حين قرأت يوماً حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) (صحيح الجامع، 2541) فوقفت فيه مع نفسي عدة وقفات، وخُضْتُ غِمار بحر معانيه، وتلمَّستُ أنوارَ النبوة تُشِعُّ من ألفاظه تنير لنا الواقع بروعة الوحي، فجاءت هذه الكلمات تحت هذا العنوان، ذلك أن العبادة حياءً أجدى من العبادة خوفاً، وأكثر نفعاً من التحرك تحت تأثير سوط العقوبة، ودافعية العمل في هذه الحالة أقوى وأدوم، وفي كلٍّ خير، ولا يضرك من أي باب دخلت ما دمت داخلاً، فاللهم افتح لنا أبواب فضلك، وأنر بصائرنا بأنوار فهمك، وأقبل بقلوبنا عليك واصرفها عمن سواك. يا نفس .. لو خيَّروك بين فقد بصرك وفقد بصيرتك .. بين عمى عينيك أو عمى قلبك .. اصدقيني القول .. ماذا كنت تختارين؟! ألا فاعلمي أن عمى القلوب أضل .. وأن جهلها أشد، وماذا جنى من أبصرت عيناه وعمي قلبه، حتى تاه عن طريق الجنة وهام على وجهه إلى أن وصل أبواب جهنم، في ظلمات الجهل إقامته وبين مردة الشياطين راحته!! وعلى النقيض .. ما ضرَّ من عمت عيناه واستنار قلبه بنور الإيمان، أما بلغك خبر حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين قال بعد فقد بصره: إن يأخذ الله من عينيَّ نورهما *** ففي لساني وسمعي منهما نور