* منهج الإئمة الأعلام في التعامل مع ولاة الأمر في كل مكان وزمان * بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد. * فهذه كلمات وجيزة، مبنية على النصوص الشرعية، مؤيدة بالآثار السنية السلفية، تشرح شيئاً مما ينبغي أن يعرفه المسلم عن أحكام معاملة ولاة أمر المسلمين في كل زمان ومكان. * فإن السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معاً، وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا. * وقد عُلِمَ بالضرورة من دين الإسلام : أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بأمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة. جاء ذلك عن عمربن الخطاب – رضي الله عنه - [الدارمي (1/91)]. * قول الله – تعالي - : * يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء 59 * * قال أبو هُريرة لما نَزلت هذه الآية أُمرنا بطاعة الأئمة ، وطاعتُهم من طاعة الله وعصيانُهم من عصيان الله» العقد * الفريد(1/25) * * قال النووي – رحمه الله تعالي - : * (( المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل : هم العلماء ،وقيل : هم الأمراء والعلماء ... )) (( شرح النووي على مسلم )) : ( 12/223 ) . * * أخرج البخاري ومسلم في (( صحيحيهما )) (129) عن أبي هريرة رضي الله عنه -، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : * (( من أطاعني، فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصي الله، ومن أطاع أميري، فقد أطاعني، ومن عصي أميري فقد عصاني )) * وفي لفظ لمسلم : (( ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصى الأمير، فقد عصاني )) * وقد بوب البخاري – رحمه الله – على هذا الحديث في كتاب الأحكام من (( صحيحه ))، فقال : باب قول الله – تعالي – ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ )النساء 59 * قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : * (( وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم : المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد )) ا ه. * أخرج مسلم في (( صحيحه )) (127) عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنهما – قال : * قلت : يا رسول الله ! إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال ((نعم ))، قلت : هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال (( نعم )) قلت فهل وراء الخير شر ؟ قال : (( نعم )) قلت : كيف ؟ قال (( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس )) * قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله – أن أدركت ذلك ؟ * قال : (( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع )). * وهذا الحديث من أبلغ الأحاديث التي جاءت في هذا الباب إذ قد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأئمة بأنهم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته وذلك غاية الضلال والفساد ونهاية الزيغ والعناد فهم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وذلك غاية الضلال والفساد ونهاية الزيغ والعناد، فهم لا يهتدون بالهدي النبوي في أنفسهم ولا في أهليهم ولا في رعاياهم ... ومع ذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعتهم – في غير معصية الله – كما جاء مقيداً في حديث آخر – حتى لو بلغ الأمر إلي ضربك وأخذ مالك، فلا يحملنك ذ لك على ترك طاعتهم وعدم سماع أوامرهم، فإن هذا الجرم عليهم وسيحاسبون ويجازون به يوم القيامة. * فإن قادك الهوى إلي مخالفة هذا الأمر الحكيم والشرع المستقيم، فلم تسمع ولم تطيع لأميرك لحقك الآثم ووقعت في المحظور. * وهذا الأمر النبوي من تمام العدل الذي جاء به الإسلام، فإن هذا المضروب إن لم يسمع ويطع، وذك المضروب إذا لم يسمع ويطع ... أفضي ذلك إلي تعطيل المصالح الدينية والدنيوية فيقع الظلم على جميع الرعية أو أكثرهم، وبذلك يرتفع العدل عن البلاد فتتحقق المفسدة وتلحق بالجميع. * بينما لو ظلم هذا فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج، وسمع وأطاع لقامت المصالح ولم تتعطل، ولم يضع حقه عند الله – تعالي -، فربما عوضه خير منه وربما ادخره له في الآخرة. * وهذا من محاسن الشريعة، فإنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر كذلك، لكانت الدنيا كلها هرجاً ومرجاً، فالحمد لله على لطفه بعباده. * * أخرج مسلم في (( صحيحه )) (126) – وبوب عليه النووي فقال - : باب في طاعة الأمراء وأن منعوا الحقوق، عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال : * سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله ! أرأيت أ، قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ثم سأله ؟ فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية – أو في الثالثة - ؟ فجذبه الأشعث بن قيس، وقال : * (( أسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )) * وفي رواية لمسلم – أيضاً : فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : * (( أسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )) * والمعني : أن الله – تعالي- حمل الولاة وأوجب عليهم العدل بين الناس فإذا لم يقيموه أثموا، وحمل الرعية السمع والطاعة لهم، فإن قاموا بذلك أثيبوا عليه، وإلا أثموا. * * أخرج البخاري في(( صحيحه )) – كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية – ومسلم في (( صحيحه)) كتاب الإمارة (119)، عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : * (( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )). * قوله (( فيما أحب وكره )) أي فيما وافق غرضه أو خالفه. * قال المباركفوري في (( شرح الترمذي )) ((وفيه : أن الإمام إذا أمر بمندوب أو مباح وجب . * قال المطهر على هذا الحديث :(( يعني :سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه، بشرط أن لا يأمره بمعصية فإن أمره بها فلا تجوز طاعته لكن لا يجوز له محاربة الإمام )) (120) ا ه. * وقوله فلا سمع ولا طاعة يعني : فيما أمر به من المعصية فقط، فإذا أمره أن يرابى أو أن يقتل مسلماً بغير حق فلا يسمع له مطلقاً في كل أوامره، بل يسمع له ويطاع مطلقاً، إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة (121). * أخرج البخاري ومسلم في (( صحيحيهما )) (131)، عن عبادة ابن الصامت – رضي الله عنه -، قال : * دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، فكان فيما أخد علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأسره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال : * (( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان )) ،هذا لفظ لمسلم. * وقد أخرجه ابن حبان في (( صحيحه )) (132) بلفظ : (( أسمع وأطع في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثره عليك، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يكون معصية )) * قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - : وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم كما قال على بن أبي طالب -رضي الله عنه- : إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر إن كان فاجرا عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله .وقال الحسن رحمه الله في الأمراء" هم يلون من أمورنا خمسا الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود والله ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا أو ظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون مع أن والله إن طاعتهم لغيظ وإن فرقتهم لكفر". [جامع العلوم والحكم ج1/ص262] * * * قال حرب في (( العقيدة )) التي نقلها عن جميع السلف : (( وإن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه )) ا ه. (122) * قال الإمام البربهاري – رحمه الله - :ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه :« اصبر وإن كان عبدا حبشيا » وقوله للأنصار رضي الله عنهم :« اصبروا حتى تلقوني على الحوض » وليس من السنة قتال السلطان فإنَّ فيه فساد الدنيا والدين . [شرح السنة (ص 29)] * * * قال الفقيه أبو عبد الله القلعيّ الشافعي في كتابه (( تهذيب الرياسة )) (ص 94): نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل ذلك إلا بإمام موجود. لو لم نقل بوجوب الإمامة؛ لأدى ذلك إلى دوام الاختلاف والهرج إلى يوم القيامة. * لو لم يكن للناس إمام مطاع؛ لانثلم شرف الإسلام وضاع. لو لم يكن للأمة إمام قاهر؛ لتعطلت المحاريب والمنابر، وتعطلت السبل للوارد والصادر. لو خلا عصر من إمام؛ لتعطلت فيه الأحكام، وضاعت الأيتام، ولم يُحج البيت الحرام. لولا الأئمة والقضاة والسلاطين والولاة؛ لما نكحت الأيامى ولا كفلت اليتامى. لولا السلطان؛ لكان الناس فوضى، ولأكل بعضهم بعضا )). * قال كعب الأحبار :"مَثل الإسلام والسلطان والناس مَثل الفُسطاط والعمود والأوتاد ،فالفسطاط الإسلام ،والعمود السلطان ،والأوتاد الناس ،ولا يصلح بعضها إلا ببعض ." (العقد الفريد ج1/ص24) * * * فكان السلف الصالح – رضوان الله عليهم – يولون هذا الأمر اهتماماً خاصاً، لا سيما عند ظهور بوادِرِ الفتنة، نظراً لما يترتب على الجهل به – أو إغفاله – من الفساد العريض في العباد والبلاد. * * فصل: * في وجوب عقد البيعة للإمام القائم المستقر المسلم، والتغليظ على من ليس في عنقه بيعة، والترهيب من نقضها. * * قال الإمام البربهاري – رحمه الله تعالى– في كتابه ((شرح السنة)) : (( من ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به؛ فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحدٍ أن يبيت ليلةً ولا يرى أن ليس عليه إمام؛ برَّاً كان أو فاجراً ... هكذا قال أحمد بن حنبل )). * وقد دل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (12/240، النووي) –كتاب الإمارة- أن عبد الله بن عمر جاء إلى عبد الله بن مُطيع –حين كان من أمر الحرة ما كان: زمن يزيد بن معاوية- ، فقال عبد الله بن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً، سمعت رسول الله يقول: (( من خلع يداً من طاعة؛ لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات ليس في عنقه بيعة؛ مات ميته جاهلية )). * وأخرج أيضاً في صحيحه (3/1474) أن النبي قال: (( يكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهُداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس)). قال: حذيفة: كيف أصنع –يارسول الله- إن أدركت ذلك؟ قال: (( تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع )). * وفي مسند الإمام أحمد : لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله، ثم تشهد، ثم قال: (( أما بعد؛ فإننا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله يقول : (( إن الغادر ينصب له لواءٌ يوم القيامة، يقال: هذا غدرة فلان )). * عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من خرج من طاعة ، وفارق الجماعة ، فمات مات ميتته جاهلية » .رواه مسلم برقم (2867) * * * وهو في كتاب الفتن من ((صحيح البخاري)) بالقصة نفسها. قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في الفتح (13/68): (( وفي الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه، وإنه لا ينخلع بالفسق )). * * قال ابن العربي المالكي –رحمه الله- : وقد قال ابن الخياط : (( إن بيعة عبد الله بن عمر رضي الله عنه ليزيد كانت كرهاً. وأين يزيد من ابن عمر؟ ولكن رأى بِدِينِه وعلمه التسليم لأمر الله، والفرار من التعرض لفتنة فيها ذهاب الأموال والأنفس ما لا يفي بخلع يزيد، لو تحقق أن الأمر يعود في نصابه، فكيف ولا يعلم ذلك؟ * قال: وهذا أصل عظيم، فتفهموه والزموه، ترشدوا – إن شاء الله -)). انتهى من ((الاعتصام)) للشاطبي (3/46-47) * * قال حنبل –رحمه الله- [السنة للخلال (ص113)] : (( اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله وقالوا له: إن الأمر تفاقم وفشا –يعنون: إظهار القول بخلق القرآن، وغير ذلك- ولا نرضى بإمارته، ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك، وقال: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دمائكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح برٌ، ويستراح من فاجر. وقال: ليس هذا – يعني: نزع أيديهم من طاعته– صواباً، هذا خلاف الآثار )). * قال الإمام البربهاري –رحمه الله- : فمن السنة لزوم الجماعة و من رغب غير الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وكان ضالا مضلا .[شرح السنة ص 21] * * * فصل : * في من غلب فتولى الحكم واستُتب له؛ فهو إمام تجب بيعته وطاعته، وتحرم منازعته ومعصيته * * قال الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة التي رواها عنه عبدوس بن مالك العطار [الأحكام السلطانية: ص23]: (( ... ومن غلب عليهم – يعني: الولاة – بالسيف؛ حتى صار خليفة، وسمَّي أمير المؤمنين؛ فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً؛ براً كان أو فاجراً )). * واحتج بما ثبت عن ابن عمر أنه قال: (( ... وأصلي وراء من غلب )). * * قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ولعلّه لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلاّ وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته. منهاج السنة النبوية (3/391) * * * * وقال - رحمة الله - في مجموع الفتاوى 35/12 : (وأما أهل العملوالدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه