أصبح الشباب في الآونة الأخيرة يبتدعون العديد من الأشياء والأفكار التي يجعلونها أداة للتفاخر التباهي فيما بينهم، فمن الملابس والعطور إلى كلاب البيتبول، وآخرها التباهي بالدراجات النارية الفخمة ومن أحسن طراز التي أصبحت موضة العصر بالنسبة للعديد من المراهقين ولكن للأسف أصبحت هذه الموضة تحصد أرواح العديد من الشباب عبثا بسبب المناورات الخطيرة التي يجرونها على قارعة الطريق، وأحيانا أخرى بسبب السرعة المفرطة. عتيقة مغوفل من أجل إنجاز الموضوع قابلنا بعض الشباب الذين يعشقون ركوب الدراجات النارية حتى النخاع غير ملمين بالضرر الذي قد يلحق بهم، كما قابلنا أيضا بعض أولياء أمور الشباب الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لعشقهم الكبير للدراجات النارية. لن أستغني عن الدراجة النارية أول من قابلنا كان (عبد الرحيم) شاب يبلغ من العمر 26 عاما، قال إنه يهوى ركوب الدراجة النارية كثيرا لأنها تشعره بشعور آخر وهو يقودها، فقد عبر عن ذلك قائلا (عندما أسوق دراجتي النارية أشعر وكأن العالم كله تحت قدمي، خصوصا عندما يصبح العديد من أصدقائي ينظرون إليّ أشعر بنفسي ملكا فوقها)، عدنا وطرحنا عليه سؤالا آخر عن الحوادث التي تعرض لها من سياقته للدراجة النارية، فقال(تعرضت في حقيقة الأمر إلى العديد من الحوادث بسبب الدراجة النارية، فآخر ما أتذكره أني منذ أسبوعين فقط وبينما أنا وصديقي كنا نتجول بالرايس حميدو بسرعة كبيرة، ونحن في المنعرج وإذا بكلب هرب من صاحبه من أجل اللحاق بكرة في الشارع، فلم أستطع الفرملة لأني كنت أقود بسرعة كبيرة فانزلقت الدراجة بي فسقطت أنا وصديقي ولكن الحمد الله أصبنا بجروح بسيطة والحمد الله أننا لم نصب بأي أذى يذكر، يومها قمت بالتصدق بخبزة على سلامة روحي وفي الختام سألنا عبد الرحيم هل أنه يتجرأ على ركوب الدراجة النارية بعدما حصل له فأجابنا (ركوب الدراجة النارية بالنسبة لي يعني الهواء الذي أتنفس به فلا يمكن لي الاستغناء عنها أبدا رغم كل ما يحل بي من أجلها). وفاة ابن عمتي كان درسا لي بجانب عبد الرحيم كان جالسا فاروق الذي يبلغ من العمر 19 ربيعا هو الآخر أحد هواة ركوب الدراجات النارية، إلا أنه قطع على نفسه عهدا أن لا يركبها مجددا لأنها كانت السبب في وفاة ابن عمته زهير الذي وفاته المنية وسنه لا يتجاوز حينها 24 ربيعا، فروى لنا فاروق ما حدث مع ابن عمته قائلا (جرت الحادثة في شهر رمضان الماضي، عندما كان ابن عمتي عبد الحق يلهو بدراجته لتمضية الوقت فقد كان يتسابق مع أصدقائه من أبناء الحي الذي يسكن بجسر قسنطينة، كانوا يتسابقون من يحسن سياقة الدراجة النارية بل ويقوم بحركات بهلوانية دون أن يمسك المقود، وطبعا من باب الرجلة حاول عبد الحق أن يقلد هؤلاء الشباب فبدأ يسوق دراجته النارية دون أن يمسك المقود إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن، فبينما هو يسوق بسرعة فائقة وإذا بشاحنة تعترض طريقه فلم يتمكن من السيطرة على الدراجة النارية فاصطدم بالشاحنة، لينقل بعدها على جناح السرعة إلى المستشفى فبقي 18 يوما في غيبوبة إلى أن توفي، وهو الأمر الذي جعل عمتي تصاب بانهيار عصبي ما زالت تعاني منه إلى حد الساعة، ومن تاريخها عظمت يمينا أن لا أركب الدراجة النارية إلى الأبد حتى لا أسبب لعمتي ما سببه ابنها لها من ألم ومأساة تعاني منه حتى نهاية العمر. أمهات تحرق أكبادهن بعد أن سمعنا آراء الشابين السابقين ومغامرتهما مع الدراجة نارية أردنا أن نقترب من أولياء ضحايا هذه الوسيلة التي أصبحت تحصد أرواح العديد من الشباب، وشاءت الأقدار أن التقينا بالسيدة (سعاد) التي فقدت فلذة كبدها وهو في عمر الزهور لم يتجاوز سنه 20 ربيعا، فقاسمتنا آلامها وهي تروي لنا حادثة وفاة ابنها قائلة (توفي سيدعلي الصائفة الماضية في حادث مؤلم وهو يركب دراجته النارية التي أهداه إياها عمه بمنسبة نيله شهادة البكالوريا بمعدل 13 والذي مكنته من الالتحاق بشعبة التجارة كما كان يحلم ويتمنى عمه أحمد الذي رباه لأن الله عزوجل حرمه من نعمة الأولاد، لم تعجبني الهدية لأني كنت أعلم أن العديد من الشباب ماتوا ومنهم من أصيب بإعاقة مستديمة بالدراجة النارية، لذلك طلبت من زوجي أن يمنعه من استخدامها إلا أنه سمح له بركوبها خفية عني، وهو ما فعله سيدعلي الذي ذهب رفقة صديقه إلى الشاطئ ببينام، وفي طريق العودة كان يسوق بسرعة كبيرة فانقلبت به الدراجة فسقط هو وصديقه وأصيبا بجروح خطيرة نقلا على جناح السرعة إلى مستشفى بينام، فأصيب صديق سيدعلي الذي كان راكبا معه بكسور على مستوى الظهر، أما ابني فقد بقي يومين في العناية المركزة ليتوفى بعدها مباشرة لأنه أصيب على مستوى الرأس (توقفت السيدة (سعاد) عن الحديث لمدة وأجهشت بالبكاء وبعد أن هدأت قليلا ختمت حديثها إلينا وهي تقول صدق من قال(لي شرى موطو شرى موتو)).