علاقته بآلة التصوير أكثر من حميمية، فالمسافة بينهما تتناهى صغرا حتى يصبحا واحدا، ويصبح ابن القصبة فنانا استثنائيا يعيش الحياة كلها كلحظة التقاط الصورة منتبها لتفاصيل حياته/حياتنا اليومية “التصوير هو لغتي”.. هكذا يكرر المصور الفوتوغرافي الياس مزياني، مكرسا جهدا كبيرا لتطوير هذه اللغة ولتقريبها أكثر من واقع الحياة، وفيا لفن التصوير إلى حد غريب، مصورا وجامعا لآلات التصوير ولصور الجزائر القديمة ومهتما بتاريخ هذا الفن في الجزائر. عانق ابن القصبة آلة التصوير صغيرا منذ أربعين سنة ومازال. عن هذا العناق الطويل يحكي لنا أحد أهم المصورين الفوتوغرافيين الجزائريين اليوم.. كيف بدأت حكايتك مع التصوير؟ كان عمري عشر سنوات عندما بدأت أهتم بالصورة، صورتي الأولى كانت سنة 1969، وهي السنة التي أقيم فيها المهرجان الثقافي الإفريقي في الجزائر. عندما خرجت فرنسا سنة 1962 كان عمري عشر سنوات، بعض الفرنسيين تركوا أغراضهم الشخصية في المنازل، كان أحد أقربائي قد سكن إحدى هذه الشقق التي تركها الفرنسيون، وجدنا بها آلة تصوير كوداك، كنت كلما زرته أمسك بهذه الآلة بإعجاب كبير. وكانت المرة الأولى التي ألتقط فيها صورا في تجمع عائلي، أحببت أن أخلد تلك اللحظات، بعد عناء كبير مع قريبي ذاك أعطاني آلة التصوير التي وجدها في الشقة، ذهبت إلى عمي رزقي في باب عزون، اقتنيت فيلما وسألته كيف أفعل.. فأجابني اجعل الشمس وراءك، لا تتنفس واضغط على الزر، هكذا كانت بدايتي، صورت العائلة وما زلت أحتفظ إلى الآن بالصور. عملت في السينما أيضا لوقت لكن صناعة السينما تتطلب شركاء كثيرين وإمكانيات كبيرة، وأنا كنت أود أن أعبر، فاخترت من غير رجعة التصوير الفوتوغرافي، عملت مع الفنانين التشكيليين كثيرا وتعلمت منهم بنية الصورة الفنية ومفرداتها. كيف تقرأ المشهد الفوتوغرافي في الجزائر تقنيا وفنيا؟ لقد تجاوزنا اليوم فكرة التقنية في التصوير الفوتوغرافي، فاليوم مع التصوير الرقمي ومع آلات التصوير الرقمية يمكن لأي شخص أن ينتج صورا. إنه البدء الأبدي، فنحن نعيش اليوم تماما سنوات 1938، في ذلك الوقت لم تطرح مسألة التقنية على الإطلاق، وسيتعزز هذا باختفاء الفيلم التقليدي إلى الأبد بعد عشرين سنة، فكوداك أغلقت الكثير من مصانعها في العالم لأن تجارة أفلام آلات التصوير لم تعد مربحة، الآن أصبح التحدي أن تصنع صورا جميلة بواسطة أي آلة تصوير. في الحقيقة سؤال الآلة أو التقنية لم يطرح في تجربتي الفنية ولا أشعر أنه مهم جدا. اليوم أصبحت صور تُلتقط بأجهزة الهاتف المحمول تنال جوائز عالمية. فالآلة في النهاية ليست إلا وسيلة. أما فنيا فأجد ما يفعله المصورون الشبان في الجزائر جميلا جدا، هناك حراك لابأس به في المشهد، وأستطيع أن أقول إن هذا الفن سيسير إلى الأحسن اذا دعمته الارادة، إرادة المسؤولين عن الثقافة في الجزائر. ما الذي قد تضيفه لك المعارض والتجمعات الفنية؟ أنا لا تهمني العظمة أو الشهرة، ما يهمني حقا هو أن تثير صوري نقاشا حقيقيا، في النهاية ما هو هدف أي معرض للتصوير.. إنه هذا النقاش. المعارض مهمة جدا لكن هناك صعوبات كثيرة يجدها الفنان في الجزائر أساسها أنه ليس هناك سوق حقيقي للفن، فلا أحد في الجزائر من الفنانين التشكيليين أو المصورين يبيع أعماله إلا أسماء قليلة ومعدودة. المعارض توفر لي الاتصال بالناس العاديين الذين أمثلهم حقا، فأنا لا أصور القصور أو أشياء أخرى، أنا أصور هؤلاء الناس أصور الجزائريين العاديين، وفرحتي الكبيرة ورضاي الكبير هو عندما أجد أربعة أو خمسة أشخاص يتناقشون حول صورة لي، هم يقدمون لي قراءة أخرى قراءتهم هم لأعمالي قد يكون هذا هو السبب الذي يمنعني من عنونة صوري، فالعنوان قد يحصر هذه القراءة، أحتفظ دائما بهذه العناوين لنفسي فقط. ما تؤكده لي المعارض في كل مرة أن الصورة لغة عالمية.. أذكر عندما عرضت في الماما صورة عن الحِداد وفيها يظهر جهاز التلفاز والمرآة وهما مغطيان بغطاء أبيض، أحد الزوار كان صينيا قال لي: “هذه الصورة تذكرني بوفاة جدتي”، إنه إحساسنا أن هناك من غطى أشياءه وسافر وقد يعود. فن التصوير الفوتوغرافي يأخذ اهتماما عالميا كبيرا ومتزايدا، كيف ترى الاهتمام العام بهذا الفن في الجزائر ؟ الصورة تمتلك اليوم تأثيرا كبيرا، وهذا التأثير انعكس سلبا علينا في الجزائر، أنت اليوم لا تستطيع أن تصور في الجزائر بحرية، الناس تخاف من الصورة، لأنها اليوم تُحور وتعالَج وتُنشر سريعا بواسطة الأنترنت. أنا كمصور أيضا أخاف.. نعم أخاف عندما أفكر في السرعة التي يمشي بها العالم، أخاف أن تسبقنا الصورة، أنا لا أتحدث عن الصورة الفنية بل عن الصورة بصفة عامة عن هذه الصورة التي نستقبلها بكميات كبيرة وبسرعات كبيرة أيضا. عن الإهتمام العام بالتصوير شهدنا هذه السنة المهرجان الوطني للتصوير الفوتوغرافي في الماما، لم أشارك فيه، لكن هذا يعد مكسب لفن التصوير في الجزائر. للأسف في بلدنا لا توجد مؤسسات ثقافية، لا توجد إلا وزارة الثقافة. أنا شخصيا أملك الكثير من المشاريع لكن لم أجد طوال السنوات الطويلة التي قضيتها في التصوير مؤسسة ترعى مثل هذه المشاريع. إن الاهتمام بهذا الفن ضعيف في الجزائر رغم ما تكتسيه اليوم الصورة من أهمية، لتشجيع هذا الفن يجب إقامة معاهد ومدارس ومراكز تكوين، هذا لإنتاج المصورين كي نصنع صورتنا بأنفسنا، فاليوم حتى صورتنا نستوردها. ما هي مشاريعك المستقبلية؟ أنا بصدد إكمال كتاب حول التصوير الفوتوغرافي في الجزائر، كما أني أحضر رفقة فنان تشكيلي لمشروع ثنائي، وهناك مشروع آخر رفقة الكاتب عبد الرحمن الوناس لزيارة الأحياء الشعبية في الجزائر، حيث أحفظها أنا عن طريق الصورة ويحفظها هو عن طريق الكتابة كقراءة لللحظة الفوتوغرافية.