كما قد عرف من عادات السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم) . * * وقد حكى الإجماع على ذلك الحافظ بن حجر في الفتح فقال: (( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء )). * وقد حكى الإجماع – أيضاً- الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى - فقال: (( الأمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد – أو بلدان – له حكم الإمام في جميع الأشياء ... )). * * * وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية(3/168)]: (( وأهل العلم ... متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف، يرون نفوذ أحكامه، وصحة إمامته، لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف، وتفريق الأمة، وإن كان الأئمة فسقه، مالم يروا كفراً بواحاً، ونصوصهم في ذلك موجودة عن الأئمة الأربعة وغيرهم وأمثالهم ونظرائهم )). * * * * * * فصل : * * في بيان حقوق السلطان على الأمة * * * * قال الإمام بدر الدين ابن جماعة في كتابه: ((تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام)) (ص61-71) : (( للسلطان والخليفة على الأمة عشرة حقوق: * الحق الأول: بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً، في كلِّ ما يأمر به أو ينهى عنه إلا أن يكون معصية؛ قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } ، وأولو الأمر هم: الإمام ونوّابه –عند الأكثرين-. وقال النبي : (( السمع والطاعة على المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية )). فقد أوجب الله تعالى ورسوله: طاعة ولي الأمر، ولم يستثن منه سوى المعصية، فبقي ما عداه على الامتثال. * الحق الثاني: بذل النصيحة له سراً وعلانية. قال رسول الله : (( الدين النصيحة))، قالوا: لمن؟ قال: (( لله، ولرسوله ، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم )).([1]) * الحق الثالث: القيام بنصرتهم باطنا وظاهراً ببذل المجهود في ذلك لما فيه نصر المسلمين وإقامة حرمة الدين، وكف أيدي المعتدين. * الحق الرابع: أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله تعالى له من الإعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مع زهدهم وورعهم، وعدم الطمع فيما لديهم، وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم؛ فليس من السنة. * الحق الخامس: إيقاضه عند غفلته، وإرشاده عند هفوته؛ شفقة عليه، وحفظاً لدينه وعرضه، وصيانة لما جعله الله إليه من الخطأ فيه. * الحق السادس: تحذيره من عدو يقصده بسوء، وحاسد يرومه بأذى، أو خارجيٍّ يخاف عليه منه، ومن كل شيءٍ يخاف عليه منه –على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه-؛ فإن ذلك من آكد حقوقه وأوجبها. * الحق السابع: إعلامه بسيرة عماله، الذين هو مطالب بهم، ومشغول الذمة بسبهم؛ لينظر لنفسه في خلاص ذمته؛ وللأمة في مصالح ملكه ورعيته. * الحق الثامن: إعانته على ما تحمله من أعباء الأمة، ومساعدته على ذلك بقدر المكنة، قال الله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } ، وأحق من أعين على ذلك ولاة الأمر. * الحق التاسع: ردٌّ القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه؛ لما في ذلك من مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة. * الحق العاشر: الذب عنه بالقول والفعل، وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن، والسر والعلانية. * وإذا وفّت الرعية بهذه الحقوق العشرة الواجبة، وأحسنت القيام بمجامعها، والمراعاة لمواقعها؛ صفت القلوب وأخلصت، واجتمعت الكلمة وانتصرت )). * * فصل: * * في كيفية الإنكار على الأمراء * * * * الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، به يظهر الخير ويعم، ويختفي الباطل ويضمحل. * وقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكّام وسطاً بن طائفتين: * أحدهما: الخوارج والمعتزلة، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً. * والأخرى: الروافض الذين أضفوا على حكامهم القداسة، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة. * وكلا الطائفتين بمعزل عن الصواب، وبمنأى عن صريح السنة والكتاب. ووفق الله أهل السنة والجماعة –أهل الحديث- إلى عين الهدى والحق، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة، وكان عليها سلف هذه الأمة. ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكرات، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس، لما ينجم عن ذلك –غالباً- من تأليب العامة، وإثارة الرعاع، وإشعال الفتنة. * * يقول العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز –رحمه الله تعالى: (( ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع. ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجّه إلى الخير)). * وهذا الذي قرره الشيخ – رحمه الله تعالى- هو امتداد لما عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك مسلكهم من أهل العلم والدين. * ففي مسند الإمام أحمد: أن عياض بن غنم جلد صاحب (دارا) حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول، حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم، فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي يقول: (( إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس )). فقال عياض بن غنم: يا هشام بن حكيم! قد سمعنا ما سمعت، ورأينا ما رأيت، أولم تسمع رسول الله ويقول: (( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له))، وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله –تبارك تعالى-.)) صححه الألباني في ((ظلال الجنة)) (2/521-522). * * قال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (4/556): (( ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله. وقد قدمنا: أنه لا يجوز الخروج على الأئمة، وإن بلغوا في الظلم أيّ مبلغ ما أقاموا الصلاة، ولم يظهر منهم الكفر والبواح. والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة )). * * سأل أبو الحارث الإمام أحمد رحمه الله في أمر كان حدث في بغداد، وهمَّ قوم بالخروج ،قال قلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: "سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه -يعني أيام الفتنة-". * قلت: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: "وإن كان فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به. السنة للخلال (89) * * وفي طبقات ابن أبي يعلى (1/144) في ترجمة حنبل بن إسحق -ابن عم الإمام أحمد-: "قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله في ولاية الواثق، وشاوروه في ترك الرضا بإمرته وسلطانه فقال لهم: عليكم بالنُّكرة في قلوبكم ولا تخلعوا يدًا من طاعة ولا تشقوا عصَا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين، وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ضربك فاصبر؛ فأمر بالصبر". اه * والواثق هو ابن المعتصم سار على نهج أبيه في القول بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى في الآخرة، وامتحن الناس على ذلك، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي -رحمه الله- أحد أصحاب الإمام أحمد-رحمه الله-، ومع هذا لم يأمر أحمد بالخروج عليه، أو الثورة على ظلمه؛ وذلك حفظًا لدماء المسلمين،ودرأً للفتنة. * * * وأخرج البخاري، ومسلم في ((صحيحيهما))، عن أسامة بن زيد، أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: (( أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أوّل من فتحه )). * * وذكر الحافظ ابن رجب في (جامع العلوموالحكم1/225) أن ابن عباس - رضي الله عنهما - سئل عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عنالمنكر . فقال (إن كنت فاعلاً ولابد ففيما بينك وبينه ) . * وقيل : سمع الحسن - رحمه الله - رجلا يدعو على الحجاج، فقال : لا تفعل _رحمك الله _إنكم من أنفسكم أتيتم إنمانخاف إن عزل الحجاج أو مات: أن تليكم القردة والخنازير . [آداب الحسن البصري لابن الجوزي 116] * * قال ابن الصلاح - رحمه الله - : ( ومعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتنبيههم وتذكيرهم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك . (صيانة صحيح مسلم 2/38) * وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ :قِيلَ لَهُ أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ ".رواه البخاري برقم (6685) ومسلم برقم (2989) واللفظ له * قال الشيخ ابن باز معلقاً على أثر أسامة رضي الله عنه :" لما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه و أنكروا على عثمان رضي الله عنه جهرة تمت الفتنة و القتال و الفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي و معاوية و قتل عثمان و على بأسباب ذلك و قتل جم كثير من الصحابة و غيرهم بأسباب الإنكار العلني و ذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم و حتى قتلوه نسأل الله العافية ". المعلوم23 و المعاملة 44 . * * قال العلامة الألباني في تعليقه على ((مختصر صحيح مسلم)) (335): (( يعني: المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملاء؛ لأن في الإنكار جهاراً ما يخشى عاقبته، كما اتفق في الإنكار على عثمان جهاراً، إذ نشأ عنه قتله )) * * و قال الشيخ ابن باز :" الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم و بين السلطان و الكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير . المعلوم 22 * * * * فصل : * * في الصبر على جور الأئمة وظلمهم * * قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الفتاوى)) (28/179) :(( الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة )). * أخرج البخاري في صحيحه (5/13) ومسلم في صحيحه(3/1477) عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما-، أن النبي قال: (( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبراً، فمات؛ فميتةُ جاهلية)). * قال ابن مجلزة رحمه الله : (( المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنى بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق )). * * جاء في ((الشريعة)) للآجري (ص38) : عن عمرو بن يزيد، أنه قال: ((سمعت الحسن –أيام يزيد بن المهلب يقول - وأتاه رهط - فأمرهم أن يلزموا بيوتهم، ويغلقوا عليهم أبوابهم، ثم قال: (( والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبورا ما لبثوا أن يرفع الله –عز وجل- ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف، فيوكلون إليه، ووالله ما جاؤوا بيوم خيرٍ قط، ثم تلا: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } )). * وقيل: سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال: (( لا تفعل – رحمك الله- ؛ إنكم من أنفسكم أٌتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات: أن تليكم القردة الخنازير )). آداب الحسن البصري لابن الجوزي ص 116 * تليكم : تحكمكم وتتولى أمركم * * فصل: * * في النهي عن سب الأمراء * * الوقيعة في أعراض الأمراء، والاشتغال بسبهم، وذكر معايبهم خطيئة كبيرة، وجريمة شنيعة، نهى عنها الشرع المطهر، وذم فاعلها. وهي نواة الخروج على ولاة الأمر، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً. * وقد عُلِمَ أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فكل نص في تحريم الخروج وذم أهله، دليل على تحريم السب، وذم فاعله. * * أخرج الترمذي في سننه (7/149)، عن زياد بن كسيب العدوي، قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر –وهو يخطب وعليه ثياب رقاق-، فقال أبو بلال: أنظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق. فقال أبو بكرة: اسكت؛ سمعت رسول الله يقول: (( من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله )). حسنه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (5/376). * * وأخرج ابن أبي عاصم في السنة (2/488)، عن أنس بن مالك، قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال: (( لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشّوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا؛ فإن الأمر قريب )). وإسناده جيد. * * وعن عمرو البكالي قال: سمعت رسول الله يقول: (( إذا كان عليكم امراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة؛ حلت لكم الصلاة خلفهم، وحرم عليكم سبهم )). قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (7/152) : سنده صحيح * وأخرج البيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/48)، عن ابي الدرداء –رضي الله عنه-، أنه قال: (( إن أوّل نفاق المرء طعنه في إمامه )). * * وأخرج ابن سعد في ((الطبقات)) (6/115): عن هلال بن أبي حميد، قال: سمعت عبد الله بن عكيم يقول: (( لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان )). فيقال له: يا أبا معبدٍ أو أعنت على دمه؟! فيقول: (( إني أعد ذكر مساويه عونا على دمه )). إسناده صحيح. * وقيل : سمع الحسن - رحمه الله - رجلا يدعو على الحجاج، فقال : لا تفعل _رحمك الله _إنكم من أنفسكم أتيتم إنمانخاف إن عزل الحجاج أو مات: أن تليكم القردة والخنازير . [آداب الحسن البصري لابن الجوزي 116] * * فمن خالف هذا المنهج السلفي، واتبع هواه، فلا ريب أن قلبه مليء بالغلّ، إذ إنَّ السباب والشتام ينافي