عطاف يستقبل رئيس غرفة النواب الكولومبية    وزير الدفاع الموريتاني يؤكد رغبة بلاده في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وبلاده    سوناطراك: حشيشي يعقد اجتماعات مع كبرى الشركات الأمريكية بهيوستن    منتدى الدول المصدرة للغاز : توقع نمو الطلب العالمي ب 2 بالمائة    من 21 إلى 23 أفريل : انعقاد قمة إفريقيا لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات بالجزائر    تجمع حقوقي يستنكر استمرار قوة الاحتلال المغربي في اعتقال ومحاكمة السجناء السياسيين الصحراويين بسبب الرأي    تصعيد خطير في اليوم ال30 لاستئناف العدوان على غزة..عشرات الشهداء بينهم صحافية وتهديد باستمرار الحصار    قالمة : إحياء الذكرى ال 69 لاستشهاد ابنها البطل سويداني بوجمعة    صناعة صيدلانية : قويدري يتباحث مع السفير الكوبي حول فرص تعزيز التعاون الثنائي    ما قام به الانقلابيون في مالي ضد الجزائر نكران لجميلها و افضالها على البلاد    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب : اجراءات استباقية لضمان التموين بالطاقة    الجزائر تعتمد مقاربة شاملة ومتعددة الأطراف لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر    سونلغاز تتوصل إلى اتفاق مبدئي لإتمام محطة عين وسارة عبر مجمع صيني    تواصل هبوب الرياح القوية على عدة ولايات من البلاد إلى غاية يوم غد الخميس    يوم العلم: استذكار مآثر العلامة عبد الحميد بن باديس وتنظيم أنشطة متنوعة بغرب البلاد    إدريس عطية: انتخاب الجزائر لعضوية مجلس السلم والأمن الإفريقي تكريس لثقلها الدبلوماسي وانتصار لمقاربة "أفرقة الحلول"    وزير الاتصال يستقبل وفدا عن منظمة الصحافيين    الرئيس يقود رؤية استراتيجية شاملة    بلمهدي يبرز دور الفتوى    صادي يؤّكد ضرورة تفعيل الرياضات المدرسية والجامعية    الجزائر تتجه نحو بناء سيادة صناعية وتكنولوجية    جثمان رئيس فيض البطمة يوارى الثرى    توقيع 8 اتّفاقيات بين الجزائر والصين    مختصون يبرزون دور الحركة الإصلاحية    هكذا خرقت فرنسا كلّ الأعراف الدبلوماسية    عدوان الاحتلال الصهيوني على طولكرم ومخيميها يدخل يومه ال80 وسط تصعيد ميداني خطير    كأس الجزائر : "سوسطارة" بشق الأنفس, وتضرب موعدا في النهائي مع ش بلوزداد    قسنطينة: تتويج فيلم ''ذات مرة'' في اختتام الطبعة الأولى لأيام ''سيرتا للفيلم القصير''    فصائل فلسطينية: أي تهدئة بغزة دون ضمانات حقيقية لوقف الحرب "فخ سياسي"    من "غير المجدي" الابقاء على زيارته المبرمجة الى فرنسا    خروج مستشفى المعمداني عن الخدمة    الرمان وفوائده.. ومحاذير الإفراط في تناوله    سانحة للوقوف عند ما حققته الجزائر من إنجازات بالعلم والعمل    تنظيم ملتقى بعنوان دور الشباب في تعزيز التكامل الإفريقي    بالصور ديكورات شتوية مليئة بالدفئ لزوايا المنزل    حجز الرحلات يسير بصفة منظمة ومضبوطة    ظاهرة الكهول العزّاب تتفشّى في الجزائر    كأس الجزائر (نصف النهائي): اتحاد الجزائر يفوز على اتحاد الحراش (1-0 بعد الوقت الإضافي) ويبلغ النهائي    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    البوليساريو تدين كل المحاولات الدنيئة والمغالطات المكشوفة    الاتحادية الجزائرية تقف على آخر الاستعدادات    تبسة تكشف عن قائمة ألف مستفيد من السكن الاجتماعي    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    صدور السيرة الذاتية لجوهر أمحيس أوكسال    الفرقة الفنزويلية تضيء ساحة البريد المركزي    ابن باديس الموحِّد والعالِم والمصلح.. رجل حارب الجهل والتخلف وفرنسا    تحديد موعد مبارتي محليي "الخضر" وغامبيا في تصفيات "الشان"    لوحة فنية جمالية تقاوم الاندثار    "الطرّاح القسنطيني" إرث من الصوف يصارع البقاء    زروقي يلعب آخر موسم له مع نادي فينورد الهولندي    السفير يطمئن على قندوسي    بطولة للشطرنج بين مصالح الشرطة    فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    









أبو الحسن الندوي يدعو العرب لإنقاذ العالم بالإسلام
نشر في أخبار اليوم يوم 02 - 06 - 2015

العلامة الهندي أبو الحسن الندوي رحمه الله أحد العلماء الذين عاصروا سقوط الخلافة الإسلامية، وما صاحبها من أحداث اهتزت فيها الكثير من الكيانات الإسلامية في أوروبا وفي الشرق والغرب، الأمر الذي رسّخ في يقينه أن الإسلام لا بدّ أن يتولى الزمام لإنقاذ العرب والعالم؛ وأن الحل الوحيد لمأساة الإنسان، يكمن في تحول قيادة العالم إلى أيد مؤمنة بقيم الإنسانية. وانطلاقا من هذه النظرة الواسعة العميقة جاء محور دعوته الإصلاحية في مكافحة الغزو الفكري، وبثّ روح الاعتزاز بالإسلام في المسلمين، ومقاومة الردَّة وآثارها، وخاطب العرب وركّز عليهم اهتمامه، لأنّهم يحملون استعدادًا روحيًّا ومعنويًّا وماديًّا لقيادة العالم الإسلامي. وبالتالي لقيادة العالم أجمع، وكان حريصًا على نهضة العرب بمواهبهم وكفاءاتهم.
