بقلم: محمد بونيل كتب لها على واجهة الصورة الفوتوغرافية التي جمعت بينهما لحظة لقائها به لأول مرة عبارة (إني أحبك)..، ذات يوم من أيام فصل الخريف توجه المصور الفوتوغرافي الشاب إلى الجزائر العاصمة حاملا معه حقيبة الظهر مجهزة بمعدات التصوير الفوتوغرافي التي يشتغل عليها، وعلى غير عادته كما كان من قبل يخصص حيزا من وقته ليلتقط الصور الفوتوغرافية فيها، هذه المرة كانت وجهته للجزائر مميزة عن سابقاتها من الزيارات والجولات التي قادته فيما مضى إليها، كان ذلك من أجل حضور افتتاح معرض للفن الثامن، فن الصورة الفوتوغرافية الخاص به، إذ كان مميزا بحضور ألوان متعددة لأطياف المجتمع من زوار المعرض وتشكلت باقة تلك الألوان الجميلة من جمهور عريض ذواق للفن بشكل عام وللفن الثامن، فن الصورة الفوتوغرافية بشكل خاص، وكان من بين الحضور زمرة من الإعلاميين والكتاب المتخصصين في الأدب والثقافة والفنون بشكل عام، أسماء لمع وسطع نجمها في سماء مهنة المتاعب (الصحافة) على اختلاف مشاربها من المرئية والسمعية والمكتوبة (الجرائد)، موضوع المعرض كان متميزا (الصحراء الجزائرية، صور ورسائل) وقد تفاعل معه زواره وأشادوا به، تحكي مجموعته الفنية المعروضة أو بالأحرى التي عرضت من خلال بهو فضائه الواسع على صور فوتوغرافية حول جمال صحرائنا الواسعة ومما تتمتع وتزخر به مدننا في الجنوب من إرث ومعالم سياحية وتاريخية ومناظر طبيعية خلابة تسر الناظرين وتبهر الوافدين عليها من أجانب دائما ما يحكون أنهم بأمس الحاجة إلى شعاع الشمس الذي يعطيهم حسبهم طاقة إيجابية عند عودتهم إلى بلدانهم هناك وخاصة الأوروبيون الذين يقضون عندهم فصل الشتاء باردا جدا ومما لابد منه تجديد العهد مع حرارة أشعة الشمس الدافئة هنا في صحراء بلادنا خلال فترة الخريف التي غالبا ما تكون هي الفترة المحبذة لديهم... صور من بلادي نواصل حديثنا عن الفنان المصور الفوتوغرافي، ذلك الشاب الجزائري الطموح لغد جميل لبلاده ويعبر عن ذلك من خلال جملة من الصور الفوتوغرافية التي التقطها من هنا وهناك، كما وقد عرض بعضها ولا يزال البعض الآخر ينتظر موعده مع القدر وهي في حد ذاتها حصيلة سنوات خلت للعديد من جولاته داخل الوطن، للتذكير أن عدد اللوحات الفوتوغرافية التي عرضت عبر هذا المعرض، قد تجاوزت ال20 صورة فوتوغرافية من الحجم الكبير، تعبر من خلالها على سكان وأهالي الصحراء من شيوخ ونساء وشباب، الأطفال الصغار هم كذلك حاضرون بقوة من خلال ما التقطته عدسة الفنان المصور وكذا الكتابات القديمة على الحجارة الكبيرة بما يعرف اليوم ب (الحفريات) (هي الأخرى حاضرة وشاهدة على تاريخ وقدم المناطق الصحراوية في بلادنا وقد تواجدت منذ ما يقارب آلاف السنين فأكد ذلك علماء أوروبيون تدارسوا تاريخ تلك المناطق الصحرواية في الجزائر وأكدوا ذلك من خلال كتاباتهم العديدة ونتائج أبحاثهم المعمقة في مثل هذا التخصص علم الآثار)، سفينة الصحراء (الجمل) وواحات النخيل الكثيفة التي تدر على زائريها بالراحة والسكينة والطمأنينة هي الأخرى مجسدة وحاضرة بعدد لا بأس به من تلكم الصور المعروضة أو التي تم عرضها في ذلك الفضاء الكبير، صور معروضة التقطت بالألوان، البعض منها تعبر عن الرمال الذهبية، وأخرى التقطت بتقنية الأسود والأبيض جسد من خلالها الوجوه لرجل الصحراء (بورتري)، صور في مجملها وما تحمله من رسائل يمكننا أن نضعها في خانة الإنسانية، كيف لا؟ وسكان الصحراء يتحلون بالكرم والجود وحسن الضيافة للآخر وبعض الشواهد التراثية قد تم إدراجها ضمن المعالم الإنسانية المحمية بنص قانون منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التابعة لهيئة الأممالمتحدة هي الأخرى جسدت على اللوحات الفوتوغرافية لذات الفنان المصور الفوتوغرافي... الخطوة الأولى كان من بين زوار المعرض الفوتوغرافي شابة جزائرية متواضعة السلوك والجمال، في مقتبل بداية عقدها الرابع مقيمة في إحدى المدن الألمانية، تهوى في حياتها القراءة والكتابة وهي مواظبة على عمود فني في واحدة من المجلات المتخصصة في الإبداعات الفنية (رسم، نحت، منمنمات، الصورة الفنية)، التي تصدر مرة كل منتصف الشهر وتوزع عبر كامل أنحاء تراب ألمانيا وهي بذلك تستقطب قراء متميزين لهم مستويات وأذواق في شتى ميادين الفن والإبداع، تتصف هذه الشابة الجزائرية أنها تحب وتعشق كل ما هو جميل من إبداعات وفنون (لنخبة من المبدعين العالميين كانوا أو فنانين في طريقهم إلى اقتفاء آثار سابقيهم في الإبداع والفنون ولكن بميزة خاصة بهم)، كما كتبت عن ذلك ذات مرة في نفس العمود المخصص لها عبر المجلة (أنها تعيش وتحيا بالفن والإبداع وكل ما هو جميل، وخاصة ما يذكرها بالوطن الأم الجزائر..). انطلقت تلك الشابة الجزائرية المقيمة بإحدى المدن الألمانية برحلة مشاهدة ومعاينة التحف الفوتوغرافية المجسدة والمعروضة من خلال المعرض الفردي لذات المصور الفوتوغرافي الشاب (الذي يشارف على نهاية عقده الرابع)، وعن قرب حينا تتأمل في بعض التحف الفوتوغرافية وحينا آخر تلتقط لها صورا فوتوغرافية من خلال آلة التصوير الصغيرة الخاصة بها، وكلها إعجاب بجودة ونوعية التحف الفوتوغرافية والزوايا التي التقطت من خلالها هذه الأخيرة والرسائل التي تحتويها بالطبع، بالنسبة لها إذ تعكس مدى حرص الفنان الفوتوغرافي الشاب على أن يقدم للمتلقي (الزائر للمعرض) صورا التقطتها عدسة آلة التصوير التي كان يشغل عليها معظمها أي تلك التحف الفوتوغرافية تكتسي طابعا فنيا وحسا جماليا عاليا وغاية في الجودة والإتقان، إذ تعبر وبامتياز عن الموضوع المراد من خلالها الإشارة إليه واحتوائها له، (سيميولوجيا الصورة) قد وفق فيها الفنان المصور الفوتوغرافي مما يتماشي وحسبها مع العنوان الذي اختاره للمعرض نفسه وهو (الصحراء الجزائرية، صور ورسائل.. بعد انتهائها من زيارة المعرض الفردي الخاص بفن التصوير الفوتوغرافي أرادت الشابة الجزائرية أن تتعرف على المصور وتبدي له بذلك إعجابها الكبير بقيمة وقامة تلك التحف الفوتوغرافية التي تحمل توقيع هذا الأخير الفنان الشاب وما جادت به إبداعاته من خلال مجموعة الصور الفوتوغرافية الملصقة والمعروضة خلال ذاك الفضاء الفني الكبير، كان لها أن طلبت ذلك من المشرفين على المعرض فدلوها عليه، بخطوات ثقيلة اقتربت من مكان تواجده، إذ لا تفصلها عنه إلا بضع أمتار وجدته واقفا بالقرب من تحفه يتحدث إلى ميكروفون قناة فضائية أجنبية، حينها وهو يتكلم مع الصحفية لذات القناة لمحها وهي تنظر إليه فبادلها النظرات من حين لآخر، بعد أن خلص من التحدث إلى القناة الفضائية الأجنبية، رآها تتجه نحوه وكانت بذلك تقصده، في بادئ الأمر ظن هو أي الشاب الفنان المصور الفوتوغرافي أنها صحفية وجاءت لتحاوره حول تحفه الفوتوغرافية مثلا، لكن سرعان ما أن قدمت نفسها له وعرفته بشخصها، بالرغم من أنها تحسن اللغة الفرنسية ناهيك عن الألمانية التي تجيدها بحكم إقامتها هناك لسنوات عديدة، فهي تتحدث مزيجا مختلطا بين العربية والدارجة الجزائرية، أبدت له حينها إعجابها بالفكرة العامة للمعرض الذي أقامه، فرد عليها بأسلوب هادئ وصوت خافت (شكرا لك سيدتي على هذا الانطباع الرائع والإحساس الجميل حول المعرض..)، فأكدت له أنها ستكتب عن هذا المعرض باللغة الألمانية وترسل إلى هيئة التحرير بالمجلة المقال مدعمة إياه ببعض الصور التي التقطتها لترافق بذلك (وثيقتها الإبداعية) كي تنشر على فضاء صفحات المجلة ومرة أخرى أكدت له أن المواطنين الألمان من المعجبين الكثر بصحرائنا الجزائرية وهم بالتالي منبهرون بها أيما انبهار وهذا مما سيعطي حافزا جيدا ويدفع بالعلاقات الإنسانية بين الشعبين والبلدين نحو آفاق واعدة للتعاون أكثر وهذا في المجال الفني والثقافي وبما فيه السياحي لما لا... الفن والحب قبل أن ترحل الشابة المغتربة الجزائرية وتغادر بذلك فضاء المعرض استأذنته بالتقاط صورة تذكارية تجمع بينهما، فكان لها ذلك، ثم بعدها تركت للفنان الجزائري رقم هاتفها الخاص وبريدها الإلكتروني وعنوان صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي عبر الفايسبوك وكذا اتصالها عبر (السكايب) كل هذا كان مدونا على بطاقة الاتصال الخاصة بها، وهي تغادر المكان بادلته بنظرات حميمية، نظرات إعجاب بفنه وشخصه...مرت الأيام وتطورت علاقة الفنان المصور الفوتوغرافي بتلك الشابة الجزائرية المغتربة عبر (السكايب) ومن ضمن رسائلها أنها أرسلت إليه بتلك التغطية الصحفية التي وعدته بنشرها عبر المجلة باللغة الألمانية مدعمة بالصور التي التقطتها حينها، كانت متبوعة بورقة على الهامش مترجمة لها وكان ذلك باللغة الفرنسية، ومن جملة ذلك حملت له كذلك أخبارا جد سارة، أنه وبعد نشر المقالة عبر المجلة تفاعلت إحدى أروقة الفنون هنالك بألمانيا مع الصور الفوتوغرافية الخاصة بالشاب المصور الفوتوغرافي الجزائري وتود أن تعطيه الفرصة لإقامة معرض هناك بألمانيا، فكان له ذلك حيث أرسلت له عبر عنوان منزله بوثيقة (رخصة العرض) وقام هو بدفع الملف إلى قنصلية ألمانيا هنا بالجزائر، فقدمت له التأشيرة (الفيزا)، وبعد إتمام تحضير كل لوازمه الخاصة به من آلة التصوير إلى تحفه الفنية الفوتوغرافية في صبيحة يوم سفره ودع أهله وسافر إلى وجهته المقصودة لإقامة معرض فني هناك بألمانيا، إذ تم التكفل به هناك من قبل السلطات المحلية لكونها دعمت المعرض، يوم افتتاح المعرض الخاص به كان الجمع غفير وكانت تلك الشابة المغتربة الجزائرية بجانبه تترجم له ما قد قيل أو يقال عن تحفه الفوتوغرافية، وقد أعجب بها كثيرا وهذا ما زاد في توطيد العلاقة بينهما، من مهنية إلى صداقة إلى إعجاب فقدمته حينها في ألمانيا إلى أهلها هناك، حيث أعجبا والدا تلك المغتربة الشابة الجزائرية بطيبة سلوك وأخلاق الفنان الجزائري، بعد انتهاء المعرض الفني عاد ذاك الفنان المصور الفوتوغرافي الجزائري أدراجه إلى حيث سكناه بالجزائر، وبقي محافظا على الاتصال مع تلك المغتربة الجزائرية، دعاها يوما ما إلى منزلهم حيث والديه وعرفها بهما وبمحيط عائلته، كان قد تطور ذلك الإعجاب بينه وبينها إلى أن صارحا البعض بما يختلج في نفسيهما من أحاسيس جميلة، وبعد تلك الزيارتين زادت العلاقة بينهما متانة وصلابة وتفتحا بينهما وأعلن لها تعلق قلبه بها وحبه لها وما كان منها إلا أن رفعت له راية الاستسلام البيضاء، وأخبرته أن وجوده بالقرب منها قد شغفها حبا... لقد تكللت قصة الحب التي نسجت بين الشابة الجزائرية المغتربة والفنان المصور الفوتوغرافي الجزائري بعقد قرانهما وأقاما على شرف ذلك وليمة اجتمعت عليها العائلتين، وبعد مضي خمس سنوات على زواجهما وسعدا كل منهما بالآخر، حيث أعظم هدية منحت لهما من فوق السماء أن رزقا ببنت وولد، ومرت الأيام والشهور، وفي صبيحة يوم من الأيام تفقدت كعادتها أجندتها اليومية الخاصة بها فوجدت فيها ظرف بريدي بداخله صورة فوتوغرافية تجمع بينهما لحظة لقائها الأول به خلال المعرض الفني الذي أقامه، وقتها وبسرعة خاطفة استرجعت شريط ذكريات تلك اللحظات الرائعة وانتابها شعور جميل، فابتسمت لذلك وعيونها قد اغرورقت بالدموع لما لامست نظراتها على واجهة الصورة الفوتوغرافية، جملة مكتوب عليها عبارة (إني أحبك) ..