النصح للولاة، وقد ثبت عن النبي أنه قال: (( ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئٍ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين )). * * قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى - : على الناس أن يغضوا عن مساويهم – أي الملوك والأمراء - ولا يشتغلوا بسبهم بل يسألون الله لهم التوفيق ؛ فإن سب الملوك والأمراء فيه شر كبير وضرر عام وخاص وربما تجد السَّاب لهم لم تحدثه نفسه بنصيحتهم يوماً من الأيام وهذا عنوان الغش للراعي والرعية اه. [ نور البصائر والألباب (66)]. * * و قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :" ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة و ذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات و عدم السمع و الطاعة في المعروف و يفضي إلى الخروج الذي يضر و لا ينفع " . المعلوم 22 و المعاملة 43. * * * * أول من بدأ بالطعن على أئمة المسلمين وولاتهم * * الطعن في الأمراء –تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- بدعة سَبَئِيَة، ابتدأها عبد الله بن سبأ؛ لتفريق الأمة، وإشعال الفتن بين أبنائها، وكان نتاج بدعته هذه: قتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه. * * * فصل: * في عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه * * التثبيط عن ولي الأمر له صور عديدة، بعضها أشد من بعض، وكذا إثارة الرعية عليه. * فإذا دعا رجل إلى التثبيط –أو الإثارة-، فإن لوليِّ الأمر إيقاع العقوبة المتلائمة مع جرمه؛ من ضرب، أو حبس، أو نفي ... لأن التثبيط والإثارة من أعظم مقدمات الخروج، والخروج من أشنع الجرائم وأبشعها؛ فكان ما يفضي إليه كذلك. * * قال الشوكاني –رحمه الله- في ((السيل الجرار)) (4/514): في شرح قول صاحب ((الأزهار)): ((ويؤدب من يثبط عنه أو ينفى، ومن عاداه فبقلبه مخطئ، وبلسانه فاسق، وبيده محارب))، * قال:(( وأما قوله: ويؤدب من يثبط عنه؛ فالواجب دفعه عن هذا التثبيط، فإن كفّ، وإلا كان مستحقاً لتغليظ العقوبة، والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط، بحبس أو غيره؛ لأنه مرتكب لمحرم عظيم، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء، وتهتك عندها الحرم، وفي هذا التثبيط نزعٌ ليده من طاعة الإمام. وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، إنه قال: (( من نزع يده من طاعة الإمام، فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وهو مفارق للجماعة؛ فإنه يموت موتة جاهلية)). * * وقال ابن فرحون في ((تبصرة الحكام)) (1/227): (( ومن تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين؛ لزمته العقوبة الشديدة، ويسجن شهراً. ومن خالف أميراً، وقد كرر دعوته؛ لزمته العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام)). اه. * قال الإمام أحمد-رحمه الله-:« ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وضع كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق». طبقات الحنابلة (1/244) * وقال أيضا : ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة. [أصول السنة ج1/ص46] * * قال اللالكائي : ويحل قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله أو ما دون نفسه فله أن يقاتل عن نفسه وماله حتى يدفع عنه في مقامه وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يَتَبِع آثارهُم وقد سَلِمَ مِنْهُم ذَلِكَ إلى اللأئمة إنما هو يدفع عن نفسه في مقامه وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا فإن أتى على يده في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول وإن قتل هو في ذلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجونا له الشهادة كما في الأثر. اعتقاد أهل السنة ج1/ص168 * * * وبهذا يعلم أن إثارة الرعية على الولاة، وتأليب العامة عليهم، داء عضال، تجب المبادرة إلى كيه، وورم خبيث يتعين استئصاله، لئلا يستفحل فيخرج خبثه، فيستحكم البلية وتعظم الرزية، ولا ينفع الندم عندئذٍ. * * * فصل: * في مشروعية الدعاء لولاة الأمر بالصلاح * * صلاح ولاة الأمر مطلبٌ لكل مسلم غيور على دينه، إذ صلاحهم صلاح للعباد والبلاد، ولقد اعتنى علماء المسلمين بهذه القضية عنايةً واضحة، وتجلت في صور ناصعةٍ رائعةٍ، منها: * أولاً : إيداع الأمر بالدعاء لهم في مختصرات العقائد، التي يطالب المسلم باعتقاد ما فيها. * * ثانياً : جعل بعض العلماء المحققين علامة من كان