لعلَّ أكثر عبادة كان يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عبادة الذكر؛ فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ). فكان له صلى الله عليه وسلم في كل موطنٍ أو موقفٍ ذِكْرٌ؛ وهذه سُنَّة نبوية في غاية الأهمية، لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها الوصية الوحيدة لمسلمٍ طَلَبَ وصيةً مختصرةً؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. قَالَ: (لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ). ورَفَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جدًّا من أجر الذكر حتى جعل الذاكرين هم أسبق الناس إلى الجنة؛ فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ. فَقَالَ: (سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ). قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ). بل روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ)؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى). قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: (مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ). فلنحافظ على هذه السُّنَّة الرائعة في كل أوقاتنا، ولنحذر من الغفلة؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ).