انقلاب داخلي في دولة تعيش الانقلاب العسكري بعد 87 سنة.. الصراع يعصف بجماعة الإخوان المصرية (صراع قيادات الإخوان).. تفكّك تنظيم أم (تأسيس ثالث)؟ لا صوت يعلو فى أروقة السياسة المصرية عن صوت الصراع المتنامي الذى ضرب أواصل الإخوان المسلمين في (بلد المنشأ) على خلفية الأنباء الواردة من داخل كواليس التنظيم الذي يمتدّ إلى 87 عاما في عمق التاريخ المصري الحديث، ممّا اعتبره البعض بوادر شقاق داخل الجماعة ومقدّمات لتفكّك قريب، في الوقت الذي وصفه شبابها باختلاف الرؤي حول مستجدّات الأحداث والتأسيس الثالث لجماعة البنّا. دولة 30 جوان تعاملت مع تطوّرات المشهد داخل الجماعة باعتباره تآكل في قواعد التنظيم على وقع الأزمات المتتالية التي أثّرت عليه بصورة مباشرة وخلخت قواه الداخلية وأضعفت من تواجده وانتشاره. واعتبر المراقبون أن تلك المرحلة لم تمرّ بها الجماعة من قبل، سواء في فترة ما بعد اغتيال الإمام المؤسس عام 49 أو في فترتي التطهير العرقي ومحاكم التفتيش في الحقبة الناصرية عامي 54 و65، خاصّة وأنها تأتي بعدما بلغت الجماعة ذروة سنام السلطة وأوج فترات عنفوانها لتسقط بعد ذلك سريعا ويتآكل رصيدها الدعوي وتفقد الظهير الشعبي. * انقلاب في الجماعة إلاّ أن تلك المزاعم لم ترق إلى مستوى التصوّر الكامل حول ما يدور خلف ستار الجماعة المحاصرة في مسقط رأسها حتى خرجت تقارير صحفية تشدّد على أن الحراك الدائر بلغ ذروته وتمخّض عن انقلاب داخل الإخوان من القيادات التاريخية وأعضاء مكتب الإرشاد على القيادات التي تصدّرت لإدارة شؤون الجماعة داخل مصر بعد أحداث فضّ رابعة العدوية في 14 أوت 2013. وأوضحت التقارير أن الانقلاب وقع خلال الأيّام الماضية، حيث عقدت القيادة التاريخية للجماعة اجتماعا داخل البلاد وعلى رأسهم الدكتور محمود عزت النائب الأوّل للمرشد والدكتور محمود غزلان المتحدّث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين والدكتور عبد الرحمن البرّ عضو مكتب الإرشاد و4 أعضاء من مكتب الإرشاد للجماعة الذي أدار شؤون الجماعة حتى أحداث فضّ رابعة العدوية، ووجّهت القيادات التاريخية دعوة بحضور أعضاء المكتب الحالي من المتواجدين في مصر الذي تحمّلوا مسؤولية إدارة الجماعة بعد فضّ رابعة وعلى رأسهم الدكتور محمد كمال وحسين إبراهيم نائب رئيس حزب الحرّية والعدالة والدكتور محمد طه وهدان والدكتور محمد سعد عليوة والدكتور على بطيخ أعضاء مكتب الإرشاد وعدد من أعضاء المكتب الجديد. واعتبرت القيادة الجديدة أن تصرّف القيادات القديمة في مكتب الارشاد يهدم كافّة الإجراءات التي وقعت في إعادة هيكلة الجماعة خلال الأشهر الماضية، والتي أعيد فيها تشكيل كافّة المكاتب الإدارية داخل الجماعة في مصر، واعتبرت القيادات التاريخية أن حضور 7 أعضاء من مكتب الإرشاد القديم يعد اجتماعا صحيحا، حيث توافر فيه النصاب القانوني لصحّة انعقاد المكتب وفقا للاّئحة الداخلية للجماعة. وانتخب الحضور من المكتب القديم الدكتور محمود عزّت بصفته أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنّا مرشدا عامّا للجماعة واعتبار الأعضاء الحضور بمثابة مكتب الإرشاد الرسمي الذي يدير شؤون الجماعة حاليا، وتفجّرت أزمة داخلية خطيرة بين قيادات الإخوان في الخارج عقب صدور أوّل قرار من مكتب قيادة الإخوان في الداخل الذي قاد الانقلاب على قياداته الحالية، حيث نصّ على نقل تبعية مكتب إخوان مصر بالخارج الذي تشكّل الشهر الماضي في تركيا برئاسة الدكتور أحمد عبد الرحمن إلى أعضاء مكتب الارشاد بالتنظيم الدولي للإخوان بالخارج. ومع تلك التطوّرات المتلاحقة خرج محمد منتصر -متحدّث الجماعة- في بيان إعلامي أكّد خلاله تمسك جماعة الإخوان المسلمين بالنهج الثوري في