بعد أيام سيودع العالم سنة ميلادية ليستقبلوا أخرى، ورغم أنّ المناسبة هي للمسيحيين أصلا، إلا أنّ العالم كله، او اغلب البلدان صارت تحتفل بها، وتختلف الاحتفالات من بلد لآخر، ومن فرد لآخر، حتى أنّ هناك من الأشخاص، ومن الجزائريين كذلك، من يفضلون قضاء رأس السنة الميلادية في البلاد الأوروبية. أجل، لقد اعتاد بعض المواطنين على قضاء رأس السنة الميلادية في موطنها، أي البلاد الأوروبية، ربما لأنهم يجدون هناك الخيارات في إقامة الحفلات المميزة، او ربما حتى لا ينغص عليهم فرحتهم بعيد غيرهم احد، لهذا تجدهم يسارعون، وما إن يدخل شهر ديسمبر من كل سنة، او قبل ذلك بكثير إلى حجز التذاكر للذهاب إلى أوروبا وأمريكا، وغيرها من البلدان التي تحتفل كلّ مطاعمها ومحلاتها وملاهيها بالمناسبة، ولا يكون ذلك إلاّ بالشرب واللهو والمجون إلى ساعات الفجر المتأخرة. ولعلّ هذه الظاهرة، أي ذهاب بعض المواطنين إلى البلاد الأوروبية للاحتفال بهذه المناسبة لا تعني امتنا الإسلامية التي لها أعيادها ومناسباتها الدينية الخاصة بها، هذه الظاهرة تمس الشباب بشكل خاص، والذين لا يفوتون فرصة للمجون كرأس السنة والميلادية، وتجدهم السباقين إلى حجز تذاكر الطائرة، ومن ثمة تذاكر في الملاهي وقاعات الشاي الفخمة، والتي قد لا يدخلها حتى الأوروبيون أنفسهم. وان كنا قد نتعذر للشباب إذا ما قاموا بتلك التصرفات بالطيش وقلة الوعي، فكيف نبرر أن يفعل أرباب اسر نفس الشيء، ويتّجهون مع عائلاتهم إلى دول أوروبا خاصّة لتمضية رأس عيد السنة الميلادية، ويكونون مرفقين بأولادهم، والذي سيكبرون حتما على تقديس مثل تلك المناسبات، وتجدهم لا يولون نفس الأهمية لأعيادنا نحن المسلمين، حتى لتكاد تحسب أنهم نصارى وما هم بنصارى، ولكن يستنصرون، فهنا تتحول هذه الظاهرة إلى كارثة ثقافية تمسّ بالدين والهوية معا، ويكبر أطفالنا لذلك دون هوية ولا شيء، ولكن نسخة مشوهة فقط لهؤلاء الأوروبيين. بوعلام، 47 سنة، واحد من الأشخاص الذي كانوا يحتفلون بهذه المناسبة ولا يفوتونها، وقال لنا أنه أن يعتبرها مجرد فرصة للاحتفال، ولم يعطها أهمية كبرى، وكان في كل سنة يهب وعائلته للاحتفال بها في فرنسا، ورغم تحذيرات الأئمة، إلا انه لم يعتقد يوما أنها يمكن أن تمسّ بدين أولاده وبانتمائهم، وهو ما وقع فعلا، وما لاحظه على أبنائه الذين صاروا يُهملون كل ما يتعلق بدينهم بل وينكرون انتماءهم للوطن والإسلام، وأعجبوا بالحياة الأوروبية، وصاروا لا يحلمون إلاّ باليوم الذي يستقرون فيه هناك، أمّا سمية، وهي فتاة في السابعة عشر من العمر، فاعتادت أن ترافق أسرتها إلى أوروبا لقضاء عيد الميلاد ورأس السنة كذلك، ولا عبر أنّ في الأمر خطورة أيا كانت، بل تحسب أنّ الأمر لا يعدو كونه تسلية وفسحاً تتخلل السنة الدراسية الشاقّة، وهي في كلّ الأحوال، تُصارحنا، لا تفكر في أن تتشبه بهؤلاء الأوروبيين، او على الأقل، لا تفكر في التخلي عن هويتها لحساب أخرى، أوروبية كانت او غيرها.