إن الله يبتلي عباده ويختبرهم (وهو أعلم بهم) ليتبين بعد الابتلاء من يثبت على الصراط المستقيم ومن تزيغ به الأهواء في المرتع الوخيم، فمن ثبت على الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح فذلك هو الناجي، ومن سلك طريقا آخر مخالفا لهم فهو الهالك، إن الفتن أيها الإخوة خطافة تخطف كثيرا من الناس إما بسبب الجهل وقلة العلم والتباس الحق بالباطل وإما بسبب الهوى وضعف الصبر عن المغريات والشهوات الحسية أو المعنوية. ولما كنا نعيش هذه الأيام فتنا عظيمة قد تهلكنا إن لم نعتصم منها بالله تعالى ونتمسك فيها بكتابه وسنة نبيه فإليكم جملة من الوصايا العاصمة من الفتن بإذن الله: فأولها: أن يحرص المسلم على تجنب الفتن والخوض فيها وأن يستعيذ بالله منها قال البخاري في صحيحه باب الفرار من الفتن ثم أخرج حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن). وعقد بابا آخر فقال باب التعوذ من الفتن وأخرج فيه حديث أنس وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وكلم الناس فلف كل رجل من أصحابه رأسه في ثوبه يبكي ويقول أعوذ بالله من سوء الفتن. وأخرج الشيخان من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله في صلاته من فتنة المحيا والممات أي من الفتن التي تقع في الحياة ومن الفتن التي تكون بعد الموت كفتنة القبر. والمشاركة اليوم في الفتن سهلة الأسباب مفتحة الأبواب ولا سيما عن طريق إثارتها وتهييجها من خلال الكتابة والتعليق في وسائل الإعلام والاتصالات بمختلف أنواعها. وأخرج البخاري أيضا في صحيحه في باب الفتنة التي تموج كموج البحر عن سفيان ابن عيينة عن خلف بن حوشب قال كانوا أي السلف الصالح كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن قال امرؤ القيس الحرب أول ما تكون فتية * تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها * ولت عجوزا غير ذات حليل شمطاء يُنكر لونها وتغيرت * مكروهة للشم والتقبيل. يعني أنهم كانوا يرددون هذه الأبيات التي تصور عواقب الفتن ومآلها القبيح حتى لا يغتروا بفتنتها وزهرتها في أول أمرها فيكون استحضار سوء عواقبها سببا في البعد عن الخوض فيها ثانيا: لزوم منهج السلف الصالح والثبات عليه فإنه الحق وخلافه الباطل وإنه النجاه وخلافه الهلكة وإنه الرشد وخلافه الضلاله ومن سنتهم وعقيدتهم ومنهجهم لزوم جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولي الأمر وإن جار وظلم وترك التهييج عليه ومغالبته. ففي صحيح مسلم باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة ثم أخرج مسلم حديث حذيفة رضي الله عنه كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال (نعم) فقلت هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال (نعم وفيه دخن) قلت وما دخنه؟ قال (قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي عرف منهم وتنكر) فقلت هل بعد ذلك الخير من شر فقال صلى الله عليه وسلم (نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) فقلت يا رسول الله فقلت يا رسول الله صفهم لنا قال (نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) قلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك قال (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) الحديث ... ومن منهج أهل السنة وأصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الطريقة الشرعية التي لا تفضي إلى منكر أعظم منه فليس من الشرع استنكار مظلمة بطريق تؤدي إلى زيادة الظلم ولا من الشرع استنكار قتل نفس واحدة بطريقة تؤدي إلى قتل المئات والألوف وتعطيل المصالح وتكثير المفاسد.. فلا ينبغي للمسلم أن يغتر بالشعارات والدعايات التي تدعو إلى خلاف هذا المنهج الحق القائم على الكتاب والسنة بدعوى الجهاد أو الثورة أو تغيير المنكر أو أي شعار كان ما دامت حقيقته معارضة لسنة محمد صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: أدب الله المسلمين بأدب عظيم فقال تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فأمر سبحانه عامة المسلمين برد الأمور الكبيرة المتعلقة بأمن الأمة وعزها واجتماعها وحقن دمائها ونحو ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وإلى أولي الأمر فيهم وهم أهل العلم وأهل الحكم حتى يتخذوا فيها من القرارات ما تحصل به المصلحة العامة بخلاف ما إذا دخل فيها من ليس منهم فإن دخولهم يضر ولا ينفع لأنهم يدخلون فيما لا يعرفون حقيقته أو لا يعرفون حكمه أو لا يدركون عواقبه وإنما يتصرفون بحكم العاطفة وربما كان الذي يحرك عواطفهم ويهيجهم من يريد بهم الشر والهلاك من حيث لا يشعرون. فكثير ممن دخل في الفتنة التي قضت على عثمان رضي الله عنه ما كان يعلم أن المهيج المثير لها هو ابن سبا أحد اليهود الذين أظهروا الإسلام وأخذ يكيد له من الداخل حتى حقق كثيرا من أمانيه على أ الرعاع الهمج الجهلة. فإذا كان ذلك قد وقع في العصر الأول فما الظن بالأمر في هذه العصور التي اشتدت فيها العداوة للإسلام من أعدائه واشتدت فيها العداوة للسنة من قبل بعض فرق الضلالة.