ولاية أمر من أمور المسلمين شيء كبير، ومهمة خطيرة، ولو يعلم الولاة كيف سيُحاسَبون يوم القيامة ما طمعوا في ولاية قط، فقد روى أحمد -وقال الأرنؤوط: حسن- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: (وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ، وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا، يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ)، وذلك أن الوالي مُطَالَبٌ بأن يسعى بكل جهده لإصلاح أمر رعيته كلها، وما أكبرها! فلَزِمَ أن يفتح بابه على الدوام لحاجتهم، وحَرُمَ عليه أن يمتنع عنهم، أو يهمل قضية من قضاياهم، وقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي مَرْيَمَ رضي الله عنه، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ)، ولفظ الرسول صلى الله عليه وسلم هنا يُشِير إلى أنه لا يقصد الولاية العظمى فقط، إنما يقصد ولاية أي (شيء)، بمعنى أن يلي الرجل مصلحة من المصالح، أو هيئة من الهيئات، وهذا يشمل كل الوظائف التي تتحكَّم في مصالح الناس وهمومهم، ولا شك أن واجب إمام المسلمين أكبر، ولذلك خصَّه الرسول صلى الله عليه وسلم بالذكر في حديث آخر، فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن عَمْرُو بْنِ مُرَّةٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قال لِمُعَاوِيَةَ رضي الله عنه: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الحَاجَةِ، وَالخَلَّةِ، وَالمَسْكَنَةِ إِلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ، وَحَاجَتِهِ، وَمَسْكَنَتِهِ)، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ، فليحرص كلٌّ منا على عدم الامتناع عن حوائج الناس، وعلى عدم إغلاق أبوابنا أمامهم، فإن هذا الاحتجاب مخالف للسُّنَّة، ولو كان قليلًا. سُنَّة الترجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ما للمظهر الطيب من أثرٍ في نفوس الناس، كما أن له أثرًا طيبًا على الشخص ذاته، فمن المؤكَّد أن نفسية الإنسان تكون أفضل عندما يكون حَسَن الشكل، ولذا فإن السُّنَّة النبوية تعتني إلى حدٍّ كبير بكل ما يُصْلِح هيئة المسلم، ومن هذا ترجيل الشَعْرِ، أي تسريحه والاعتناء به، ويُعَبِّر عن ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكلمة من جوامع كلمه، فقد روى أبو داود -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ)، والإكرام هذا يشمل الترجيل، والتنظيف، ووضع المواد التي تُصْلِح الشعر وتغذيه، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّة في كيفية الترجُّل، فكان يبدأ بالناحية اليمنى من شَعره أولًا، فقد روى البخاري عَنْ عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت وينتبه لمن لم يأخذ بهذه السُّنَّة الجَمَالية، فقد روى النسائي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: (أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟)، ومع ذلك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب المبالغة في أمر الترجُّل -كما يفعل بعض الشباب اليوم- حتى لا ينشغل المسلم بمظهره عن بقية أمور حياته، وحتى لا يدخله عُجْبٌ يُفْسِد قلبه، فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا)، وغِبًّا تعني من وقت إلى وقت، فليُكرم كلٌّ منا شَعره دون إفراط، ولنعلم أن خروجنا بشكل جميل هو أمرٌ من السُّنَّة النبوية نحن عليه مأجورون.