ضمنت البراعة في المساومة والتشبث بالمواقف لنوري المالكي فترة ثانية في الحكم لكن نجاحه في فرض إرادته سيثير تساؤلات بشأن المستقبل الديمقراطي للعراق الذي يحاول جاهدا التغلب على ارث من الديكتاتورية. وخرج المالكي رئيس الوزراء الشيعي منتصرا من معركة استمرت ثمانية أشهر ليقود الاسبوع الماضي اتفاقا تقتسم بموجبه الفصائل الشيعية والسنية والكردية في العراق إلى حد ما السلطة في حكومة مشاركة وطنية. وتمكن من ضم خصمه اللدود رئيس الوزراء الاسبق إياد علاوي وائتلافه العراقية المدعوم من السنة للحكومة الجديدة دافعاً في الوقت نفسه بعلاوي وطموحاته بعيدا عن منصب رئيس الحكومة. وستكون العراقية الشريك الأصغر في الحكومة العراقية رغم أنها الفائز الفعلي في انتخابات السابع من مارس بعد أن حظيت بدعم قوي من السنة. وقالت جالا رياني محللة الشرق الأوسط بمؤسسة آي. إتش. أس غلوبال انسايت "لا شك في حقيقة ان المالكي خرح منتصرا". وعزز المالكي الذي لم يكن معروفا عندما تولى رئاسة الوزراء للمرة الاولى عام 2006 كمرشح توافقي بعد محادثات مطولة لتشكيل الحكومة، مكانته المتنامية كلاعب سياسي ماهر. لكن كثيرا من السنة يشعرون أن الأغلبية الشيعية في العراق سرقت منهم السلطة التي يرون أنهم أحق بها بعد فوز القائمة العراقية. وقالت رياني: هذه أصداء تاريخية ستظل ذات أهمية بالنسبة للعراق. الناس سيساورهم القلق دائما من احتمال وجود شخصية واحدة تركز في يدها قدرا كبيرا من السلطة.. في الوقت نفسه تحتاج البلاد إلى قيادة قوية. ولم يتمكن علاوي وهو شيعي علماني تولى رئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية بالعراق عامي 2004 و 2005 من تشكيل ائتلاف حاكم رغم الفوز بفارق مقعدين عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي. أما المالكي فقد تمكن في أول فترة له في السلطة من تحويل حتى حلفائه إلى أعداء من خلال الميل بين الحين والآخر إلى النهج السلطوي. لكن قدرته على الإقناع وتشبثه بمواقفه جعلت الفصائل الأخرى تنحاز له في ظل غياب خيار أفضل بسبب فراغ سياسي بعد انتخابات مارس التي حاول "تمردٌ" سني أن يفسدها بالعنف. ونجح المالكي في الفوز بدعم رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر وهو عدو سابق سحق المالكي ميليشيا جيش المهدي التابعة له عام 2008. ثم فاز بتأييد الأقلية الكردية وما يكفي من النواب السنة ليتمكن من إجبار "العراقية" على الرضوخ لرغبته. وقال ديفيد بيندر محلل الشرق الأوسط في مؤسسة اوراسيا غروب الاستشارية "تقوم إستراتيجية المالكي فيما يبدو ببساطة على تقديم نفسه على انه المرشح الأوفر حظا لرئاسة الوزراء". ومع استمرار حالة الفراغ السياسي خلال الصيف أصبح من الواضح على نحو متزايد أن المالكي ليس الخيار الأول لكنه الخيار الوحيد المتاح والشخصية الوحيدة التي يمكن للجميع إبرام اتفاق معها. وبنى المالكي- الذي يبدو سريع الغضب- سمعته على إنقاذ العراق من الانزلاق إلى حرب أهلية في أعقاب عمليات قتل طائفية بلغت ذروتها عامي 2006 و2007. كما بنى حملته على انه رجل قوي يفعل ما يريد ومستعد لقبول التحدي الذي يمثله كل من المسلحين السنة والميليشيات الشيعية. وستبدأ حكومته في الأغلب بداية ضعيفة حيث يمزق الخلاف والشك شركاءها المختلفين. لكن محللين يقولون إن من الممكن أن يبدأ المالكي في مرحلة ما اختبار قوته وبسط سلطته. وقال رايدر فيسر من موقع (هيستورياي دوت اورغ) الذي يركز على العراق "أحد السيناريوهات الممكنة على الأمد الطويل هو أن يكرر المالكي متى دانت له السلطة ما فعله في 2008 وهو تطوير قاعدة قوة مستقلة بدون شركائه في الائتلاف مثل الأكراد والصدريين ويصبح مرة أخرى الرجل القوي".