يرصد الدكتور أحمد حمدي في كتابه «الثورة الجزائرية والإعلام»، الدور الذي نهض به الإعلام في تلك المرحلة وأبرز إنجازاته، حيث قام الإعلام الجزائري، وفق الكتاب، بدور هام خلال الثورة الجزائرية، وأسهم في انتشارها وتغلغلها على الصعيد الوطني والدولي. ويتألف الكتاب من ثلاثة أبواب وأحد عشر فصلا، مع مقدمة وتوطئة وخاتمة. ففي المقدمة؛ يشير أحمد حمدي إلى أن الدراسات الإعلامية مازالت في حاجة إلى المزيد من العمل الدؤوب من أجل دراسة إعلام حركات التحرر في العالم الثالث بصفة عامة وفي الجزائر بصفة خاصة، ذلك أن الثورة الجزائرية هي إحدى الثورات التحريرية التي أثرت بطابعها على الكثير من حركات التحرر الأخرى ابتداء من خمسينيات هذا القرن. وإلى جانب هذا، لم تعرف المكتبة الإعلامية العربية إلا دراسة واحدة عن إعلام الثورة التحريرية الجزائرية قامت بها الدكتورة عواطف عبد الرحمن وجاءت تحت عنوان «الصحافة العربية في الجزائر.. دراسة تحليلية لصحافة الثورة الجزائرية». وكان هدف المؤلف من هذا البحث، كما جاء في المقدمة، إبراز المبادئ التي سار عليها إعلام الثورة الجزائرية، ومقارنتها مع الإعلام الاشتراكي و«الإعلام البورجوازي»، ومتابعة تطبيقها عبر صحيفة «المجاهد»، اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني من سنة 1956 إلى 1962. وفي توطئة الكتاب؛ يسلط المؤلف الضوء على مجموعة من العوامل التي مهدت لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، وكانت المخاض الأخير لميلاد صحافة ثورية في الجزائر. كما قدم عرضا موجزا عن الأحزاب السياسية وتطورها السياسي، فتحدث عن حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي ظهرت في أكتوبر 1946 كامتداد طبيعي لحزب الشعب الجزائري الذي كان كذلك امتدادا لحزب نجم شمال إفريقيا الذي يعتبر أول حزب مغاربي كبير قدم برنامجا سياسيا سنة 1927، وكان يُطالب بالاستقلال التام للجزائر. وجاء الباب الأول من الكتاب تحت عنوان «الحاجة إلى إعلام ثوري»، وضم ثلاثة فصول، ويسعى فيه المؤلف إلى تعريف القارئ بحاجة جبهة التحرير الوطني إلى إعلام ثوري يكمل أعمالها السياسية والعسكرية، ويشرح أفكارها ويرد على دعايات العدو. في الفصل الأول؛ يتطرق إلى بوادر الإعلام الثوري، ويذكر أن التنظيمات السياسية في الجزائر كانت تولي أهمية بالغة للإعلام. في حين يرصد أحمد حمدي في الفصل الثاني الهجمة الإعلامية الفرنسية الشرسة ويتعرض لردود فعل وسائل الإعلام الاستعمارية على انطلاق الثورة. أما في الفصل الثالث «جبهة التحرير الوطني وسلاح الإعلام»؛ فيسعى الكاتب إلى إيضاح كيفية اكتشاف جبهة التحرير لسلاح الإعلام، وكيف تمكنت من تحويل النظرة المعادية للصحافة لدى الإنسان الجزائري إلى اقتناع بالدور الكبير الذي تنهض به الصحافة لتجميع المعلومات وشحذ الهمم وتحميس الجماهير. مهام التوجيه والتنظيم والتجنيد والرقابة كان الإعلام الثقافي أول إعلام تحصن به المواطن الجزائري إزاء الهجمة الإعلامية الاستعمارية، ويرى المؤلف أن الفترة الممتدة من سنة 1954 إلى غاية 1956 من حياة الثورة الجزائرية؛ كشفت الحاجات الملحة لتأسيس وإنشاء إعلام