تتّسم علاقات الولايات المتّحدة والصومال بتوتّر وجمر متّقد تحت الرماد بصورة مستمرّة منذ مقتل وسحل جنود أمريكيين على يد مقاتلين صوماليين قبل ربع قرن، لذلك يأتي تعيين أوّل سفير أمريكي منذ ذلك الوقت بمثابة خطوة تستدعي الكثير من التساؤل. أثار تعيين الولايات المتّحدة أوّل سفير لها في الصومال منذ تسعينيات القرن الماضي جدلا وعلامات استفهام على مدى الأيّام القليلة الماضية من حيث التوقيت والدلالات. وكانت الولايات المتّحدة قد أغلقت سفارتها في العاصمة الصومالية مقديشو بعيد انهيار نظام الرئيس السابق محمد سياد بري نتيجة الحرب الأهلية التي انخرط فيها عدّة فصائل صومالية ضده. ويكتسب تعيين سفير أمريكي بالصومال أهمّية ودلالة من نوع خاصّ، حيث أنه من البلدان التي شهدت حالة تدخّل عسكري أمريكي وذاق فيها الجيش الأمريكي هزيمة وصفت ب (المذلّة) نتج عنها الابتعاد عن المشهد الصومالي. فبعد إغلاق سفارتها في مقديشو نفّذت الولايات المتّحدة عملية (إعادة الأمل) بمشاركة قوّات من ثلاثين دولة نهاية عام 1992 لاحتواء أزمة مجاعة في جنوبالصومال، إلاّ أن العملية انتهت بمقتل 18 جنديا أمريكيا وإسقاط مروحيتين من طراز (بلاك هوك). وقام مقاتلون صوماليون بسحل أحد جنودها في شوارع مقديشو في مواجهة مع أنصار الجنرال الرّاحل محمد فارح عيديد. وبعد أكثر من عقدين عيّنت الولايات المتّحدة الشهر الماضي الدبلوماسية كاثرين داناني سفيرة لدى الصومال كأوّل دبلوماسية أمريكية تتولّى هذا المنصب. وكانت واشنطن طوال السنين الماضية تتابع الشأن الصومالي عبر سفارتها في كينيا المجاورة. * ترحيب حذر رغم ترحيب الحكومة الصومالية بالخطوة إلاّ أن المراقبين لاحظوا أن تعليقها على التعيين كان مقتضبا، وعبّرت فيه عن توسّع العلاقات بين البلدين أكثر من أيّ وقت مضى واعتبرته أمرا يصبّ في صالح تقوية تعاون البلدين في مجالات الأمن ومكافحة (الإرهاب) الدولي والقرصنة والمجال الإنساني والتنمية والحدّ من الفقر. ويرى محمد موسى متان، المتخصّص في العلاقات الدولية والمحاضر بجامعة الصومال بمقديشو، أن تعيين الولايات المتّحدة سفيرا لها بالصومال، في هذا التوقيت، يعد مؤشرا قويا على جدية اهتمامها بالصومال ورغبتها في التعامل معه مباشرة دون اللّجوء إلى سفاراتها بالدول المجاورة. من جهة أخرى، رجّح متان أن يكون مردّ الخطوة رغبة الولايات المتّحدة في تعزيز نفوذها ووجودها في الصومال بحكم الثروات النفطية التي يتمتّع بها، والتي لم تستخرج بعد، والتي تعدّ محلّ تنافس قوي مع دول أخرى، لا سيّما الصين التي عيّنت هي الأخرى سفيرا للصومال العام الماضي، وقال كذلك إن الولايات المتّحدة متنفّذة في الصومال سياسيا منذ فترة ولديها مصالح استراتيجية وشركاتها كانت أكثر الشركات التي تحصّلت على العقود لتنقيب واستخراج النفط بالصومال قبل انهيار الحكومة العسكرية السابقة عام 1991، لذلك ستبذل جهودا كبيرة لمنع أيّ شركات أجنبية أخرى من أخذ هذا الدور عبر تعزيز تمثيلها الدبلوماسي مع تقديم دعم كبير للحكومة الصومالية. أمّا الباحث الأكاديمي الدكتور حسن الشيخ علي نور فرأى أن تعيين سفير أمريكي بالصومال بعد غياب دام نحو ربع قرن لم يكن عاطفيا بقدر ما هو ناتج عن دراسة متأنّية وضعت الإدارة الأمريكية خلالها أمورا كثيرة في الاعتبار، مثل شعورها بأن التهديد الأمني تراجعت حدّته، وأن أمن الصومال في طريق التعافي والتحسّن، وفق تعبيره، واعتبر نور أن الخطوة تعزّز الاعتراف الذي منحته الإدارة الأمريكية مطلع عام 2013 للسلطة الحالية في الصومال لأوّل مرّة منذ 1991، مشيرا إلى أن الأمر يدلّ أيضا على تصميم الإدارة الأمريكية على الإمساك بزمام العملية السياسية في الصومال وتوجيه بوصلتها لتحقيق مصلحتها الاستراتيجية المتمثّلة في الأمن والموارد.