ولد العلامة عليٌّ أبو الحسنِ بنُ عبد الحي بن فخر الدين الحسني والذي ينتهي نسبه للإمام على بن طالب رضي الله عنه، بقرية (تكية) بمديرية (راي بريلي) في الولاية الشمالية بالهند في 6 من المحرم 1333ه الموافق 1914م، كان والده علامة الهند ومؤرخها، وكانت والدته من السيدات الفاضلات؛ تحفظ القرآن الكريم وتقول الشعر، وتؤلف الكتب.
توفي والده وهو دون العاشرة، فأشرف أخوه الكبير على تربيته، فحفظ القرآن، وتعلم الأردية والإنجليزية والعربية، ثم التحق بجامعة لكهنؤ، وهي جامعة تدرس العلوم المدنية باللغة الإنجليزية، وفيها قسم لآداب اللغة العربية، اختاره أبو الحسن عن شوق، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م، ليلاقي كبار علماء الهند، وليحضر دروس الشريعة عليهم، فالتحق بديوبند مدة شهور، ثم سافر إلى لاهور، وقرأ التفسير القرآني على كبار علمائها، وتحققت أمنيته بلقاء شاعر الإسلام محمد إقبال، فجالسه وأفاد منه، وعين بعد ذلك مدرسًا بدار العلوم لندوة العلماء في عام 1934م.
عالم من نوع خاص
ويُعَدُّ أبو الحسن الندوي من أشهر العلماء المسلمين في الهند، وله كتابات وإسهامات عديدة في الفكر الإسلامي، وكان كثير السفر إلى مختلف أنحاء العالم لنصرة قضايا المسلمين، والدعوة للإسلام وشرح مبادئه، وإلقاء المحاضرات في الجامعات والهيئات العلمية والمؤتمرات.
وقد دفعته همته المبكرة إلى كتابة مقال تاريخي، وعمره (18 سنة) يتحدث فيه عن جده المجاهد أحمد بن عرفان شهيد الإسلام، وبعث به إلى (مجلة المنار) المصرية، التي يقوم عليها العلامة محمد رشيد رضا فنشره، وبدأ الندوي الدعوة إلى الله على المنابر خطيبًا، ثم سافر إلى (دلهي) في رحلة علمية، فالتقى بعالمها الكبير الشيخ محمد إلياس؛ فعزم الندوي أن يكون داعية بلسانه، كما يكتب بقلمه، ولكنه رأى أن يدعو ويرحل إلى العالم الإسلامي كله، بدلاً من الدعوة في الهند فقط، كما فعل شيخه إلياس، فرحل إلى الحجاز مرات، وإلى مصر، والمغرب، والشام، وتركيا، وزار أميركا، والدول الأوربية، وطوف بأكثر عواصم العالم الإسلامي، وكانت رحلاته عظيمة التأثير.
وكان الندوي يرى أن واجب العلماء والطبقة المثقفة في مقال نُشِرَ بمجلَّة (البعث الإسلامي) قائلاً: (إنّ مسؤوليَّة العلماء والمفكّرين المسلمين في العصر الحديث بعد مواجهتهم للتحدّيات المعاصرة، واثباتهم أن الإسلام قادر على قيادتها وترشيدها والسموّ بها هي أن يفضّلوا الإسلام على كل جماعة، ومؤسّسة، ومدرسة، وطائفة، وحزب، وليكن مصلحة الدين والعقيدة مفضّلة على عمل كل مصلحة حزبيَّة، أو جماعيَّة).
كان رحمه الله غزير الإنتاج والتأليف فبلغ مجموع مؤلفات الندوي وترجماته نحو 700 عنوان، منها 177 عنوان بالعربية، ترجم عدد منها إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها.
