من أهم المبادئ التي تميز بها الإسلام أن أحكامه تتسم باليسر والتخفيف ورفع الحرج عن الناس. ومن القواعد المهمة في الفقه الإسلامي «المشقة تجلب التيسير». وهنا يقول الدكتور صبري عبد الرؤوف-استاذ الفقه بجامعة الأزهر: المشقة في اللغة هي الجهد والعناء ومنه قوله تعالى: «وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم» سورة النحل الآية 7. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا ان أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة». التيسير من اليسر وهو ضد العسر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «ان هذا الدين يُسر»، والمراد بأن المشقة تجلب التيسير أنها سبب التيسير. قال تعالى: «فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا» سورة الانشراح الآيات 5، 6. ومعنى القاعدة في الاصطلاح الشرعي أن الصعوبة التي يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي تكون سببا شرعيا صحيحا للتسهيل والتخفيف عنه. والمراد بالمشقة الجالبة للتيسير، المشقة التي تنفك عنها التكليفات الشرعية. أما المشقة التي لا تنفك عنها التكليفات الشرعية كمشقة الجهاد، وأداء العبادات في أوقات الحر أو البرد الشديدين، فلا أثر لذلك في جلب التيسير. ومن الأمور الدالة على قاعدة «المشقة تجلب التيسير» قول الله تعالى: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» سورة البقرة الآية 286، وقوله تعالى: «وما جعل عليكم في الدين من حرج» سورة الحج الآية 78 وقول الله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» سورة البقرة - الآية 185. ومن أدلة هذه القاعدة في السنة المطهرة، قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ان الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجة، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة» رواه الخطيب البغدادي وسعيد بن منصور، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين». وكان من توجيهاته لأصحابه رضي الله عنهم: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. والمنهج الإسلامي كله قائمٌ على التيسير والتخفيف ورفع الحرج عن الناس، ولذلك شرِّعت الرخص التي تعني التيسير على المسلم في ظروف خاصة، كالسفر والمرض والمشقة الزائدة على المألوف كقصر الصلاة الرباعية في السفر، وكذلك الفطر في رمضان، والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في السفر والمطر، جمع تقديم أو تأخير، والمريض الذي لا يستطيع أن يصلي قائماً يصلي قاعدا أو مضطجعا، أو ايماء حسبما استطاع. ومن لطائف قاعدة «المشقة تجلب التيسير» جواز صلاة الفرض في السفينة قاعدا مع القدرة على القيام خوفا من دوران الرأس، وعدم وجوب قضاء الصلاة على الحائض والنفساء، دفعا للمشقة التي تتحملها المرأة بسبب تكرر الصلاة، بخلاف الصيام فإنه يجب قضاؤه لعدم تكرره. وهكذا سائر الرخص التي شرعها الإسلام بقصد التيسير على المكلفين. وتعتبر قاعدة «المشقة تجلب التيسير» من أمهات القواعد الفقهية التي تدور عليها معظم أحكام الفقه وخاصة قاعدة «الضرر يزال» و«العادة محكمة» و«اليقين لا يزول بالشك» و«الأمور بمقاصدها». كما أن قاعدة «المشقة تجلب التيسير» لها أثر كبير على بعض الأدلة الأصولية مثل «المصلحة المرسلة»، كأن يسكت الشرع عن شيء ما ولا يحكم فيه بأمر أو نهي ولم يرد دليل في الإلغاء شرعاً، فإن المجتهد ينظر إلى ما فيه المصلحة فيأمر به. وكذلك «الاستحسان» وهو أن يترك المجتهد - في واقعة ما- العمل بنص أو قياس أو قاعدة عامة، بعمومه، وينتقل إلى حكم آخر يحقق المصلحة.