أقرّ البرلمان النمساوي الأربعاء الماضي تشريعا جديدا يتعلّق بإدارة وضع الجالية المسلمة في البلاد، كما قال وزير الاندماج اليميني سيباستيان كورتز، ويهدف القانون إلى أوهام ظاهرة وحقائق باطنة، فمن بين الأوهام الظاهرة الهشّة التي لا تتعدّى موضع الكلام فقط (منح المزيد من الحقوق للمسلمين)، لا تعرف كيف ومتى فقط لا تتعدّى سوى الكلام وليس بشكل صريح، لكن الأمر الباطن يكمن في ما أطلقوا عليه مكافحة التطرّف وحظر تمويل المسلمين من أيّ جهات أجنبية، وهو ما جعل البعض يقرأه على أنه ما شرّع إلاّ للتضييق على المسلمين عكس ما تداوله البرلمان عنوانه يحتوي على مواد تؤثّر بشكل سلبي على الحياة الدينية للمسلمين المقيمين في النمسا حتى قيل إنه يرجع بالبلاد إلى مائة عام للوراء. من أهمّ ما جاء في بنود هذا القانون ما يلي: 1 - يشدّد القانون الجديد على حظر تمويل الأئمة بواسطة أموال أجنبية، الأمر الذي يؤثّر بشكل مباشر على 65 إماما تركيا في المساجد بالنمسا. وبعد دخول القانون حيّز التنفيذ بعام واحد فإنه يتوجّب على الأئمة القادمين من خارج النمسا مغادرتها، وتعتزم الحكومة اِستبدال الأئمة القادمين من الخارج بأولئك الذين يتمّ تأهيلهم في النمسا. 2 - يحظر القانون بشأن الإسلام، أي تمويل أجنبي للمنظّمات الإسلامية، وبذلك فإنه يتيح إمكانية إلغاء أنشطة الجماعات الدينية بدعوى (الأمن)، حيث ينصّ على (إمكانية إلغاء الأنشطة التي يُعتقد أنها قد تؤدّي إلى تقييد أمن المجتمع والنّظام والصحّة أو الأمن القومي أو أمن أو حقوق أو حرّية الأفراد الآخرين). 3 - يقضي أن تقدّم أيّ جماعة تزعم أنها تمثّل مسلمي النمسا ترجمة ألمانية قياسية للقرآن، وهو ما يخوّل القانون مجلس الوزراء صلاحية الاعتراف وإلغاء الجماعات الدينية وتتيح لحكومة يمينية متطرّفة (في حال وصولها إلى الحكم) إلغاء الجماعات والجمعيات الخاصّة بالمسلمين. 4 - يتضمّن عبارات تنطوي على النّظر بعين الشكّ للمسلمين من قبيل: (على المسلمين أن يتّخذوا موقفا إيجابيا من الدولة والمجتمع) و(عدم القيام بأعمال غير قانونية) و(الالتزام بالقوانين)، وهي عبارات مخالفة لمبادئ المساواة وحظر التمييز. يتضمّن النصّ كذلك وللمرّة الأولى منح المسلمين الحقّ في أن يكون لهم رجال دين داخل الجيش والمستشفيات ودور التقاعد والسجون، إضافة إلى حقّ تناول الأطعمة الحلال، بما في ذلك في المدرسة الحكومية، وتعدّ هذه هي الميزة الوحيدة من القانون رغم أنه لم ينصّ عليها بشكل صريح. وبرّر مجلس التشريع النمساوي هذا القانون بأنه يسعى إلى الحدّ من سيطرة ما سمّاهم المتطرّفين على عقول الشباب بعد انضمام قرابة 200 شخص، حسب التقديرات، بينهم نساء وقصّر من النمسا إلى صفوف الجهاديين في سوريا والعراق، خاصّة تنظيم الدولة الإسلامية. ونقلت (الأناضول) عن أبرز شخصية مسلمة في النمسا وهو التركي (محمد جورميز)، منتقدا هذا القانون الذي تموّل بلاده الكثير من الأئمة أن القانون الجديد يمثّل (تراجعا مائة عام إلى الوراء)، مؤكّدا عدم حصول أيّ شكاوى متعلّقة بتدريس الإسلام التركي، وتابع: (إن هذا القانون لا يليق بالنمسا ولا بتاريخها، وإن القانون فيه الكثير من المواد التي تحمل في طياتها مشاكل كبيرة من حيث النّظر في المكتسبات الأوروبية، وأعتقد أن محكمة حقوق الإنسان ستعيد هذا القانون). في المقابل، وافقت أبرز هيئة إسلامية في البلاد متمثّلة ب (السلطات الدينية الإسلامية في النمسا) التي يمنحها القانون صفة مؤسساتية على النصّ مع بعض التحفّظات، في حين أعلنت الكثير من المنظّمات أنها ستعترض على نصّ القانون أمام المجلس الدستوري. وأشار (غورمز) إلى أن (جهود الدول الأوروبية بإنشاء إسلام خاص بها كجزء من سياستها التكاملية والأمنية بدل التخلّص من موجة الإسلاموفوبيا التي بدأت ضد المسلمين وتعزيز ثقافة العيش المشترك جهود لا طائل منها، ودعا مسلمي النمسا إلى (التعاطي مع هذا القانون بنضج عالٍ وبالصبر، وأن يكون ردّ فعلهم وفق الإطار الديمقراطي والإيضاح العلمي). وما يزال الغرب يتلاعب بالمسلمين ليس فقط فى النمسا الذين يبلغ عددهم ويبلغ عدد المسلمين في النمسا يزيد عن 560 ألف مسلم من أصل 8.58 مليون تعداد سكان البلاد، حسب آخر الإحصاءات في شهر جانفي الماضي، بل في كلّ دولة أوروبية ويضيّقون عليهم في حياتهم تحت مسمّيات اِخترعوها مثل (الأرهاب)، لا صلة للمسلمين ولا الإسلام بها، وبين كلّ هذه التحدّيات يضرب المسلمون أروع الأمثلة في الديمقراطية واِحترام الآخر والنّظام ويقرّرون اللّجوء إلى القضاء ليس إلاّ.