ثوري يكون ناطقا رسميا باسم جبهة التحرير الوطني، والثورة الجزائرية للتمكن من مواجهة الحملات الإعلامية الفرنسية المعادية. وفي الآن ذاته، تتمكن من مخاطبة الرأي العام الجزائري والدولي. ويحمل الباب الثاني من الكتاب عنوان «خصائص مبادئ الإعلام والدعاية لدى جبهة التحرير الوطني»، ويتضمن أربعة فصول، يتطرق الأول إلى المنهج الفكري لجبهة التحرير الوطني وتطوره. وفي الفصل الثاني يركز المؤلف على مبادئ الإعلام والدعاية في منهج الصومام، ويشير إلى أنه يمكن تقسيم المبادئ الإعلامية لجبهة التحرير الوطني إلى قسمين، قسم يندرج في إطار المبادئ الثابتة وآخر يتعلق بالمبادئ المرحلية، فالمبادئ الثابتة تتصل بالصدق والتعبير عن رشد الشعب والهرج والمرج، وعنف القول. أما المبادئ المرحلية فهي الحزم والاتزان والحماس. ويخلص الدكتور أحمد حمدي إلى أن «مفهوم الإعلام عند جبهة التحرير الوطني إنما هو وطني ثوري ملتزم ومسؤول وعليه أن يرتكز على مبادئ أساسية كالصدق والموضوعية والحقيقة والشمولية، كما أنه يؤدي مهام الإعلام والتوجيه والتكوين والتنظيم والتجنيد والرقابة والنقد. إعلام «أفلان الثورة» لا يعكس مصالح الدولة ومن خلال الفصل الثالث؛ يجري المؤلف مقارنة ما بين إعلام جبهة التحرير الوطني والمبادئ الإعلامية البورجوازية والمبادئ الإعلامية الاشتراكية في مرحلة اشتداد الحرب الباردة بين المعسكرين. وفي الفصل الأخير من هذا الباب يلقي الضوء على طبيعة ومهام الإعلام والدعاية عند جبهة التحرير الوطني، ويذهب إلى أن إعلام ودعاية جبهة التحرير الوطني لا تعكس مصالح دولة، ولا مصالح حزب، وإنما «تعكس مصالح مشتركة لجماهير ثائرة تقاتل من أجل جبهة التحرير الوطني حددت أهدافها بالقضاء على نوعين الوصول إلى الاستقلال الوطني وطرد المستعمر وبناء الدولة الجديدة أي أن هذه المبادئ جاءت مع الكفاح المسلح، لذلك فإن حركتها وتوجيهاتها تميزها الظروف التاريخية التي تمر بها الثورة. ولهذا، فإن من الاضطهاد؛ الاضطهاد العنصري الاستعماري والاضطهاد الاجتماعي. ويخصص المؤلف الباب الثالث من الكتاب للتركيز على تجربة صحيفة «المجاهد»، ويقسمه إلى أربعة فصول، يتطرق في الأول إلى الصحيفة كناطق رسمي باسم الجبهة، وفي الثاني يستعرض نظرتها للمجتمع الجزائري، وتصورها لمستقبله. وضع إعلامي ضعيف أمام الدعاية الاستعمارية يشير المؤلف في خاتمة الكتاب إلى أن الوضع الإعلامي الذي ساد الجزائر قبيل الثورة المسلحة اتسم بالضعف أمام الإعلام الاستعماري، وكان وضعا غير طبيعي مما استلزم وجود إعلام ثوري قادر على تمثيل المرحلة الجديدة. ومثل هذا الإعلام يتطلب مبادئ أساسية تجسد طبيعة المرحلة تجسيدا ثوريا صحيحا، ورأى أن جبهة التحرير الوطني توصلت من خلال الممارسة العملية والمعاناة اليومية إلى إيجاد هذه المبادئ الخاصة بها، والمتماشية مع الظروف الموضوعية لحركة الثورة، وحركة المجتمع الجزائري في ظل الكفاح المسلح، وهذه المبادئ عبرت عن «جوهر الإعلام والدعاية الملتزمة بحركة الجماهير الشعبية، وشمولية الكفاح لدى جبهة التحرير الوطني، وعلى مختلف الجبهات والمستويات». محمد سيف الإسلام بوفلاقة/ جامعة عنابة