نسمع منذ سنوات عديدة تصريحات رسمية كثيرة تدعو إلى ضرورة إيجاد بدائل من الآن لثروة النّفط الزائلة، وتحذّر من أزمات مالية خطيرة تتربّص بالأجيال اللاّحقة في حال عجز المجتمع الجزائري عن تأمين مستقبلها والعثور على آليات تسمح لها بضمان الرّاحة المالية عندما ينقرض النّفط، لكن الواقع لم يتغيّر أبدا، بل لعلّ الوضع يزداد تعقيدا أكثر بزيادة الاعتماد على النّفط أكثر. حيث يبدو الجزائريون عاجزين عن التفكير في مستقبل أبنائهم وأحفادهم وتأمينه، ويبدون غير قادرين على التخلّي عن عقليتهم الاتّكالية على الثروة النفطية· نتذكّر أنه في عزّ الأزمة العالمية، وحين كانت أسعار النّفط في الحضيض، دعا رئيس الجمهورية الجزائريين إلى التشمير عن سواعدهم، وقد خاطبهم من قبل قائلا إنه لا مستقبل لهم إن لم يشمّروا عن سواعدهم، وأكّد لهم أن ضرع البقرة سيجفّ لا محالة وحينها عليهم البحث عن مصادر أخرى غير ضرع البترول. وتوقّع بعض المتفائلين أن توقظ صيحة الرئيس الجزائريين من سباتهم العميق وتدفع بهم إلى التشمير عن سواعدهم، خصوصا بعد أن تابعوا كيف أن البترول يمكن أن يصبح سلعة بلا ثمن في أي لحظة، ناهيك عن قابليته للنّفاد ووشوك انقراضه.وتوقّع بعض المتفائلين من الخبراء وغيرهم أن يكون درس الأزمة العالمية وانهيار أسعار النّفط نتيجة لها كافيا لإرساء أسس اقتصاد جزائري قوي وصناعة وطنية متينة يمكنها على الأقل تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الواردات. وبعد شهور كثيرة من صيحة الرئيس أطلق الوزير الأوّل صيحة مماثلة أكّد خلالها أن الجزائر لا يمكنها الاعتماد على البترول إلى الأبد، وأنه لا يمكن الحلم مستقبلا بمشاريع ضخمة مشابهة لما يحمله المخطّط الخماسي الذي رُصد له غلاف مالي بقيمة 286 مليار دولار ما لم ينجح الجزائريون في تقوية منظومتهم الصناعية· وللأسف الشديد، يبدو أن صيحة الوزير الأوّل، ستكون صيحة جديدة في واد سحيق، كيف لا وقد جاءت في وقت تشهد فيه أسعار النّفط الذي يقتات منه الجزائريون ارتفاعا كبيرا، وهي مرشّحة لتلامس سقف المائة دولار للبرميل قريبا· وكان اللّه في عون الأجيال القادمة التي لن يكون لها بديل بعد نفاد النّفط غير التشمير عن سواعدها·