سنياً سلفياً: الدعاء لولاة الأمر، وعكسه من كان مبتدعاً ضالاً، دعا على ولاة الأمر. * · وإليك –أيها الموفق- بعضاً مما جاء عن أهل السنة المرضيين في ذلك: * * قال ابن رجب –رحمه الله - :«والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك» ،جامع العلوم والحكم (1/80) * * * * * قال شيخ الإسلام - رحمه الله - (الفتاوى 28/390) :- ولهذا كان السلف - كالفضيل بن عياضوأحمد بن حنبل وغيرهم يقولون : (لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان ) . * قال الإمام الطحاوي : ولا نرى الخروج على أئمتنا و ولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة مالم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح و المعافاة * * * قال الإمام البربهاري –رحمه الله- في ((شرح السنة)) (ص113): (( وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة –إن شاء الله-)). * * - أخرج أبو نعيم في الحلية : عن عبد الصمد البغدادي قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: (( لو أن لي دعوة مستجابة، ما صيرتها إلا في الإمام. قيل: وكيف ذلك يا أبا عليّ؟، قال: متى صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام –يعنى: عمّت-؛ فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد ... فقبل ابن المبارك جبهته، وقال: يا معلم الخير! من يحسن هذا غيرك؟ )). واسناده صحيح. * * - أخرج الخلاّل في ((السنة)) (1/83) : أن الإمام أحمد قال عن الإمام: ((وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار، والتأييد، وأرى ذلك واجباً علي)). * وقال: (( لئن حدث به حدث؛ لتنظرن ما يحلُّ بالإسلام)). * * - قال ابو عثمان الصابوني، المتوفى سنة (449) في ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)): ((ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، وبسط العدل في الرعية)). * عن عياض بن غنم الأشعري أنه قال لحكيم بن هشام ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من كان عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه علانية وليخلو به فإن قبلها وإلا أدى ما عليه وله» ، التاريخ الكبير (7/18) * * رسالة مهمة * من رسائل العالم العلامة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى * من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الشيخ ... ... ... المحترم سلمه الله * السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، * بلغني أن موقفك مع الأمارة ليس كما ينبغي، وتدري -بارك الله فيك- أن الأمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية، وليس شرطها أن لا يقع منها زلل، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير، ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد وإفتاء بين المتخاصمين، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر، وبنيّة خالصة، تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين. ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير – أو العثرات- نصب عينيك والقاضية على فكرك، والحاكمة على تصرفاتك، بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجبه الله من حق الأمارة والسمع والطاعة لها؛ وإنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين، ولم تفعل ذلك أصلاً، إلا أنها غير معصومة فقط. فأنت كن وأياها أخوين؛ أحدهما: مبيّن واعظ ناصح، والآخر: باذل ما يجب عليه، كافُّ عن ما ليس له؛ إن أحسن دعا له بالخير ونشط عليه، وإن قصر عومل بما أسلفت لك. ولا يظهر عليك عند الرعية -ولا سيّما المتظلمين بالباطل- عتبك على الأمير وانتقادك إياه؛ لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء؛ وغير ما تعبّدت به، إنما تعبّدت بما قدمت لك ونحوه، وأن تكون جامع شمل لا مشتت، مؤلف لا منفر، واذكر وصية النبي لمعاذ وأبي موسى: (( يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تخالفا )). وأنما لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك وللأمير ولكافة الجماعة ولإمام المسلمين، والله ولي التوفيق، والسلام عليكم. [مجموع الفتاوى له (12/182)] * * وبعد: فهذه جملة مختارة من نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف تكفي وتغني لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. * وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين * جمع وترتيب * أخوكم ومحب الخير لكم * العياشي العربي