخرى، كما قامت بتصوير الفظائع التي ارتكبها جنود الاستعمار ونسبتها إلى الثورة، لكن مصداقية إعلام الثورة الجزائرية كان بالمرصاد لهذا الإعلام الاستعماري المضادّ، وبالفعل تمّ تكوين جهاز إعلامي متماسك بعد مؤتمر الصومام كلّف به عضو لجنة التنسيق والتنفيذ الشهيد عبّان رمضان، كما تمّ اعتماد جريدة (المجاهد) كلسان مركزي لجبهة التحرير، هذه الجريدة استمرّت منذ نشوئها في 15 جوان 1956 إلى غاية الاستقلال وصدر منها خلال هذه السنوات 120 عدد (أثناء الثورة). في السياق، قام صاحب كتاب (الثورة الجزائرية والإعلام) بدراسة أكاديمية حول المواد الإعلامية المنشورة خلال الثورة وأسفرت نتائجها عن أن أكثر من 450 مادة إعلامية منشورة تتعلّق ب (العمل الدبلوماسي) وحوالي 400 تتعلّق ب (جبهة التحرير والمجتمع الجزائري) وأقلّها رتبة تلك المتعلّقة بالعمل العسكري، ممّا يدلّ -حسبه- على أن صحيفة الثورة كانت توجّه إعلامها نحو تنوير الرأي العام الخارجي بقضية الجزائر، وذلك عين الصواب لأن الشعب كان كلّه مقتنعا بثورته وملتفّا حولها. وبتصدّيها للإعلام الخارجي فقد قسّمت العالم إلى دوائر وهي: المغرب العربي الذي يناصر الثورة التحريرية، العالم العربي الذي يناصر الثورة، الدائرة الآفرو آسياوية المتعاطفة مع الثورة والدائرة الأوروبية التي ينبغي إقناعها وإظهار كلّ عناصر مصداقية العمل الإعلامي لها. وعن كيفية تأطير الإعلام الثوري من قِبل المسؤولين آنذاك أبرز الدكتور أحمد حمدي أن الحكومة المؤقّتة للجمهورية الجزائرية أنشأت وزارة خاصّة بالإعلام، وقامت هذه الوزارة بالإشراف على جريدة (المجاهد) والحصص الإذاعية وإذاعة (الجزائر المكافحة)، كما قامت بإنشاء وكالة الأنباء الجزائرية وشجّعت العمل السينمائي ودعّمت الفرقة الرياضية والفرقة الفنّية لجبهة التحرير. أكّد أن الرسالة الإعلامية الثورية كانت دعائية في الأساس المجاهد د. زهير إحدادن: هكذا استطاع بضعة صحفيين أن يوحّدوا شعبا بأكمله أثنى المجاهد الدكتور زهير إحدادن على الدور الذي لعبه الإعلام إبّان الاستعمار الفرنسي لنصرة القضية الوطنية وافتكاك حقّ الحرّية والاستقلال، منوّها بأهمّية الرسالة الإعلامية (الدعائية) إبّان الثورة التحريرية، والتي استطاعت وحدها أن توحّد الشعب الجزائري تحت قيادة جبهة التحرير الوطني، كما تمكّنت من (تعرية) المستعمر وتعجيز الجيش الفرنسي إعلاميا لإفشاله سياسيا وفي الوقت نفسه شرح الهدف من الثورة لكسب التأييد الدولي للقضية. أشاد إحدادن الذي ما يزال يحتفظ بأدقّ التفاصيل عن تاريخ الثورة الذي درسه في كُلّية الإعلام والاتّصال لسنين عدّة، في تصريح ل (أخبار اليوم) بالدور الكبير الذي لعبه الإعلام في تلك المرحلة الهامّة من تاريخ البلاد، وكيف أنه استطاع بالرغم من قلّة الإمكانات المادية والبشرية إيصال رسالة التحرّر إلى أبعد نقطة، حيث أن هذا الطاقم الصحفي لم يتعدّ 15 صحفيا في الجرائد المكتوبة وعدد قليل من الصحفيين العاملين في إذاعة (صوت الجزائر الحرّة)، غير أن الإعلام إبّان الثورة لم يكن إعلاما حسب مفهومه العلمي، أي نقل الحدث كما وقع للقارئ بصفة نزيهة وموضوعية، بل كان (دعائيا) ينطلق من الحدث، يشرحه، يضخّمه أو يقلّل من شأنه، حسب توجيه من وراء الثورة (جبهة التحرير الوطني). وأوضح الأستاذ في هذا السياق أن النّظام الإعلامي للثورة كان مؤطّرا وفق ما جاء في مؤتمر الصومام، وقد كان سرّيا لا يخضع لقوانين، لكنه في الوقت ذاته كانت له حدود لا يمكن تعدّيها، والعمل الإعلامي كان يتمّ في إطار أخلاقيات المهنة، (نسبّ الاستعمار الفرنسي وليس فرنسا كأمّة وشعب)، (كما لا نمجّد القتل في الثورة، وأن الثورة قامت على العنف، وبالتالي لابد من الجهاد، وهذا الأخير يكون فيه القتل). وقد جاء شرح معنى الدعاية في ميثاق (الصومام)، كما أوضح أستاذ علوم الإعلام والاتّصال بجامعة الجزائر، والذي حدّد مفهومها بالتدقيق. فالتضخيم الذي كان يسمح به حسب المبادئ والهدف المرجو منه وليس بثّ معلومات كاذبة ومغلوطة (كنّا ننشر في الجرائد كلّ ما يقوّي الثورة)، وفي الوقت نفسه تكذيب ما تدّعيه السلطات الاستعمارية من أن (الجزائر فرنسية) ببثّ معلومات تعتمد على ما قام به الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية، بالإضافة إلى شرح ما يقوم به الثوّار بأنه ردّ فعل عن الأفعال الوحشية للاستعمار الفرنسي، وأن الهدف منها استرجاع الاستقلال وسيادة الشعب. وذكر المجاهد زهير إحدادن أن القائمين على المؤسسات الإعلامية التي أنشئت في هذه المرحلة التاريخية مثل جريدة (المقاومة)، (المجاهد)، (وكالة الأنباء الجزائرية) وإذاعة (صوت الجزائر الحرّ) كانوا مناضلين قبل أن يكونوا إعلاميين، مجنّدين من أجل آداء رسالتهم الإعلامية بما يخدم الثورة والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها.