بعد الهجوم على مجلة (شارلي إيبدو) في العاصمة الفرنسية باريس في أوائل الشهر الحالي، انتشرت في وسائل الإعلام الغربي الكثير من التقارير عن المخاوف من ردة الفعل ضد المسلمين؛ من مظاهرات معادية للإسلام في ألمانيا، إلى هجمات على المساجد والمراكز الاجتماعية في فرنسا. وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى التوتر بين الإسلام والمجتمعات الغربية، تركز منظمة لحقوق الإنسان في مدينة نيويوركالأمريكية على الظاهرة غير المعروفة، وهي العنصرية والتمييز داخل المجتمعات الإسلامية ذاتها. وتعد منظمة (مسلم آرك) (التعاون الإسلامي لمكافحة العنصرية) مؤسسة تعليمية في مجال حقوق الإنسان تهدف للتصدي للعنصرية بين المسلمين عبر التعليم والتثقيف والدعوة والتوعية، ولا سيما في الولاياتالمتحدة. وأوضحت مارغري هيل مديرة البرامج في (مسلم آرك) أن الجالية المسلمة في أمريكا الشمالية من (أكثر الجاليات المسلمة تنوعا، وهو ما يجعلها نموذجا مصغرا للأمة الإسلامية. وتشير إحدى الدراسات التي نجريها إلى أن نحو 62 في المائة من المسلمين المقيمين في أمريكا الشمالية تعرضوا لنوع من التمييز العنصري أو العرقي داخل الجالية الإسلامية، وأوضحت: * إننا نغطي حاجة خاصة في المجتمع الإسلامي في الولاياتالمتحدة بالتركيز على تفكيك العنصرية داخل المجتمعات الإسلامية. ويشمل عملنا حملات توعية عبر شبكة الإنترنت وعقد ورش عمل ولجان ودورات على الأرض. * ومارغاري هيل التي نشأت في ولاية كاليفورنيا أسلمت وهي في ال18 من عمرها، وهي واحدة من الناشطات الأمريكيات المسلمات المعروفات. وهي أستاذة مساعدة غير دائمة في كلية مقاطة ديلوار والشريك المؤسس ل ((مسلم آرك ))، وقد توسعت مؤسسة (مسلم آرك)، التي تأسست في العام الماضي، بسرعة وتعاونت مع كثير من المنظمات الأخرى المعادية للعنصرية في الولاياتالمتحدة، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية ومنظمة (الأمريكيون من جنوب آسيا يعيشون معا) و(ضد الكراهية). إلا أنه على العكس من المنظمات الأخرى، تركز منظمة (مسلم آرك) على التفرقة ضد المسلمين داخل المجتمعات الإسلامية ذاتها. * أهداف سامية وتشير هيل إلى أن (هدفنا هو اجتثاث التمييز العنصري الكامن لأن التصوير الفج في وسائل الإعلام وسنوات الاستعمار أثرا بشكل سلبي على كيفية تفاعل المسلمين بعضهم مع بعض. وهذا أمر ضروري لأننا لن نستطيع معالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا كمجتمع ما دمنا منقسمين عرقيا وإثنيا). وتركز منظمة (مسلم آرك)، التي يعمل بها مجموعة من الشباب المسلم المولود في الولاياتالمتحدة، على الاستفادة من وسائل الاتصال الاجتماعية للترويج لرسالتها. وتذكر هيل أن (أول هاشتاغ قمنا بتدشينه في شهر فيفري من العام الماضي (أنا أسود ومسلم) جذب إليه أكثر من 6 آلاف مستخدم واستمر متصدرا لأكثر من 7 ساعات. وهناك هاشتاغ مهم آخر عنوانه (غير جميل أو لطيف) أثار نقاشا مهما بشأن ممارسة التمييز العنصري على أساس لون البشرة وسط الجاليات الإسلامية في أمريكا الشمالية). وتشير هيل إلى أن الأمريكيين المسلمين السود يواجهون تفرقة مزدوجة عنصرية ودينية إذا ما وضعنا في الاعتبار التوتر العنصري الذي انتشر في عام 2014 في أعقاب إطلاق رجال شرطة بيض النار على عدد من الشباب الأسود والاضطرابات العنصرية في بلدة فيرغسون بولاية ميسوري. وتوضح في لقائها مع (صحيفة بريطانية): (لدينا هوية عرقية ودينية كوننا مسلمين سودا أمريكيين، وهي ما تجعلنا أكثر عرضة للخضوع لرقابة عدائية من الشرطة؛ فنحن نتعرض لتنميط عنصري وتنميط ديني، كما نواجه وحشية الشرطة وعمليات قتل خارج إطار القانون كما حدث مع جريمة قتل أحمدو ديالو. وتعرضت أنا وزوجي لعملية تنميط باعتبارنا أمريكيين سودا في بعض المناسبات، وباعتبارنا مسلمين في مناسبات أخرى). وتجدر الإشارة إلى أن ديالو هو مهاجر من غينيا، وقد أطلق 4 ضباط شرطة في نيويورك النار عليه في عام 1999 خلال وقوفه في شقته. وأطلقت الشرطة 41 طلقة وادعوا أنهم اعتقدوا أنه يحمل بندقية، غير أنه لم يكن مسلحا. وقد وجهت إليهم تهمة القتل من الدرجة الثانية، إلا أنه جرى الإفراج عنهم بعد المحاكمة. * تمييز ظالم إلا أن السود المسلمين في الولاياتالمتحدة لا يوجهون التفرقة من السلطات فقط. فقد أوضحت هيل ل0الشرق الأوسط): (إذا نظرتم إلى الهاشتاغ الذي نشرناه (عرب أفارقة) فستجد حسابات شخصية لعرب أو أفارقة سود عاشوا في الشرق الأوسط يسردون تجاربهم مع التمييز العنصري في الشرق. كما أعتقد أن عدم ظهور العرب المتحدرين من أصول أفريقية في وسائل الإعلام العربي يعد مشكلة؛ فالعرب تنويعة مختلفة من البشر، ولكن من الصعب مشاهدة تمثيل متنوع لهم). وقد تميزت السنة الأولى ل(مسلم آرك) بعدد من النجاحات، من أهمها نشر (الكتاب الأبيض) الذي يتضمن توصيات لتحسين العلاقات العرقية في الجالية الإسلامية، كما قالت هيل التي ذكرت: * لقد حققنا عددا من النجاحات المهمة، وهو ما جعل حشد (ميك آت بلين) و(مسيرة في فيلادلفيا) خلال شهر ديسمبر نهاية رائعة لأول عام لنا كمؤسسة. وبالنسبة لي فيعد أكبر نجاح لنا هو التجاوب الإيجابي الذي تلقيناه من الجالية المسلمة. ولدى المؤسسة الكثير من الخطط بالنسبة للسنة الحالية، حيث أوضحت هيل: * أول أهدافنا هو الانتهاء من إجراء دراسة وطنية حول العلاقات بين الجماعات الإثنية في الجاليات الإسلامية، ونأمل إصدار مزيد من الكتب البيضاء والتوصيات المتعلقة بالسياسة العامة. كما أن أحد أهم أهدافنا هذا العام هو زيادة خبرة أعضائنا من خلال التدريب على مناهضة العنصرية، وإنشاء أماكن آمنة لإجراء نقاشات عن مكافحة العنصرية، ودعم عملهم التطوعي ونشاطهم في الجالية المسلمة*. وتضيف في حديثها ل (جريدة الشرق الأوسط) قائلة: * ونأمل تأليف دليل للمدارس الإسلامية بدوام كامل وبدوام جزئي، يشتمل على مناهج دراسية تكافح التمييز العنصري وبرامج ذات حساسية ثقافية. ونحن نستهدف، بالإضافة إلى ذلك، توفير منصة أوسع لإجراء مناقشات أكثر تفصيلا عن العرق والجاليات المسلمة على شبكة الإنترنت، ونضغط من أجل القيام بمزيد من الفعاليات والمنتديات على شبكة الإنترنت والمشاركة في المؤتمرات*.