من المهد إلى اللحد
ومن أشهر مؤلفاته كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) (1944م)، وأكمله (1947م)، وقد طُبِعت ترجمتُه الأرديةُ في الهند قبل رحلته الأولى للحج عام 1947م، وقال عنه العلامة القرضاوي: (الكتاب نظرة جديدة إلى التاريخ الإسلامي، وإلى التاريخ العالمي من منظور إسلامي، وهو منظور عالم مؤرخ مصلح داعية، يعرف التاريخ جيدًا، ويعرف كيف يستخدمه لهدفه ورسالته).
تجول داعيا إلى الله في العديد من البلاد العربية، فقد دُعِي أستاذًا زائِرًا في جامعة دمشق (1956م)، وألقى محاضرات بعنوان: (التجديد والمجدِّدون في تاريخ الفكر الإسلامي)، نُشرت فيما بعد إلى كتابه الكبير (رجال الفكر والدعوة في الإسلام) (أربعة أجزاء)، كما ألقى محاضرات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بدعوة من نائب رئيسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عام (1963م)، طُبِعت بعنوان: (النبوة والأنبياء في ضوء القرآن).
كما سافر إلى الرياض بدعوة من وزير المعارف السعودي (1968م)؛ للمشاركة في دراسة خِطَّة كلية الشريعة، وألقى بها عدَّةَ محاضرات في جامعة الرياض وفي كلية المعلِّمين، وقد ضُمَّ بعضُها إلى كتابه: (نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية).
تأثر الندوي بفكر الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وكان يحمل رؤية إصلاحية تنطلق من رؤية الإسلام للإنسان والكون والحياة، ومن أبرز تأمّلاته: قضيَّة الإصلاح والتغيير، حيث رأى أنّ المنهج الإصلاحي الذي نريده ينبع أساسًا من تكوين الفرد تكوينًا نوعيًّا، ويحمل على بعض المصلحين الذين خلطوا الواقع الإصلاحي بالتجربة والروح الغربيَّة، وكان يندهش من المسلمين الذين اطمأنّوا لتدريس أبنائهم في المؤسسات العلميَّة الغربيَّة، وغفلوا عن هدف الغرب في القضاء على الهويَّة الإسلاميَّة لهم، وتنبّه إلى ضرورة إحداث تغيير شامل في الجامعات الإسلاميَّة، من خلال ربط العلم بالتربية؛ وأولى اهتمامًا كبيرًا بالمنهل العلمي الذي يتلقّاه الشباب، فلا بدّ من تصفية هذا المنهل، من خلال توحيد التعليم ليكون وحدة شاملة تجمع بين الوسائل والغايات.
وكان دائم التأكيد على عالمية رسالة الإسلام وإنسانيَّتها، وفي ذلك ما يبعث على الغيرة، وأن يتنافس العرب، وأن يسبقوا لأنَّهم أهل الفضل وأهل الرسالة، وأهل الدعوة، وأشاد بدور العرب لأنهم الذين أشركونا في هذه الثروة السماويَّة السامية الأخيرة، وأنَّ هذه الدعوة قد لبيّت تلبية حسنة، وكانت مستجابة استجابة كريمة، تليق بإخواننا العرب وبشرفهم وبمكانتهم وبزعامتهم وقيادتهم.
وقد ترك وصية ترددها الأجيال ومما جاء فيها: (اسمعوها مني صريحةً أيها العرب: بالإسلام أعزَّكم الله، (لو جُمع لي العربُ في صعيدٍ واحد واستطعت أن أوجّه إليهم خطاباً تسمعه آذانهم، وتعيه قلوبهم لقلتُ لهم: أيها السادة! إنَّ الإسلام الذي جاء به محمد العربي صلى الله عليه وسلم هو منبع حياتكم، ومِنْ أُفُقه طلع صبحُكم الصادق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو مصدر شرفكم وسبب ذكركم، وكل خير جاءكم بل وكل خير جاء العالم فإنَّما هو عن طريقه وعلى يديه، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه، وتمسُّكِكُم بأذياله والاضطلاع برسالته، والاستماتة في سبيل دينه، ولا رادَّ لقضاء الله، ولا تبديل لكلمات الله، إن العالم العربي بحرٌ بلا ماءٍ، كبحر العَروض حتى يتخذ محمد صلى الله عليه وسلم إماماً وقائداً لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام كما نهض في العهد الأول، ويخلِّص العالَم المظلوم من براثن مجانين أوروبا- الذين يأبون إلا أن يقبروا المدنيَّة، وقضوا على الإنسانية القضاء الأخير بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم- ويوجِّه العالم من الانهيار إلى الازدهار، ومن الخراب والدَّمار والفوضى والاضطراب، إلى التقديم والانتظام، والأمن والسلام، ومن الكفر والطغيان إلى الطاعة والإيمان، وإنه حق على العالم العربي سوف يُسألُ عنه عند ربه فلينظر بماذا يجيب؟!
وفي يوم الجمعة 23 من رمضان 1420ه الموافق 31 ديسمبر 1999م، توفي في قرية تكية كلان بمديرية رائ بريلي (يوبي) الهند، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس العلى من الجنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.