تحتفل جامعة "جيلالي اليابس" في سيدي بلعباس، بالتعاون مع الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية وعدد من الجهات الأكاديمية، باليوم الوطني للفلسفة في الجزائر من خلال تنظيم ملتقى علمي رفيع المستوى في 23 و24 أفريل الجاري، يستهدف تقديم دراسة معمّقة للعلاقة بين اللغة والفلسفة، ويعكس تطوّر الدرس اللغوي عبر العصور والأزمنة الفلسفية المختلفة. يفتح الملتقى المجال أمام التفكير العميق في العلاقة بين اللغة والفلسفة. فكلّما تطوّرت الدراسات اللغوية، ازدادت قدرتنا على فهم كيف تشكّل اللغة الفكر الفلسفي وتؤثّر في تشكيل مفاهيمنا حول العالم. عبر هذا الحدث العلمي، يسعى المشاركون إلى تسليط الضوء على أهمية اللغة كأداة فلسفية واجتماعية، وكيف يمكن استثمارها في تشكيل أيديولوجيات جديدة، وتعميق الحوار حول دور اللغة في تعزيز الفكر النقدي. منذ العصور القديمة، وفقا للديباجة، كان الفلاسفة يطرحون أسئلة محورية حول اللغة ودورها في الفكر البشري. هل هي مجرد أداة للتواصل، أم أن لها تأثيرًا أعمق في تشكيل مفاهيمنا وفهمنا للعالم؟ هذا السؤال يُعتبر جوهرًا في البحث الفلسفي، فقد تناولته المدارس الفلسفية المختلفة في محاولاتها لفهم العلاقة بين الوجود والفكر. في العصور الإسلامية، كانت دراسة اللغة جزءًا من الفكر الفلسفي الشامل، حيث أسهم العلماء العرب والمسلمون في تطوير علم اللغة وفلسفة اللغة بشكل كبير. كان لهم دور بارز في التأصيل لعدد من المفاهيم اللغوية التي تم تبنيها لاحقًا في الدراسات الغربية. لذلك، يسعى الملتقى إلى تسليط الضوء على هذه الإسهامات والتأثيرات الفلسفية التي تركت بصمتها في بناء الفكر اللغوي. وشهدت القرون الأخيرة تحوّلات كبيرة في مفهوم اللغة في الفكر الفلسفي. في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تطوّرت الدراسات اللغوية بشكل جذري، وظهرت مدارس جديدة مثل علم اللغة المقارن واللغويات التاريخية، وهو ما انعكس على تطوّر المفاهيم الفلسفية المرتبطة باللسانيات. اللغة لم تعد تُعتبر مجرّد وسيلة للتواصل، بل أصبحت أداة لفهم كيف يعمل العقل البشري في تنظيم المعرفة والعالم. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو والناقد الفرنسي رولان بارث اللذين قدّما نظريات هامة حول العلاقة بين اللغة والرمز والعلامة، مشيرين إلى أنّ اللغة هي المفتاح لفهم الواقع الاجتماعي والفكري. سيبحث الملتقى أيضًا في كيف أثّرت الاتجاهات الفلسفية المختلفة على فهمنا للغة. فقد ساهمت الفلسفات الماركسية والوجودية والبراغماتية في تحليل العلاقة بين اللغة والسلطة والإيديولوجيا. فقد تناول المفكّرون في تلك المدارس الفلسفية العلاقة بين اللغة ووسائل التعبير الأيديولوجية، وناقشوا كيفية استخدام اللغة في تشكيل المفاهيم الاجتماعية والسياسية. الاهتمام بالتأثيرات المجتمعية للغة يتجاوز الفلسفة البحتة ليشمل تأثيرات اللغة في الخطاب الإعلامي والسياسي، حيث تُعتبر اللغة أداة قوية لتوجيه الفكر الجماعي وتشكيل التصورات العامة. كما أنّ الملتقى سيتناول التحوّلات الكبرى التي شهدها الدرس اللغوي في العصر الحديث. في هذا السياق، يُستعرض مفهوم "المنعطف اللغوي" الذي أُدخل في الفلسفة من قبل عدد من المفكّرين المعاصرين، حيث تركّز هذه المدرسة على اللغة باعتبارها العامل الأساسي في تشكيل الأيديولوجيات والفلسفات. هذه الدراسة تطرح الأسئلة حول كيفية تأثير اللغة في أنظمة السلطة وكيف يمكن فهم الرموز والأيديولوجيات التي يتم نقلها من خلالها. من أهم المواضيع التي سيشملها الملتقى هو دور اللغة في الخطاب الإعلامي. من خلال وسائل الإعلام، تلعب اللغة دورًا أساسيًا في تشكيل الرأي العام والتأثير على مفاهيم الأيديولوجيا والسلطة. في هذا السياق، سيُناقش تأثير الخطاب الإعلامي على القيم الاجتماعية والسياسية، وكيف يتم استخدام اللغة بشكل استراتيجي للتأثير على المجتمع. يُعدّ هذا الملتقى فرصة هامة للباحثين والأكاديميين من مختلف الجامعات الجزائرية والعالمية للالتقاء وتبادل الأفكار حول موضوعات فكرية تشغل الساحة الأكاديمية. يتوجه الملتقى إلى التفكير في كيفية تطوير الأبحاث الفلسفية واللغوية في الجزائر، ومدى تأثيرها في المسار العلمي العالمي. سيشمل الملتقى جلسات نقاش وورش عمل تتيح للمشاركين التفاعل مع قضايا فلسفية ولغوية معاصرة.