ينشغل العالم بالإسلام والمسلمين موسمياً. مواسم تزدهر ومواسم يخفت الاهتمام، وبين موسم وموسم، وبينما يلتهي العالم بقضايا أخرى، ثمّة مصانع لا تتوقف آلاتها عن العمل. ثمّة مصانع تجنّد موظفين وعاملين للخروج بمصنوعها بحلّته الأفضل: مصانع الإسلاموفوبيا. ليس الكلام عاطفياً، ولا دينياً. الكلام علمي، بالأرقام والإحصاءات والأسماء، وقد وثّقها كلها (مركز التقدّم الأمريكي) في دراسته التي صدرت في شهر فيفري الماضي، بعنوان Fear inc 2.0 . وفي هذه الدراسة أرقام مرعبة: منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 والعام 2009، صرفت 7 مؤسسات مصنّفة خيرية، 42.6 مليون دولار لبثّ دعاية ونظريات معادية للإسلام في أمريكا. ولاقتها في منتصف الطريق، عشرات المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام المحافظة ورجال السياسة، ليشكّلوا (لوبياً) معادياً للإسلام في المجتمع الأمريكي. ورغم ما رصدته الدراسة من تطوّر في الثقافة الأمريكية، ورفضها وتهميشها للكثير من الوجوه العنصرية ضدّ المسلمين، لا تزال أصوات جمعيات ومؤسسات إعلامية وسياسية كثيرة مسموعة. كيف تصنع الإسلاموفوبيا؟ يكاد يكون اسم فرانك غافني هو الأشهر في شبكة صناعة العنصرية ضدّ المسلمين. من هو غافني؟ هو مسؤول سابق في إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وهو مدير (مركز السياسة الأمنية) في واشنطن. المركز الذي يلعب الدور الأبرز في شبكة الإسلاموفوبيا، منذ عقود يكرر غافني جملة شهيرة، يتمّ تناقلها في الإعلام الأمريكي، بعد كل مواجهة أو عمل إرهابي يرتكبه متطرفون إسلاميون: (الإسلام أكبر خطر على الولاياتالمتحدة منذ نشأتها). لكن كيف يتغلغل هذا الخطاب في عقول الأمريكيين؟ ببساطة أكبر بكثير من الشعارات والأرقام. بالتهويل بوجود خلية ضخمة ل(الإخوان المسلمين في أمريكا) تعمل على التغلغل في الحياة السياسية، من خلال تقديم وجه حضاري للإسلام. وقد أسّس غافني نفسه لهذه النظرية، لتنتشر بسرعة خارقة في السنوات العشر الأخيرة. ويعتمد في نظريته هذه على شواهد من الحياة اليومية: تحوّل عيد الفطر إلى يوم عطلة مدفوع الأجر للموظفين، حصول المسلمين على وقت خلال دوام العمل للصلاة، بناء المساجد، انتشار المراكز الإسلامية، (غزو المدارس الرسمية بعدد كبير من الطلاب المسلمين)، الترويج لنظام مصرفي (شرعي) يرفض الفوائد على الأموال... ببساطة، توزّع هذه المعلومات داخل شبكة الإسلاموفوبيا، وتخرج بسلاسة على وسائل الإعلام المحافظة، وعلى ألسنة السياسيّين في خطاباتهم. الانتقال من الشعبوية إلى التنظيم إن كانت شبكة الإسلاموفوبيا تراهن بشكل أساسي، على الوصول إلى المواطنين الأمريكيين بشكل مباشر، من خلال خطاب شعبوي تافه عن (تنظيم الإخوان المسلمين)، و(أسلمة أمريكا) و(تحجيب النساء)، واجتياح المأكولات الحلال الأسواق، فإنها تعمل بالتوازي على جبهة أخرى: الأجهزة الأمنية. والدليل الفاقع على هذه الحقيقة هو ما يعرف بتدريبات محاربة الإرهاب. وهي التدريبات التي ازدهرت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وقد نجحت شبكة رهاب الإسلام في التغلغل بهذه الشبكات، فتولت هذه التدريبات شخصيات اشتهرت بمعاداتها للإسلام، وليس معاداتها للإرهاب. كما أصدر الFBI كتيّباً يحتوي على صفحات مليئة بالعنصرية ضد المسلمين، كما غزت الكتب العنصرية والمسيئة للمسلمين، مكاتب المؤسسات الأمنية. ويليام غاوثروب، وهو أحد مدربي عناصر ال(أف بي آي)، لعب دوراً رئيسياً في الترويج لمعاداة الإسلام، بين عناصر الجهاز الأمني الأمريكي: كل مسلم مشتبه به، والعنف مع من لا يتجاوب من المسلمين أمر مقبول وطبيعي. هذا أبرز ما نصت عليه التدريبات. ومع غاوثروب هناك وليد شعيب، أو (الإرهابي التائب) الذي أعطى عناصر FBI خبرته في التنظيمات الإرهابية، ليصل إلى خلاصة أن (كل المنظمات الإسلامية هي العدو الأول لأمريكا). من هم أعضاء شبكة الإسلاموفوبيا؟ يقسّم أعضاء هذه الشبكة إلى ثلاث فئات: المنظّمات، المانيون، المؤسسات الدينية والمؤسسات الإعلامية. يعمل أغلب هؤلاء بشكل بعيد عن الأضواء، وعلى هامش الحياة اليومية في أمريكا. لكن على هذا الهامش ملايين الدولارات التي تصرف، وملايين المواطنين الذين يتلقون بروباغندا مخيفة. وفي ما يلي أبرز أعضاء هذه الشبكة. المنظّمات: (مجتمع الأمريكيين للوجود الوطني) التي يرأسها ديفيد يروشالمي، ثمّ (منتدى الشرق الأوسط). أما ثالث منظمة والتي تقدّم نفسها كمنظمة تدافع عن حرية التعبير، فهي (أوقفوا أسلمة أمريكا)، و(مرصد الجهاد)، و(مركز دايفيد هوروفيتز للحرية)، و(مركز السياسة الأمنية)، ومشروع كلاريون)... أما المانحون، والذين يموّلون مادياً الشبكة بملايين الدولارات، فهم بشكل أساسي ثمانية مانحين هم: donors capital fund الذي منح بين العامين 2005 و2012 نحو 27 مليون دولار لمنظمات وشخصيات، للترويج لخطاب معاد للإسلام. ثمّ مؤسسات الملياردير ريتشارد ميلون سكايف، ثمّ منظمة ليند وهاري برادلي، ومعها منظمة نيوتن د. ووروتشيل بيكير. إلى جانب هؤلاء هناك منظمة راسيل بيري، ومنظمة فيربوك، ومنظمة ألان وهوب وينترز، وأخيراً صندوق عائلة ويليام روزنوالد. من جهتها، تتشابه المؤسسات الدينية التي تروّج لهذا الخطاب على منابرها، وفي مؤسساتها الدينية والتعليمية بشكل أساسي، وهي في أغلبها مؤسسات مسيحية إنجيلية محافظة، ومؤسسات يهودية تنشط في الولاياتالمتحدة، وتعتبر جزءاً من اللوبي الديني اليهودي في الولاياتالمتحدة. المؤسسات الإعلامية: أبواق العنصرية المؤسسات الإعلامية تشكل منبراً يتجسّد فيه المنتج النهائي لمصنع الإسلاموفوبيا في الولاياتالمتحدة. وإن كان دور بعض المؤسسات الشهيرة معروفاً، وعلى رأسها شبكة (فوكس نيوز) التي تتواطأ في أغلب الأحيان، بشكل غير مباشر مع شبكة صناعة الكراهية ضد المسلمين، من خلال استضافة وترويج وجوه تعتبر أساسية في مصنع الإسلاموفوبيا، فإن الدور الأخطر تلعبه الإذاعات المحلية. وهي إذاعات تصل إلى ملايين المشاهدين، من دون أن تحظى بأي اهتمام خارج الولاياتالمتحدة، لذلك يبقى الكلام عنها بعيداً عن الإعلام، رغم أنها المحرك الرئيسي لشبكة رهاب الإسلام. ما هي هذه الإذاعات؟ وما هي برامجها المخصّصة لتشويه صورة الإسلام؟ (راش ليمبو شو) الذي تبثّه أكثر من 600 إذاعة محلية في الولاياتالمتحدة، هو أشهر برنامج توك شو. البرنامج هو الذي روّج لصورة باراك أوباما كمسلم، وهو السبب الرئيسي في أن 18 في المئة من الأمريكيين ظنوا فعلياً أن أوباما مسلم. إلى جانبه هناك برنامج (شون هانيتي) الذي يصل إلى 14 مليون مستمع أمريكي، ويركّز أيضاً على أصول أوباما الدينية في إطار التهجّم عليه، (لعدم اتخاذه تدابير حازمة ضدّ المسلمين). يليه برنامج (ذي سافادج نايشن)، ثمّ برنامج (غلين بيك) الذي يربط دائماً بين المسلمين والإرهاب، على اعتباره ربطاً تلقائياً. ثمّ هناك برنامج (ماريك ليفين) المخصّص بفتح هوائه، للأصوات المعادية للوجود المسلم في الولاياتالمتحدة.