مواجهة الانقلاب العسكري في مصر الذي اختطف الرئيس الشرعي وحكم عليه بالإعدام، والذي قتل الثوّار في الميادين وانتهك الحرمات والأعراض، وتشدد الجماعة على أنها قد حسمت قرارها بعد استطلاع رأي قواعدها بأن الخيار الثوري بشكله المعروف وبكلّ آلياته خيار استراتيجي لا تراجع عنه، حسب البيان، وتابع: (لقد مرّت الجماعة بظروف عصيبة منذ الانقلاب الدموي الغاشم على الرئيس الشرعي، وهو ما دفع الجماعة إلى تطوير هياكلها وآليات عملها للتناسب مع العمل الثوري للقضاء على الانقلاب، حيث أجرت الجماعة انتخابات داخلية في فيفري 2014 وقامت بانتخاب لجنة لإدارة الأزمة، مارست مهامها وقادت صمود الجماعة ضد الآليات العسكرية حتى الآن، وكانت نتيجة هذه الانتخابات استمرار الأستاذ الدكتور محمد بديع في منصب المرشد العام للجماعة وتعيين رئيس للجنة إدارة الأزمة وتعيين أمين عام للجماعة من داخل مصر لتسيير أمورها، كما قامت الجماعة بانتخاب مكتب إداري لإدارة شؤون الإخوان في الخارج برئاسة الدكتور أحمد عبد الرحمن، وقامت الجماعة بتصعيد قيادات شابة في هياكلها ولجان عملها الثورية ليتصدروا إدارة العمل الميداني للجماعة، مواكبة للروح الثورية، واعتمادا على حماسة وقوة الشباب وقدراتهم الميدانية المتقدمة). (ونحن إذ نؤكّد أننا أجرينا تلك الانتخابات رغم الملاحقات الأمنية بمشاركة وعلم جميع أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام للجماعة دون استبعاد أحد، التزاما باللوائح المنظمة لعمل الجماعة ومؤسسية اتخاذ القرار، والعمل على بناء جسم وتشكيل ثوري قوي للجماعة لتحقيق الهدف). (ونؤكّد أن مؤسسات الجماعة التي انتخبتها قواعدها في فيفري العام الماضي تدير شؤونها، وأن المتحدث باسم الجماعة ونوافذها الرسمية فقط هم الذين يعبرون عن الجماعة ورأيها، إن جماعة الإخوان المسلمين قيادة وشباب بجميع صفوفها تلتف حول هدف واحد وهو الثورة ضد الظلم وكسر الانقلاب واستعادة الشرعية والقصاص للشهداء، وإعادة بناء المجتمع المصري على أسس سليمة حضارية). بيان متحدث الجماعة اعتبره البعض بمثابة التأكيد على حجم الشقاق الذي ينخر في جسد التنظيم، إلاّ أن مزاعم التفكك -الذى لم يحدث في أكثر الفترات ظلامية في تاريخ الإخوان- فندتها القيادات الوسطي للجماعة دون إنكار حدوث حراك وتشابك في الأفكار والمواقف يتعلق -بطبيعة الحال- بتوجهات المرحلة وتطورات الأحداث والظروف المحيطة، واعتبر القيادي الإخواني والخبير الاقتصادي علاء البحار أن الجماعة دخلت مرحلة التأسيس الثالث، مشيرا إلى أن (الشباب يجددون دماء الدعوة مع قياداتهم في شوارع وسجون مصر وليس من خلال الغرف المكيفة). ورفض أحمد عطوان محاولات إعلام النظام التهويل من تحرّكات قيادات الجماعة، قائلا: (ليعلم كلّ الأحباب من الإخوان المسلمين وغيرهم أن ما يدور بين القيادة الحالية وأساتذتنا الكبار المربّين هو اختلاف في وُجهات النظر وليس خلافا بينهم، وهو نقاش ساخن وليس صراعا على قيادة الجماعة، وجوهر النقاش هو طبيعة المسار الأنفع لكسر الانقلاب ونقطة الاختلاف حول مسار سلمي ناعم أو سلمى ثوري خشن)، حسب تعبيره. ردود الأفعال لم تتوقّف من جانب شباب الإخوان وكوادر الصفّ الثاني فى مشهد ملتبس يؤكّد أن الجماعة تمر بواحدة من أصعب مراحلها عبر التاريخ الممتدّ قرابة قرن إلاّ نيف من الأعوام، يكشف بجلاء أن هناك أزمة لا يمكن إنكارها بين القيادات القديمة على كيفية إدارة المرحلة وحالة التخبّط والضبابية المسيطرة على المشهد فى ظلّ حالة الحصار المفروض على هيكل إدارة التنظيم ما بين محبوس ومطارد وهارب، إلاّ أن الحديث عن التفكّك والشقاق والتآكل والزوال تفنده الأحداث والنوزال التى مرّت بالإخوان فى 49 و54، 65، 92، 2006، ويبقي السؤال: هل تصمد الإخوان أمام مدّ السلطة العسكرية العاتي أم تبتعلها أمواج الجنرالات فى قاع التفكّك والنسيان؟ * تحرّكات داخلية وخارجية لاحتواء الأزمة تحرّكات مكثّفة تجريها قيادات من جماعة الإخوان المسلمين داخل مصر وخارجها حاليا لرأب الصدع داخل قيادة جماعة الإخوان في مصر، حسب مصادر إخوانية مطّلعة. وقالت المصادر، بعضها داخل مصر وبعضها خارجها، إن هذه التحرّكات تهدف في المقام الأول إلى رأب الصدع وتقريب وُجهات النظر بين طرفي النّزاع داخل جماعة الإخوان، ومن ثَمّ السعي نحو إجراء انتخابات داخلية جديدة لا يشارك فيها أيّ من المتنازعين على القيادة. وفي سبيل جهود حلّ هذه الأزمة قدّمت أحد اللّجان المركزية للجماعة تصوّرا للقيادتين المتنازعتين، بإجراء انتخابات داخلية، تختار مجلس شورى للجماعة (أعلى سلطة رقابية بالجماعة) بحدّ أقصى أكتوبر المقبل، تنتخب بدورها مكتب إرشاد جديد (أعلى سلطة تنفيذية بالجماعة) في ديسمبرالمقبل، بعد تعديل اللاّئحة الداخلية للجماعة، ووفق ما أفادت به مصادر جماعة الإخوان الموجودة داخل مصر. وفي خطاب موجّه إلى القيادتين المختلفتين، دعا المكتب الإداري للإخوان المسلمين بشمال وشرق القاهرة إلى استمرار عمل مكتب الإرشاد الجديد الذي انبثق عن انتخابات أجريت في فيفري 2014 إلى حين إجراء انتخابات مكتب إرشاد جديد خلال مدّة لا تزيد عن 45 يوما. الخطاب تضمّن تهديدا جاء فيه: (نري أنه علي الادارة الحالية أن تتّخذ إجراءات جادة تتجاوب مع ما يطالبها به الإخوان، فإن لم يصدر من الادارة خلال أسبوع أي بيان يلبي هذه المطالب المشروعة، فإننا سوف نقوم بكافة الإجراءات التي يمليها علينا التزامنا الشرعي والأخلاقي أمام جموع الإخوان دون أن تحدد هذه الإجراءات). ودعا الخطاب إلى (الاستمرار في استراتيجية الثورة التي اعتمدتها الجماعة بأشكالها ولجانها ومستهدفاتها الحالية والعمل علي انفاذها وفق الهياكل التي تمّ اعتمادها طوال الفترة الماضية إلى حين انتخاب الهياكل الجديدة). * بيان خاص من شباب الإخوان أصدر عدد من شباب جماعة الإخوان المسلمين في مصر والخارج بيانا حول أزمة الشرعيات التي تمرّ بها الجماعة أطلقوا عليه اسم (ورقة مبادئ)، دعوا فيه قيادات الإخوان إلى وقف التراشق الإعلامي والالتفات لتحقيق أهداف الثورة. وقال البيان إن الشباب الموقّعين عليه شاركوا بكافّة مراحل الثورة، وإنهم لا ينحازون إلى أيّ فريق من فريقي الأزمة في الجماعة، وإنهم يطالبون بمحاسبة القيادات التي ارتكبت أخطاء، سواء قبل الانقلاب أو بعده، مؤكّدين أن خوض الإخوان لمعركة قاسية مع الانقلاب يجب ألا يمنع التقييم والمحاسبة. وأعلنت مصادر إعلامية أن الموقّعين هم مجموعة معتبرة من شباب الإخوان المؤثّرين، سواء ممّن اضطرّوا إلى الخروج من مصر أم أولئك الذين لا يزالون يساهمون بقيادة الحراك في الشارع، وأنهم لا يزالون يجمعون المزيد من التوقيعات على البيان. وأكّد الموقّعون على البيان أنهم منحازون إلى الثورة ونصرة المظلومين ودعوا شباب الإخوان إلى عدم الانشغال بالخلافات بين قيادات الجماعة والتركيز على المعركة (مع الظالمين) بدلا من الاستغراق ب (صغائر الأمور)، حسب البيان. ودعا شباب الإخوان (إلى التجديد والإبداع الثوري الشامل) و(الاستعداد لأيّام ثورية يشارك فيها أبناء التيارات الثورية المختلفة الإسلامية وغيرها لإسقاط نظام الحكم العسكري الفاشل)، وأكّدوا على ضرورة إنتاج (اجتهاد فكري يناسب المرحلة ويحيي اتصالنا بفكر حسن البنا وسيد قطب) وينفتح على الاجتهادات الأخرى ويستوعبها. وأكّد بيان شباب الإخوان أنهم يعتبرون القصاص (حقا ثابتا لأولياء الدم)، وأن (فكّ الأسرى كافّة بلا استثناء واجب الأحرار ويجب بذل كلِّ غالٍ وثمين في سبيل تحريرهم).